تابعنا في الأيام القليلة الماضية بعض المشاهد غير المقبولة لبعض الطلاب اللذين يرقصون في أحد المدرجات بإحدى الكليات. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتلك الفيديوهات، وسط ردود فعل متضاربة، فالبعض يلوم على إدارة الكلية والجامعة، والبعض يتحدث عن الانحلال الأخلاقي، الذي آل بنا داخل مؤسسة تعليمية تُكنى بالحرم الجامعي. وبين هذا وذاك يبيت تهديد وناقوس خطر يقرع آذاننا! فهل لم يعد شباب الجامعات يعي أو يدرك طبائع الأماكن والمواقف؟ أم إنهم اصبحوا لا يعبئون بمن حولهم، ويعتبرونهم "دقة قديمة" في حين إنهم يرون أن المدنية وما بعد الحداثة، هما أن ارتدي اي شيء اريد، وأفعل اي شئ أشاء ، في أي مكان وزمان! وإن كانت الجامعة بتلك القدسية، كإحدى المسلمات، التي نمى عليها السابقون، فمن المسئول عن عدم قدرة شباب اليوم على قراءة ذلك، وهنا إجابات عديدة. فهل المسئولون هم أباطرة الدروس الخصوصية، في السناتر (الاوكار) من اللذين لا يشغل بالهم إلا جمع المال من الطلاب، مقابل تلقينهم بعض المعلومات، مع هذا الكم من السلوكيات المستعجنة والألفاظ المشينة، مع غيبة الرقابة في محيط تلك السناتر، و دون أدنى مسئولية عن تحقيق أي اهداف وجدانية أو سلوكية من شأنها أن تبني أجيالا واعية ومتعلمة في آن واحد؟ ومع غياب دور المدرسة، وسط حالة من الحضور الشكلي غير المنتظم من الطلاب، بمباركة أولياء الأمور، من اللذين لم يعد يشغل بالهم إلا تحفيظ أبناءهم أسئلة الإمتحانات المتوقعة، رغبة في إلحاقهم في إحدى كليات القمة، دون أدنى اهتمام بمتابعة خصائصهم السلوكية، أو بنائهم الفكري، أو الوجداني، فهل المسئول هو صانع القرار، ام المدرس، ام ولي الأمر، ام إنه المجتمع، الذي أصبح يستوعب تلك المخالفات، التي لم يكن يقبلها المصريون من قبل؟ ومع هذا الزخم من السلوكيات الدخيلة، المبثوثة عبر قنوات التلفاز ، وعبر مواقع التواصل، دون أدنى نوع من الرقابة، وبمباركة والدية ،وهي نا تمثل غزو ثقافي له القدرة على أثر اجيال كاملة، لتسطيح هويتها واستبدال الأسس الأخلاقية بالتفاهات. فبعدما حرص والدونا ومدرسونا على بنائنا على أسس راسخة، قوامها سلوكيات منضبطة من السادة المدرسين، وتقويم مظهري وأخلاقي للطلاب، وتعليم جيد حرص فيه المفتشون على دخول الفصول والشرح النموذجي، ومع إنه مازال هناك مدرسون ذوو علم ومبادئ، ومعظمهم قابع داخل مدرسته، راضيين بمن حضر من الطلاب، ليقومون بالتدريس لهم، إلا إننا أصبحنا نرى بعض المدرسين العصريين (المستر أو السير) وهم من يحرصون على أن يكونون بمثابة نجوم الشباك، سواء بلباسهم وحرصهم على إظهار عضلات الباي سيبس، أو في سلوكياتهم المشينة داخل سناتر الدروس الخصوصية، بأن يتراقصون ويتمايلون، ويدعون بعض الطلاب لمرافقتهم. وبعدما يتخرج الطالب ويلتحق بالجامعة، فماذا هو فاعل؟ فهل سيدرك بمنتهى السرعة معنى حرم جامعي، أم إنه ما زال يشعر بالتشابه بين قاعة الدرس في الجامعة وسنتر الدروس، فإذا ما حانت الفرصة رقص وغنى! حفظ الله مصر وحفظ الجامعات كاتب المقال: الكاتب والمحلل وأستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم