تدخل الكرة المصرية مرحلة من الانتظار المشحون بالأسئلة.. البطولة التى لم يعد يفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة، تأتى فى توقيت بالغ الحساسية للمنتخب الوطنى، وللنجم محمد صلاح على وجه الخصوص، إذ يعيش اللاعب موسمًا استثنائيًا في غرابته مقارنة بما اعتاده الجمهور خلال السنوات الأخيرة، وبين توقعات جماهير تبحث عن إنجاز طال غيابه، وأسئلة لا تهدأ حول وضع صلاح قبل البطولة وبعدها، يبدو أن نسخة هذا العام تحمل في تفاصيلها الكثير من النقاط التى تستحق التوقف والتحليل. محمد صلاح يدخل بطولة إفريقيا بحصيلة أهداف أقل، وتأثير محدود، وحضور متذبذب، وهو النجم الفذ الذي اعتاد أن يكون في صدارة ترتيب الهدافين وصانعى الخطورة في الدوري الإنجليزي. سَجَّل صلاح أربعة أهداف فقط - أحدها من ركلة جزاء - وصنع تمريرتين حاسمتين فى بداية الموسم، وهى أرقام لا تشبه اللاعب الذى اعتاد تسجيل 10 أهداف على الأقل قبل نهاية أكتوبر فى معظم مواسمه مع ليفربول.. ورغم ذلك، قد تكون هذه البداية غير الموفقة نقطة إيجابية من زاوية أخرى؛ فاللاعب لا يدخل البطولة وهو مُطالب بالحفاظ على قمة أداء استثنائية، بل يدخلها وهو يبحث عن الارتقاء بنفسه، وهذا ما يجعل سقف التوقعات الواقعى أقل ضغطًا مما كان عليه فى نُسخ سابقة.. ويرتبط اسم محمد صلاح فى ذهن جماهير ليفربول بواحد من أكثر الملفات إثارة للجدل: «تأثير كأس أمم إفريقيا على مستواه»، ففى نسخة 2022 تحت قيادة كارلوس كيروش، قَدَّم صلاح موسمًا تاريخيًا قبل البطولة، لكن بعد خسارة النهائى أمام السنغال تراجع مستواه بشكل واضح حتى نهاية الموسم، وانخفض مُعدله التهديفى والصناعة بصورة أثارت الكثير من النقاشات. ◄ اقرأ أيضًا | 5 هزائم تهزّ عرش الريدز.. ليفربول يدخل أخطر مراحل الفوضى تحت قيادة «سلوت» ◄ نمط موسمي وفى نسخة 2024، كان الوضع أكثر صعوبة؛ لم يحقق المنتخب أى فوز، خرج مبكرًا، تعرض صلاح لإصابة ثم لجدل إعلامى حول عودته لناديه، ليعود إلى إنجلترا فى حالة ذهنية صعبة انعكست على أدائه فى الملعب.. هذه التجارب المتتالية صنعت ما يمكن وصفه ب«نمط موسمى» يتكرر: بداية قوية قبل البطولة، ثم تراجع واضح بعدها، لكن وضع 2025 يأتى على العكس تمامًا، فصلاح ليس فى قمة مستواه، وبالتالى لا يدخل البطولة ليحافظ على أى قمة، بل يبحث عن القمة نفسها. ويدخل منتخب مصر البطولة وسط حالة من الطموح الكبير، لكن أيضًا وسط كثير من الأسئلة المتعلقة بالاستقرار الفنى، فالمنتخب لا يزال يبحث عن شكل واضح، وتماسك فنى يسمح له بالمنافسة فى بطولة تزداد صعوبة عامًا بعد عام، فى ظل تطور مستوى كثير من المنتخبات الإفريقية، وارتفاع مستوى الاحتراف الخارجى للاعبين. ويظل محمد صلاح كعادته، القائد الأبرز للفريق، سواء على مستوى الأداء أو القيادة النفسية، ما يضع على كاهله مسئوليات مضاعفة فى نسخة تحتاج لظهور قوى من اللاعبين الكبار.. وما يجعل هذه النسخة مختلفة، هو أن صلاح يدخلها من زاوية اللاعب الذى يفتقد لنسخته الحاسمة، لكنه فى الوقت نفسه يمتلك فرصة استعادة الثقة من خلال البطولة، خاصة إذا نجح فى تقديم مباريات قوية أو تسجيل أهداف مؤثرة فى مشوار المنتخب. من جهة أخرى، قد تكون البطولة مساحة لإعادة التوازن الذهنى لصلاح، خصوصًا إذا سار المنتخب بخُطى ثابتة، ما يمنح اللاعب دفعة معنوية تعيده إلى مستواه الحقيقى بعد العودة إلى ليفربول.. أما الجانب الأكثر حذرًا فى المشهد، فهو احتمالية أن تؤثر البطولة مرة أخرى على الحالة البدنية والنفسية للاعب، خاصة إذا شهدت مباريات ممتدة أو ضغوطًا جماهيرية غير معتادة.. ومع اقتراب موعد المنافسات، تظهر سيناريوهات منطقية لما يمكن أن يحدث بعد انتهاء البطولة: الأول أن ينجح صلاح فى استعادة مستواه خلال البطولة، ليعود إلى ليفربول بموسم ثانٍ قوى، كما حدث فى بعض الفترات خلال مسيرته؛ هذا السيناريو يبدو واقعيًا بالنظر إلى أن اللاعب لا يملك ما يخسره، بل لديه الكثير ليكسبه. الإرهاق والضغوط بينما الثاني تكرار التراجع، وهو أن يُواجه اللاعب إرهاقًا بدنيًا أو ضغطًا نفسيًا يُعيده إلى دائرة التراجع التى شهدتها مواسم سابقة، ورغم أن هذا السيناريو قائم، فإن دخوله البطولة دون استنزاف مبكر يجعل احتماليته أقل مما كانت عليه السنوات الماضية. والأخير أن يعود صلاح من البطولة دون تغيير ضخم على مستواه، لكنه يدخل النصف الثانى من الموسم بمعنويات متوازنة تسمح له بالتحسن التدريجى واستعادة جزء كبير من تأثيره. ولا يخفى الجمهور المصري حالة القلق الممزوجة بالطموح، فالبطولة تمثل فرصة للعودة إلى منصات التتويج، وصلاح يمثل الرمز الأكبر للكرة المصرية خلال الوقت الحالى. لكن فى الوقت نفسه، يعرف الجمهور أن البطولة ستؤثر بشكل مباشر على حالة اللاعب فى ناديه، خصوصًا مع اقتراب منافسات دورى أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية والدورى الإنجليزى، ومع كل هذه الأسئلة، تبدو نسخة 2025 فرصة حقيقية لإعادة صياغة المشهد، سواء لصلاح أو للمنتخب، بل وربما للكرة المصرية بأكملها. ونادرًا ما دخل محمد صلاح بطولة أمم إفريقيا وهو فى مثل هذا الوضع؛ ليس في القمة، وليس فى القاع، بل فى منطقة تحتاج إلى إعادة بناء وثقة، وبين ذكرياتٍ أثرت على موسمه فى نُسخ سابقة، وبداية موسم غير معتادة، تبدو بطولة هذا العام بمثابة اختبار نفسي وفني للاعب، ومحطة قد تحدد شكل النصف الثانى من موسمه ومستوى المنتخب أيضًا. السؤال الآن: هل تكون نسخة المغرب 2025، بداية تحول فى مسار محمد صلاح بعد سنوات من المُعاناة مع الكان؟ أم أن البطولة تواصل دورها المرهق كما حدث فى النسخ الماضية؟ الإجابة ستأتى من أرض الملعب والمشهد كله ينتظر.