تشهد إسبانيا واحدة من أكثر اللحظات السياسية توترًا منذ سنوات، بعدما انفجرت موجة غضب شعبي واسعة ضد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز على خلفية سلسلة فضائح فساد تطال مسؤولين مقرّبين منه، وتصل في بعض جوانبها إلى أسرته ودائرة نفوذه السياسي. ووفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية، فقد تحوّلت العاصمة الإسبانية مدريد إلى مركز احتجاجات ضخمة تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، في وقت يتعرض فيه بيدرو سانشيز لضغوط سياسية وقضائية متلاحقة، ما يعيد إلى الواجهة أسئلة كبرى حول نزاهة مؤسسات الدولة الإسبانية وطبيعة التحالفات السياسية التي أبقت الاشتراكيين في الحكم خلال السنوات الماضية. وتأتي هذه التطورات بينما تشهد إسبانيا تحقيقات متزامنة تتعلق برشاوى، وعقود عامة مشبوهة، وتسريبات قضائية، ما جعل المشهد السياسي الإسباني يدخل مرحلة "غليان" قد تُعيد تشكيل توازن القوى داخل مدريد، بما يشمل حزب الشعب المعارض وأحزاب اليمين المتطرف التي تسعى لاستثمار الأزمة. اقرأ أيضًا| خلاف متصاعد حول خطة استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا عشرات الآلاف في الشوارع.. ومطالبات بانتخابات مبكرة أفادت «الجارديان» بأن عشرات الآلاف خرجوا في مظاهرة حاشدة وسط مدريد للمطالبة بانتخابات عامة مبكرة، على خلفية ما وصفوه ب"تدهور أخلاقي غير مسبوق" داخل الحكومة الاشتراكية. ووفقًا للصحيفة البريطانية، جاءت الدعوة للاحتجاج من حزب الشعب المحافظ تحت شعار مثير: "هذا هو: مافيا أم ديمقراطية؟" ونُظّمت المظاهرة بعد ثلاثة أيام فقط من وضع وزير النقل السابق خوسيه لويس أبالوس أحد أقرب حلفاء بيدرو سانشيز تحت الحبس الاحتياطي بقرار قضائي، على ذمة التحقيق في مخطط مشتبه به ل"رشاوى مقابل عقود". بينما قدّر حزب الشعب عدد المشاركين ب 80 ألف متظاهر، وقال مندوب الحكومة المركزية إن العدد الحقيقي يقارب النصف فقط، كما أقيمت المظاهرة في منطقة معبد ديبود وسط العاصمة. هجوم سياسي مباشر على سانشيز صعّد زعيم حزب الشعب ألبرتو نونيز فييجو، لهجته خلال كلمته أمام الحشد، واصفًا البرلمان الإسباني بأنه يعيش حالة "عبثية"، ومؤكدًا أن استمرار الحكومة الإسبانية أمر "غير مقبول". وقال فييجو إن قضية أبالوس تثبت أن ما سماه "السانشيزمو" تحول إلى منظومة فساد سياسي واقتصادي واجتماعي، مضيفًا: "السانشيزمو في السجن... ويجب أن يغادر الحكومة". تصعيد ناري من «أيوسو» ألقت إيزابيل دياز أيوسو، رئيسة منطقة مدريد والقيادية في حزب الشعب بإسبانيا، خطابًا ناريًا كعادتها، واتهمت سانشيز بمحاباة القوميين الباسكيين الذين دعموا حكومته. وذهبت أبعد من ذلك حين ربطت بين سانشيز وبين إرث جماعة إيتا الباسكية المسلحة التي أنهت نشاطها المسلح عام 2011، وقالت: "لا توجد خيانة أكبر لإسبانيا من ذلك". وهاجم وزير الرئاسة والعدل الإسباني فيليكس بولانيوس حزب الشعب وحزب فوكس اليميني المتطرف، وقال إنهما يتنافسان "لمن يطلق أكبر قدر من الشتائم ضد رئيس الوزراء الإسباني"، مؤكدًا أن الأزمة تُستخدم سياسيًا أكثر من كونها تتعلق بمكافحة الفساد. استقالة المدعي العام تزيد المشهد تعقيدًا زاد تطور آخر من تعقيد الأزمة، تمثّل في استقالة المدعي العام ألفارو جارسيا أورتيز بعد إدانته من المحكمة العليا بتسريب معلومات سرية تتعلق بقضية ضريبية تخص صديقة أيوسو. وهذه الإدانة أثارت نقاشًا واسعًا حول تسييس القضاء في البلاد. اقرأ أيضًا| زلزال سياسي في أوكرانيا.. تحقيقات فساد تضرب قلب فريق زيلينسكي الحاكم تحقيقات تطال أسرة سانشيز.. واستقالات داخل حزبه أكدت «الجارديان» أن التحقيقات لم تتوقف عند حدود المسؤولين السياسيين، بل امتدت إلى زوجة سانشيز وشقيقه في قضايا يجري فحصها حاليًا، رغم نفي سانشيز لها واعتباره أنها "افتراءات سياسية". وفي يونيو الماضي، اضطر سانشيز إلى إقالة مساعده الأيمن سانتوس سيردان من منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي، بعد أن أشار قاضٍ في المحكمة العليا إلى وجود "أدلة دامغة" على احتمال تورطه في تلقي رشاوى لتمرير عقود شراء معدات صحية خلال فترة جائحة كوفيد. ويُتهم كذلك: خوسيه لويس أبالوس، وكولدو جارسيا (أحد مساعديه) بالضلوع في العملية نفسها، بينما يصرّ الثلاثة على براءتهم وينفون أي مخالفة قانونية.