اختتم مؤتمر الأممالمتحدة للمناخ COP30 في بيليم البرازيلية بتأخير فاق اليوم كاملاً، بعد أن كاد ينهار لولا مفاوضات ماراثونية امتدت حتى ساعات الفجر. وبينما تجادل المراقبون حول ما إذا كان المؤتمر نجاحاً أم فشلاً، كشف تحليل نشرته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن عقبات جيوسياسية كبرى حاصرت المفاوضات وأوشكت على إسقاط اتفاقية باريس للمناخ، التي وصفها خبراء مخضرمون بأنها كانت على "جهاز الإنعاش". انسحاب أمريكا وتردد الصين يخلقان فراغاً قاتلاً تصدّر غياب القيادة العالمية قائمة التحديات التي واجهت المؤتمر، إذ انسحبت الولاياتالمتحدة من دورها التاريخي بينما فشلت الصين في ملء الفراغ، وحسب التحليل، فإن هاتين القوتين اللتين كانتا تنسقان المواقف المناخية قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، باتتا اليوم على طرفي نقيض. هاجم ترامب علوم المناخ وشتم الأممالمتحدة، ثم شجع بعض القوى الإقليمية على عرقلة أي ذكر للوقود الأحفوري في الاتفاق النهائي، رغم أن هذه الصيغة كانت متفقاً عليها في COP28 بدبي. أما بكين، فرغم حضورها في بيليم ودعمها لشريكها البرازيلي ضمن مجموعة بريكس، إلا أن مستشاريها أوضحوا أن الصين لن تحل محل أمريكا في تمويل المناخ، ولن تقود وحدها أي ملف عدا تصنيع وبيع منتجات الطاقة المتجددة. هذا الفراغ القيادي، بحسب "ذا جارديان"، كان يمكن أن يتجنب العديد من المشكلات التي عصفت بالمفاوضات. لوبي النفط والانقسامات الداخلية تشل المفاوضات كشف التحليل عن صراع عميق بين مصالح استخراج النفط والحفاظ على البيئة، وهو انقسام يتجلى في جميع أنحاء العالم، إذ ان أحد الأطراف يسعى لتوسيع الحدود الزراعية والحفر بحثاً عن المعادن متجاهلاً تأثير ذلك على الغابات والمحيطات، بينما يحذر الطرف الآخر من أن هذه الأنشطة تتجاوز الحدود الكوكبية بعواقب كارثية على المناخ والطبيعة والصحة البشرية. ظهر هذا الانقسام بوضوح في موقف البرازيل المضيفة، إذ رصد مراقبون من آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية رسائل متضاربة، إذ دفعت وزيرة البيئة مارينا سيلفا بقوة نحو خارطة طريق للابتعاد عن الوقود الأحفوري وإنهاء إزالة الغابات، لكن وزارة الخارجية البرازيلية التي أمضت عقوداً في الترويج للأعمال الزراعية وصادرات النفط، أبدت تردداً واضحاً واحتاجت لتدخل الرئيس لولا دا سيلفا. النتيجة المريرة كانت غياب غابات الأمازون شبه التام من النص الرئيسي للمفاوضات، رغم أن هذه كانت أول قمة مناخية تُعقد في قلب الأمازون. أوروبا المأزومة بين البخل وصعود اليمين المتطرف واجهت أوروبا، التي اعتادت تقديم نفسها رائدة في العمل المناخي، انتقادات لاذعة في بيليم بسبب تقصيرها في الوفاء بوعود تمويل المناخ للدول النامية. أرجعت "ذا جارديان" هذا التقصير لانقسام أوروبا الناتج عن صعود اليمين المتطرف في العديد من الدول، ما أجبر الاتحاد الأوروبي على تأخير خطته المناخية المحدثة واتخاذ قرار متأخر في منتصف المؤتمر بجعل خارطة الطريق للانتقال من الوقود الأحفوري أحد "خطوطه الحمراء" في المفاوضات. هذا التأخر والارتجال، الذي وصفه التحليل بأنه "غير كفء في أحسن الأحوال"، أثار شكوك المشاركين من دول الجنوب العالمي، الذين اعتبروا هذا التحول المفاجئ مجرد خدعة أو ورقة مساومة لتأخير العمل على تمويل التكيف مع تغير المناخ. الحروب تسرق الأموال والاهتمام الإعلامي ألقت الصراعات في غزة وأوكرانيا والسودان بظلالها الثقيلة على المؤتمر، إذ أدت لتحويل أولويات الموارد الحكومية والتغطية الإعلامية، حيث أشار سياسيون أوروبيون لتحويل ميزانياتهم نحو إعادة التسليح رداً على التهديد الروسي المتصاعد، ما أدى لخفض حاد في المساعدات الإنمائية الخارجية وزيادة صعوبة تخصيص أموال لتمويل المناخ. الأخطر، وفق التحليل، كان الغياب الإعلامي المريب، إذ لم ترسل أي من الشبكات الإخبارية الأمريكية الأربع الكبرى فريقاً لتغطية المؤتمر، كما ان صحفيون بريطانيون وأوروبيون حاضرون في بيليم قالوا إنهم واجهوا صعوبة في إيجاد مساحة لقصصهم في النشرات الإخبارية. نظام قرار صدئ يمنح النفط حق الفيتو يكشف التحليل أن الأممالمتحدة، التي ستبلغ 80 عاماً العام المقبل، باتت تظهر علامات الشيخوخة، إذ ان نظام اتخاذ القرار بالإجماع في مؤتمرات المناخ يعني أن أي دولة تملك حق النقض، وهو ما كان منطقياً أيام الحرب الباردة، لكنه غير ملائم الآن في مواجهة تهديد وجودي للكوكب. ظهرت الإحباطات من هذا النظام بوضوح، خاصة بين دول الجزر الصغيرة، حيث أصدرت عشرات الدول ذات الطموح العالي بقيادة كولومبيا "إعلان بيليم" الخاص بها، وأعلنت خططاً لعقد عملية موازية حول التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ستبدأ بمؤتمر في سانتا مارتا بكولومبيا في أبريل المقبل. المنظمون يقولون إن الهدف استكمال العملية الأممية لا استبدالها، لكنه قد يوسع الفجوة بين كبار منتجي الوقود الأحفوري ودعاة الطاقة المتجددة.