عشنا على مدار شهر كامل حالة من النشوة رافقت افتتاح «متحف مصر الكبير»، ترجمت فى زيارات من الداخل والخارج أدت ربما لأول مرة فى التاريخ إلى إجراءات للحد من الزيارة أو لضبطها وتقنينها، على الأقل بالنسبة للمصريين الذين اندفعوا بعشرات الآلاف من كل الشرائح الاجتماعية لزيارة متحف بلدهم الذى تابع العالم على الهواء افتتاحه، وذلك لإتاحة الفرصة أمام السياح الذين يتقاطرون من أنحاء العالم الى القاهرة وبسبب ضغط الزيارة قد لا يتمكنون من إيجاد تذاكر للزيارة، مع الأخذ فى الاعتبار أن المدة التى يقضيها السائح الأجنبى خلال زيارة المتحف لا تتجاوز عادة ثلاث ساعات، بعكس المصرى الذى قد يقضى اليوم كاملًا فى التجول فى أرجاء المتحف. وسط كل هذا الفرح يجب ألا ننسى المتحف المصرى بالتحرير، وألا نتركه يذهب فى طى النسيان، لأسباب كثيرة، أولها وأهمها اقتصادى يتمثل فى تعظيم موارد الدولة، فأنا لن أغلق «التحرير» لصالح «الكبير»، وإلا فسوف أكون كمن نقل أمواله من جيب إلى الجيب الآخر، ثانيًا الإمكانات المتفردة التى يتمتع بها متحف التحرير تجعله هدفًا للزيارة، فى حد ذاته، لأنه أول متحف ينشأ فى العالم بغرض أن يكون متحفًا، وقبله كانت المتاحف تتخذ من القصور مقرًا، اضف الى ذلك أن تصميمه الفريد تم، مثل متحف مصر الكبير، عبر مسابقة أطلقت عام 1895، وصممه معمارى فرنسى وافتتح فى نوفمبر 1902م، فى قلب القاهرة التاريخية، وظل حتى شهر مضى قبلة كل من يريد زيارة القاهرة، واستقبل بين جنباته أهم رؤساء وملوك العالم فى القرن الأخير. وزير السياحة والآثار من جانبه حدد الموقف الرسمى تجاه متحف التحرير، وأكد أن الحكومة تسعى لتطويره والحفاظ عليه، وتتعامل مع الأمر باعتباره أولوية قصوى، ليبقى ركنًا اساسيًا فى منظومة متاحف مصر المتطورة، وأعلن مؤخرًا ان تطويره المنتظر يرتكز على إبراز هوية المتحف المتفردة، مع إعادة تقديمه للعالم بصورة حديثة، وباستخدام تقنيات عصرية تليق بتاريخه ومكانته، وطالب الوزير بوضع مخطط استراتيجى متكامل للتطوير. فاروق حسنى كان له رأى بتحويل المتحف إلى مركز بحثى عالمى يكون قبلة لعلم المصريات، على أن تتعاون البعثات الأثرية العاملة فى مصر فى شغله، ويتم تنظيم معارض متغيرة لنتاج استكشافاتها، ويحتضن بالتبعية اهم مؤتمرات وندوات علوم المصريات على مستوى العالم، لكن عالم الآثار زاهى حواس يعارض هذا لغياب العائد الاقتصادى عنها، ويرى أنه يمكن إيثار متحف التحرير بمجموعات فريدة لا مثيل لها، ليكون هناك دافع للزيارة. أرجو ألا تطول الدراسة، كان أمامنا عشرون عامًا مضت لحسم هذه القضية.. مصر أولى بكل ساعة .