سلطت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية الضوء على الاتفاق الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج باعتباره تطورًا لافتًا في سياق التوتر المتصاعد بين واشنطنوبكين. فالمحادثات التي جرت بين الطرفين في أكتوبر، واستمرت 90 دقيقة، ترافقت مع سلسلة اتصالات رفيعة المستوى لاحقًا، ما أعاد طرح السؤال حول طبيعة هذا الاتفاق بشأن «هل هو مجرد هدنة قصيرة، أم خطوة تهدف إلى تخفيف حدة الاشتباك الاقتصادي والتجاري بين الجانبين؟». اقرأ أيضًا| بين بوتين وشي وترامب.. مودي يكافح لإثبات نفوذ الهند العالمي وبحسب المجلة الأمريكية، فإن ما جرى لا يُقدَّم رسميًا كتحوّل كبير، لكنه يكشف عن محاولة من الطرفين لإبطاء التصعيد، مع بقاء الملفات الأكثر حساسية مثل التكنولوجيا، وملف تايوان، والذكاء الاصطناعي خارج نطاق التفاهم الحالي. وفي ظل الضغوط الاقتصادية على الصين، والقلق الأمريكي من اتساع نفوذ بكين، يبدو الاتفاق بمثابة خطوة لإدارة المرحلة الراهنة، دون إنهاء جذور التنافس القائم بين القوتين. هدنة أم بداية مرحلة جديدة؟ كشفت مجلة «فورين بوليسي» أن الاجتماع الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينج في أكتوبر، والذي استمر 90 دقيقة، لم يكن مجرد إعلان عن هدنة لمدة عام في الحرب التجارية، رغم أن كثيرًا من الإعلام الأمريكي تعامل معه بهذه الصورة. وبحسب المجلة، أعادت الولاياتالمتحدة الرسوم الجمركية إلى مستويات 19 يناير، بينما بقيت تفاصيل الاتفاق قيد المراجعة، وهو ما أكدته مكالمة نادرة بين شي وترامب في 24 نوفمبر الجاري، أبدى خلالها الرئيس الصيني رغبته في تنفيذ التفاهمات، مع إثارة ملف تايوان في الوقت نفسه. واشنطن تدخل "مرحلة المساومة" في مواجهة صعود الصين أوضحت المجلة أن العلاقات الأمريكيةالصينية يمكن فهمها عبر "مراحل الحزن الخمس"، وهي: الإنكار، والغضب، زالمساومة، والاكتئاب، والقبول. ووفقًا ل«فورين بوليسي»، يبدو أن واشنطن تجاوزت مرحلتي الإنكار والغضب، واتجهت الآن نحو "المساومة". وتشير البيانات إلى حجم التحول، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين من 310 مليارات دولار عام 1985 إلى 18.8 تريليون دولار عام 2024، بينما أصبحت بكين منافسًا مباشرًا للهيمنة الأمريكية في التكنولوجيا المدنية والعسكرية. وترى المجلة أن الولاياتالمتحدة ظلت لسنوات تعتقد أن انفتاح الصين الاقتصادي سيؤدي إلى انفتاح سياسي مشابه لما حدث في كوريا الجنوبيةوتايوان، وهو افتراض ثبت خطؤه. اقرأ أيضًا| زعيمة اليابان الجديدة تواجه رد فعل صيني غاضب بسبب تصريحاتها حول تايوان تهديدات بكين تتصاعد.. ورد واشنطن يتغير ذكرت المجلة، أن الصين كثفت خلال السنوات الأخيرة خطوات "فك الارتباط" التدريجي مع الاقتصاد الأمريكي، ساعية لتقليل اعتمادها على الدولار وإنشاء سلاسل توريد مستقلة. وبحسب البيانات، انخفضت صادرات الصين إلى الولاياتالمتحدة بنسبة 27% في سبتمبر الماضي وحده، كما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر داخل الصين بوضوح. وتشير المجلة، إلى أن الصين أصبحت تجري أكثر من 30% من تجارتها العالمية باليوان، في خطوة تهدف لإضعاف هيمنة الدولار وتشجيع دول الجنوب العالمي على إصدار "سندات الباندا" ( وهي سندات بالعملة الصينية مثل اليوان الصيني أو الرنمينبي، يتم إصدارها وبيعها من قبل جهة غير صينية (أجنبية)، داخل سوق المال في البر الرئيسي لجمهورية الصين الشعبية). كما هدّدت بكين بوقف صادرات المعادن النادرة، وفرضت قيودًا على الجاليوم والجرمانيوم والجرافيت، ما شكّل ضغطًا على الصناعات الإلكترونية والعسكرية الأمريكية. وترى المجلة أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أدرك أخيرًا أن واشنطن قللت من شأن نفوذ الصين. اتفاقات متبادلة.. وتراجع محدود في التصعيد التجاري وفقًا للتقييم المبدئي الذي نقلته المجلة، فإن الاتفاق بين ترامب وشي تضمن سلسلة تنازلات متبادلة، أبرزها: ◄ التزامات أمريكية، مثل: - تعليق الرسوم الجمركية بنسبة 10% على صادرات الصين من المواد المرتبطة بالفنتانيل، ووقف إضافة شركات صينية جديدة إلى "قائمة الكيانات" لمدة عام. - تعليق الرسوم البحرية على السفن الصينية في الموانئ الأمريكية لمدة عام، وتمديد استثناءات الرسوم وفق المادة 301 لمدة عام. - خفض متوسط الرسوم الجمركية المفروضة على الصين إلى 45% (أقل من تلك المفروضة على الهند والبرازيل). ◄ أما التزامات صينية، فهي: - وقف تطبيق الضوابط الجديدة على صادرات المعادن الأرضية النادرة لمدة عام. - إصدار تراخيص عامة لتصدير الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون والجرافيت. - شراء كميات متفق عليها من فول الصويا ورفع الرسوم الانتقامية عن منتجات زراعية أمريكية. - السماح لشركة "نيكسبيريا" الصينية لصناعة أشباه الموصلات باستئناف تصدير رقائق قديمة. - وقف استهداف الشركات الأمريكية في تحقيقات مكافحة الاحتكار. وترى «فورين بوليسي»، أن التفاهمات تحقق لبكين جزءًا من هدفها: تثبيت الاستقرار وتخفيف الضغط الأمريكي. اقرأ أيضًا| «هل تجاوز ترامب حدود القانون؟».. تحليلات قانونية وسياسية تكشف التفاصيل هدنة هشة.. وقلق من انفجار محتمل حذرت المجلة من هشاشة الاتفاق، مؤكدة أنه قد ينهار نتيجة: تغريدة واحدة من ترامب، أو استفزاز عسكري صيني في بحر الصين الجنوبي، أو خطوة أمريكية تجاه تايوان. فالتوترات الهيكلية بين البلدين لا تزال قائمة، وتشمل: فائض الطاقة الإنتاجية الصينية، والمنافسة التكنولوجية، والصراع السياسي العسكري. وسباق الذكاء الاصطناعي بين نموذجين: الأمريكي (الذكاء الاصطناعي العام) والصيني (المفتوح المصدر الموجّه للجنوب العالمي). خطط للقمم المقبلة.. ومحاولة لإعادة بناء الاتصالات العسكرية أشارت «فورين بوليسي»، إلى أن ترامب وشي اتفقا على آلية متابعة لتنفيذ الاتفاق، وتبادل الزيارات الرسمية بدءًا من الربيع المقبل. كما شهدت كوالالمبور اجتماعًا بين وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث ونظيره الصيني دونج جون لإعادة فتح قنوات الاتصال العسكرية. وهذه الخطوات تمثّل بداية مرحلة "إدارة التنافس" بدلًا من تركه بلا ضوابط. ملفات لم تُطرح.. تايوان والرقائق والذكاء الاصطناعي كشفت المجلة، أن موضوعين حساسين لم يناقشا في اجتماع ترامب وشي: أولا: ملف تايوان، حيث إن بكين تسعى لضمانات أمريكية بعدم دعم استقلال الجزيرة. ثانيا: الرقائق، حيث يحاول الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا» الأمريكية (واحدة من أقوى وأهم شركات التكنولوجيا في العالم، خاصة في قطاع الذكاء الاصطناعي) الضغط للسماح بتصدير نسخة مصغّرة من شريحة "بلاكويل" إلى الصين. كما أشارت المجلة إلى أن نقص الرقائق في الصين أصبح واضحًا، وهو ما قد يفتح الباب لتفاهمات جديدة. الأسلحة النووية.. ملف يعود للواجهة أفادت المجلة بأن ترامب يعمل على مبادرة لنزع السلاح النووي تشمل روسياوالصين. وتشير البيانات إلى أن: الصين ضاعفت ترسانتها إلى نحو 600 رأس نووي، ويتوقع أن تصل إلى 1000 رأس بحلول 2030، مع احتمال بدء تجارب نووية جديدة. وتعتبر المجلة أن هذا الملف قد يتحول إلى نقطة اختبار جديدة في العلاقة بين البلدين. الصين تبحث عن "شريان حياة" اقتصادي أوضحت «فورين بوليسي» أن المؤشرات الاقتصادية الأخيرة تُظهر أن بكين تمر بمرحلة تباطؤ واضحة، وهو ما يجعلها أكثر استعدادًا للحوار، رغم الخطاب القومي المتشدد لشي جين بينج. وترى المجلة، أن الصين ربما أساءت التقدير عندما أظهرت قدرتها على تهديد العالم عبر التحكم في المعادن الأساسية، ما أثار مخاوف دولية واسعة. "مرحلة المساومة" بدأت فعليًا أكدت المجلة، أن الولاياتالمتحدةوالصين لم تصلا بعد إلى "الاكتئاب" أو "القبول"، وهما المرحلتان الأخيرتان من "مراحل الحزن"، لكن الاجتماع الأخير يعكس تحولًا مهمًا، فالولاياتالمتحدة بدأت تتصالح مع واقع صعود الصين، والصين بدأت تدرك حدود قوتها. وتبقى النتيجة مفتوحة، حول هل يعود البلدان إلى التصعيد؟ أم تنجح الهدنة في دفع العلاقة نحو توازن مستقر؟