تتواصل الاتهامات الموجّهة إلى إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بتقويض سيادة القانون، وتوسيع سلطات السلطة التنفيذية بصورة غير مسبوقة. فبالتوازي مع انتقادات محلية غير معهودة من قضاة وحكام ولايات ومسؤولين سابقين خدموا الإدارات الجمهورية والديمقراطية، تتصاعد أيضًا التحذيرات الدولية من أن النهج الذي تبنّته واشنطن خلال سنوات ترامب في السلطة، قد دفع الولاياتالمتحدة نحو مشارف «الدولة المارقة» التي تتجاهل القواعد القانونية الدولية وتستخدم القوة بطرق تثير مخاوف الحلفاء قبل الخصوم. وهذا الجدل المحتدم لا يقتصر على ممارسات تتعلق بالسياسة الخارجية أو الأمن القومي فقط، حيث يمتد إلى سياسات الهجرة، والعمليات العسكرية خارج الحدود، والرسوم الجمركية، وتسييس القضاء، وانتهاكات محتملة في استخدام سلطات إعلان الطوارئ. وبحسب تحليل خبراء قانونيين بارزين ومسؤولين سابقين في وزارتي الخارجية الأمريكية والدفاع والقضاء، فإن ما حدث خلال تلك السنوات مثّل تحولًا بنيويًا في علاقة الولاياتالمتحدة بالقانون، في الداخل والخارج، بشكل يثير قلقًا واسعًا بشأن مستقبل النظام الدولي الذي قادته واشنطن لعقود، وفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية. هل أصبحت الولاياتالمتحدة «دولة مارقة»؟.. خبراء يوضحون مؤشرات خطيرة بحسب «فورين بوليسي»، كشف محللون قانونيون وسياسيون أن عددا متزايدا من الدول والحلفاء بات يعتبر أن إدارة ترامب قدمت نمطا واضحًا من ازدراء الشرعية الدولية، وأوضح الخبراء أن مؤشرات «الدولة المارقة» ظهرت في عدة ملفات، مثل: العمليات العسكرية في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ ضد قوارب يُشتبه في تهريبها المخدرات، مع توسيع تفويض استخدام القوة خارج الإجراءات القانونية التقليدية. وتصنيف زعيم فنزويلا كزعيم عصابة مخدرات استنادًا إلى قوانين طوارئ ما بعد 11 سبتمبر، وهو توسع غير مسبوق في تفسير تلك السلطات. كذلك، تهديدات باستخدام القوة العسكرية ضد المكسيك ونيجيريا وبنما وحتى جرينلاند في سياقات سياسية غير تقليدية. وفرض رسوم جمركية واسعة ومثيرة للجدل اعتبر خبراء التجارة أنها تخالف المعايير الدولية وتسيء استخدام ثغرات الأمن القومي. ووفق التقديرات القانونية، فإن هذه التحركات مجتمعة تعكس ميلًا لفرض القوة التنفيذية خارج الضوابط التقليدية التي التزمت بها الإدارات السابقة. هجمات على المؤسسات الدولية.. «رسائل تهديد وترهيب» أكدت وثائق واستشهادات لمسؤولين سابقين أن إدارة ترامب هاجمت حتى معايير الشحن البحري الدولية وهددت دبلوماسيين أجانب رفضوا الالتزام برؤيتها. واعتُبرت هذه السلوكيات توسعًا جديدًا في سياسات الترهيب الدبلوماسي، إذ كانت الإدارات الأمريكية السابقة رغم الخلافات القانونية تحافظ على علاقة أكثر احترامًا بالقواعد الدولية. إجراءات داخلية مثيرة.. من العنف في الهجرة لتسييس العدالة أفاد مسؤولون قانونيون سابقون أن توسع انتهاكات القانون في الداخل الأمريكي كان موازيا للممارسات الخارجية، ك : عنف سلطات الهجرة والجمارك، واحتجاز مواطنين أمريكيين بالخطأ، ونشر قوات من الحرس الوطني في مدن أمريكية دون مبررات قانونية واضحة. وتسييس وزارة العدل الأمريكية لملاحقة خصوم سياسيين، وتعطيل تطبيق قوانين مكافحة الفساد مثل قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، واتهامات بتلقي أموال نقدية وارتباطات بمخططات العملات المشفّرة، إضافة إلى جدل واسع حول طائرة بوينج 747 «الموهوبة». وهذه الممارسات، وفق محللين بحسب «فورين بوليسي»، تمثل انحرافا مؤسسيا خطيرا عن المبادئ التي قامت عليها الأنظمة القانونية الفيدرالية. خبراء القانون: «ترامب يتصرف كما لو أنه القانون نفسه» نقلت تقارير كثيرة تصريحات خبراء بارزين، مثل، هارولد كوه، المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية في عهد باراك أوباما، قال إن ترامب لا يعترف بقيود القانون بل يتصرف كما لو أنه القانون ذاته. من جانبه، أكد جون بيلينجر الثالث، المستشار القانوني في عهد (الرئيس الأمريكي الأسبق ال 43) جورج بوش الابن، أن إدارة ترامب أظهرت "عدم اكتراث غير مسبوق" بالقانون الدولي والمحلي. وأشارا إلى أن الولاياتالمتحدة كانت تاريخيًا منارة لسيادة القانون عالميا، لكن هذا الدور تآكل بشكل ملحوظ خلال سنوات ترامب. انتهاكات مزعومة في العمليات العسكرية.. مذكرات تمنح حصانة وتهديدات للمعارضين كشفت تحليلات قانونية، أن إدارة ترامب، حاولت إيجاد مبررات واسعة تتجاوز القيود القانونية التي تحكم استخدام القوة المميتة، ك مذكرات صادرة عن وزارة العدل تمنح أفراد الخدمة حصانة من الملاحقة في حوادث القوارب. كذلك، وصف ترامب للمشرعين المعترضين بأنهم «خونة»، رغم أن القانون العسكري يلزم الجنود برفض الأوامر غير القانونية، وتصنيف تجار الكوكايين كإرهابيين بشكل يتيح استهدافهم، وهو ما دفع حلفاء مثل بريطانيا وكولومبيا إلى تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية، بحسب «فورين بوليسي». وهذه النقطة تحديدًا اعتبرها خبراء «سابقة خطيرة» في تفسير قانون الطوارئ. مقارنة إدارة ترامب بالإدارات السابقة أوضح محللون أن الإدارات الأمريكية السابقة، سواء في عهد بوش أو أوباما، واجهت تحديات مشابهة تتعلق باستخدام القوة ضد الإرهابيين، لكنها، وضعت معايير قانونية مكتوبة لاستخدام القوة، وسعت لإيجاد توازن بين الضرورات الأمنية والقيود القانونية، واعتمدت مبررات مفصلة وعرضتها للرقابة. أما توسع إدارة ترامب، بحسب هارولد كوه، فقد اتسم ب«غياب الضوابط» و«تجاوز الحدود» بصورة لم تحدث من قبل. محللون: «الولاياتالمتحدة سبق أن تلاعبت بالقانون.. لكن ليس كإدارة ترامب» استعرض محللون تاريخ تدخلات الولاياتالمتحدة، في الحرب المكسيكيةوالأمريكية، والحرب الإسبانية الأمريكية، والتدخلات المتكررة في أمريكا اللاتينية، حتى استخدام السلاح النووي، والانقلابات في القرن العشرين. لكن ما بعد أحداث 11 سبتمبر كان نقطة تحول عززت السلطة التنفيذية بشكل كبير، ومع ذلك، أك. الخبراء أن ترامب بعد توليه السلطة دفع الأمور لأبعد مما وصلت إليه أي إدارة سابقة. الرسوم الجمركية.. هل تحوّلت «الطوارئ الوطنية» لبوابة بلا قيود؟ أوضحت مرافعات أمام المحكمة العليا أن إدارة ترامب، استندت إلى إعلانات طوارئ وطنية غير محددة، واستخدمت تلك الصلاحيات لفرض رسوم على «أي شخص وفي أي مكان ولأي مدة». وأثارت شكوك قضاة المحكمة العليا بشأن التعدي على السلطة التشريعية وتقويض الفصل بين السلطات، كما حذر هارولد كوه من أنه إذا اعتُمد هذا النهج فسيصبح الرئيس «أقرب إلى وضع الملك». أزمة القيادة الدولية.. من يرث عباءة «حارس النظام الدولي»؟ أوضح خبراء أن الولاياتالمتحدة، كانت القوة الأساسية في إنفاذ القانون الدولي طوال القرن العشرين، وأنها لعبت دورًا محوريًا في الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي، وفقًا ل«فورين بوليسي». لكن بحسب الخبراء، فمع تراجع هذا الدور، تتزايد المخاوف من صعود الصين لقيادة النظام العالمي، أو احتمالية تفكك العالم إلى مناطق نفوذ منفصلة بلا قواعد واضحة. وأشار جون يو، المتخصص في القانون الدستوري والقانون الدولي والسياسة الخارجية، إلى أن ما يحدث هو «تسريع لأزمة كانت قادمة.. ولكن دون أي خطة». تراجع تبادل المعلومات مع الحلفاء وانهيار «العيون الخمس» أكد خبراء وفق مجلة «فورين بوليسي»، أن أحد أبرز النتائج المباشرة كان، تقييد بريطانيا لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولاياتالمتحدة، واهتزاز ثقة الشركاء في اتفاقية Five Eyes (اتفاقية العيون الخمس وهي تحالف استخبارتي تاريخي وقائم يضم خمسة دول وهم الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، وكندا وأستراليا ونيوزيلندا). وقد حذر الخبراء، بأن هذا الانسحاب يترك فراغًا خطيرًا في قيادة القواعد الدولية، قد يدفع دولًا كالصين وروسيا لملئه، أو يؤدي إلى عالم منقسم بلا قواعد واضحة. فيما يرى بعض المحللين، أن إدارة ترامب تُسرّع هذا التحول دون رؤية استراتيجية، ما يجعل مستقبل النظام الدولي أكثر غموضًا وتشتتًا..