من بين مقتنيات المتحف المصري بالقاهرة تبرز لوحة فريدة تُعد شاهداً على عمق المعتقدات الدينية واستمرارية الطقوس في مصر القديمة، إذ تسجل العلاقة بين كبار الكهنة والملوك، وتوثّق استمرار عبادة الملك تيتي في سقارة لقرون طويلة بعد رحيله. وتُعد هذه القطعة مثالاً بارزاً على الدور الذي لعبته النذور الدينية في التقريب بين عالم الأحياء والموتى في مصر القديمة. تعرض رواق 9 بالمتحف المصري بالقاهرة لوحة أثرية مميزة تُعرف باسم لوحة مري بتاح وجيحوتي مس، وهي نذر قدّمه جيحوتي مس إلى الملك تيتي تكريماً لروح والده الراحل مري بتاح الذي شغل منصب كبير كهنة الإله بتاح في مدينة ممفيس، جنوبالقاهرة الحالية. أمين «الأعلى للآثار» يلقي محاضرة عن الآثار المصرية بمتحف قصر هونج كونج وعلى الرغم من أن الملك تيتي حكم قبل أكثر من 900 عام من ولادة مري بتاح، فإن اللوحة تعكس استمرار قدسية هذا الملك وتأثيره الديني العميق في المنطقة. تحمل اللوحة اسم الملك تيتي داخل خرطوشين ملكيين، تعلوهما صيغة كتابية تبدأ بعبارة: "التسبيح لتيتي، وتقبيل الأرض للإله العظيم". ويشير استخدام لقب "الإله العظيم" إلى مكانة استثنائية، إذ لا يُستخدم هذا الوصف إلا للآلهة ذات القدسية الكاملة. ويفتح هذا التفصيل نافذة مهمة لفهم المعتقدات الدينية في مصر القديمة، حيث يبدو أن الملك تيتي قد عُبد كإله بعد وفاته، واستمرت طقوس تكريمه لمدة تقارب ألف عام، خصوصاً في محيط هرمه بمنطقة سقارة. تنتمي اللوحة إلى عصر الدولة الحديثة، الأسرة 19 (1298–1187 ق.م)، وقد صُنعت من الحجر الجيري الملوّن، مما يعكس مستوى عالياً من المهارة الفنية والاهتمام بالتفاصيل في صناعة النذور الدينية. وقد عُثر عليها في معبد الملك تيتي الجنائزي شمال سقارة ضمن منطقة ممفييس، وذلك خلال أعمال التنقيب التي أجراها عالم الآثار أ. برازانتي. تُعد هذه اللوحة واحدة من الشواهد الأثرية الهامة التي تربط بين الملوك المؤلهين والكهنوت المصري، وتعكس مدى استمرارية العبادة الملكية وتأثيرها على الطقوس والعقيدة في مصر القديمة. كما تسلط الضوء على الدور المحوري الذي لعبه كبار الكهنة في الحفاظ على العلاقات الروحية بين الأحياء والملوك المتوفين، ودعم الرموز الدينية التي امتد تأثيرها لقرون طويلة.