حين تذكر اسم محمد صلاح، فأنت لا تتحدث عن مجرد لاعب كرة قدم محترف في أوروبا، بل عن ظاهرة رياضية وإنسانية تجاوزت حدود المستطيل الأخضر، من قرية نجريج الصغيرة في مصر إلى قمة ملاعب «أنفيلد» و«سانتياجو برنابيو» و«أليانز أرينا»، كتب النجم المصري قصة كفاح ملهمة جعلته أيقونة عربية وعالمية، لكن، وبرغم كل ما حققه من إنجازات فردية وجماعية، يبقى حلم واحد مؤجلًا: التتويج بالكرة الذهبية، أرفع جائزة فردية فى عالم كرة القدم، فلماذا لم يحقق «مو» هذا الإنجاز حتى الآن؟ قد يكون سوء حظ صلاح أنه بلغ ذروة تألقه في زمن يسيطر فيه جيل استثنائي على كرة القدم العالمية، فمنذ 2008، احتكر ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو الجائزة 12 مرة، وأصبح أى لاعب آخر مطالبًا بإنجازات غير عادية لكسر هيمنتهما، ومع ظهور جيل جديد، ازدادت المنافسة تعقيدًا. هؤلاء النجوم ربطوا أسماءهم ببطولات كبرى مثل كأس العالم أو دوري الأبطال، وهو ما يمنحهم ميزة إضافية في عيون المصوتين، بينما يظل صلاح فى كثير من الأحيان ضحية لغياب البطولات الكبرى فى اللحظات الحاسمة. وأحد أبرز العوامل التى أضعفت فرص صلاح فى سباق «البالون دور» هو التباين بين بداياته النارية وتراجع تأثيره فى نهايات المواسم، صلاح يبدأ عادة بقوة هائلة، يسجل ويصنع ويخطف الأضواء، لكنه مع دخول الأشهر الحاسمة يتأثر بالإرهاق أو ضغط المباريات أو الإصابات باستثناء الموسم السابق اللامع جدًا، ولأن التصويت على الجائزة يعتمد على الصورة الذهنية لختام الموسم، فإن لاعبين آخرين يكونون في قمة مستواهم وقت الحسم، ما يضعف فرص النجم المصري رغم أرقامه المبهرة في الشهور الأولى. ◄ اقرأ أيضًا | كييزا يدرك التعادل لليفربول أمام كريستال بالاس ◄ سلاح ذو حدين صلاح يدفع أيضًا ثمن ارتباطه ببطولة كأس الأمم الإفريقية، التى تقام عادة فى منتصف الموسم الأوروبي، هذه البطولة تُنهك اللاعبين الأفارقة بدنيًا، وتجعلهم يعودون لأنديتهم أقل جاهزية. في نسخة 2022 بالكاميرون، حمل صلاح منتخب مصر حتى النهائي، لكن الفريق خسر أمام السنغال، ليظفر زميله السابق ساديو ماني باللقب، هذه الخسارة لم تُنهك صلاح بدنيًا فحسب، بل أثرت على صورته فى سباق الجوائز، حيث فضّل المصوتون مكافأة ماني بصفته بطل إفريقيا، فيما خرج صلاح خالي الوفاض، ورغم حظ صلاح أن هذه المرة لم يكن هناك منافسة على صعيد بطولات المنتخبات إلا أنه ما زال بعيدًا! ◄ عقدة دوري الأبطال دورى الأبطال هو المفتاح الأهم للكرة الذهبية، وصلاح كان على أعتاب الفوز به أكثر من مرة، لكن عقدة ريال مدريد حرمته: 2018: خرج مصابًا فى النهائى بعد التحام مع راموس، وخسر ليفربول 3-1 وفي 2022: واجه الحارس كورتوا فى أفضل مستوياته، وخسر النهائى بهدف نظيف. ورغم أن صلاح فاز باللقب فى 2019 وسجل فى نصف النهائى والنهائى، إلا أن الكرة الذهبية ذهبت لميسى، فيما جاء فان دايك وصيفًا، ليظل النجم المصرى بعيدًا عن الحلم رغم إنجازه التاريخى، وهو نفس الأمر الذى كان يعانى منه صلاح هذه المرة بعد خروج فريقه من دور ال 16 لبطولة دورى أبطال أوروبا، رغم أن هناك 13 فائزًا بالجائزة منذ 2000 لم يتوجوا بدورى الأبطال! ◄ الحلم المؤجل منذ 1956، لم ينجح أي لاعب عربي في رفع الكرة الذهبية. الجزائرى رابح ماجر خطف الأضواء بهدفه بالكعب فى نهائى دورى الأبطال 1987، والجزائرى رياض محرز كتب قصة معجزة مع ليستر سيتى وحقق إنجازات مع مانشستر سيتي، لكن لا أحد منهم وصل إلى القمة.. صلاح كان الأقرب، والأكثر ثباتًا بين العرب، بتواجده المستمر بين أفضل 10 لاعبين فى العالم، وبالنسبة للجماهير العربية، أصبح أيقونة للأمل المؤجل، ونموذجًا للاعب الذى كسر الحدود لكن لم يصل بعد إلى السقف الأعلى.. ومراكز صلاح فى الجائزة منذ 2018 تكشف أنه كان دائمًا قريبًا من القمة، لكنه لم يحقق القفزة الأخيرة التى توصله للمنصة.. لكن كرة القدم الحديثة تربط الكرة الذهبية بالبطولات الكبرى فى نفس العام، ومهما كانت إنجازاته الفردية، فإن خسارة دورى الأبطال أو غياب منتخب مصر عن كأس العالم يجعل حظوظه تتراجع أمام منافسين فازوا بالبطولات. ◄ أرقام خارقة لكن بلا ذهب في موسم 2024-2025، قاد صلاح ليفربول إلى لقب الدورى الإنجليزى العشرين، وسجل 29 هدفًا وصنع 18 بإجمالى 47 مساهمة تهديفية، وهو أعلى معدل فى أوروبا. هذه الأرقام كفيلة بجعل أى لاعب مرشحًا أول للكرة الذهبية، لكن بالنسبة لصلاح لم تكن كافية أمام منافسين ارتبطت أسماؤهم هذه المرة. ◄ هل يفعلها يومًا ما؟ وأخيرًا محمد صلاح جمع بين الإنجازات الفردية والألقاب الكبرى، لكن لحظة التتويج بالكرة الذهبية ظلت عصية، ربما لأن المنافسة جرت في زمن استثنائى، وربما لأن الألقاب لم تتزامن مع أرقامه.. ومع ذلك، فإن مجرد وجوده فى السباق بشكل متكرر يجعله استثناءً عربيًا وإفريقيًا، يبقى السؤال: هل يستطيع «الملك المصري» كسر العقدة يومًا ما، أم أن الكرة الذهبية ستظل حلمًا مؤجلًا، ينتظر جيلًا عربيًا جديدًا ليحققه؟