اختتمت مساء أمس - الجمعة - فعاليات النسخة ال46 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى برئاسة الفنان الكبير حسين فهمى، فى لحظة مفصلية للمهرجان العريق، الذى يملك ثقلًا تاريخيًا ورمزيًا، لكنه يجد نفسه اليوم فى بيئة إقليمية ودولية متغيرة بسرعة استثمرت مهرجانات مثل البحر الأحمر والجونة موارد مالية وتنظيمية ضخمة لتصبح منافسًا قويًا، ما يفرض على القاهرة خيارين لا ثالث لهما: التحوّل المؤسسى الحقيقى أو المخاطرة بفقدان موقعه الريادى تدريجيًا. على المستوى التنظيمى، بدا المهرجان أكثر انضباطًا مقارنة بالدورات السابقة، مع عروض متقنة وجلسات احترافية، لكن هذا المظهر لم يترجم إلى رؤية فنية واضحة، المسابقة الدولية ضمت أعمالًا قوية، العروض بدت مشتّتة بين التجريبية والجماهيرية دون خط برمجى واضح. السؤال الذى يظل مطروحًا: ما هى هوية مهرجان القاهرة اليوم؟ هل هو منصة للفن التجريبى والنخبوى، أم نافذة للجمهور الواسع، أم كلاهما بلا تعريف محدد؟ اقرأ أيضًا | القائمة الكاملة لتكريمات وجوائز الدورة 46 لمهرجان القاهرة السينمائي أبرز مكسب ملموس لهذه الدورة كان «أيام القاهرة لصناعة السينما»، التى تحوّلت إلى قلب مهنى للمهرجان. الجلسات المتخصصة فى الإنتاج المشترك وما بعد الإنتاج، وورش العمل للكشف عن مشاريع جديدة وتنمية المواهب، منحت المهرجان بعدًا وظيفيًا حقيقيًا وفرصة لأن يصبح محركًا للصناعة، ومع ذلك، يحتاج هذا التحوّل إلى برامج دعم مستمرة، صندوق متابعة للمشروعات الناشئة، وآلية لتحويل الأفكار المعروضة إلى إنتاج فعلى.. إدارة المهرجان حاولت تعزيز الانضباط، لكن تكرار أزمة حجز تذاكر العروض المصرية للصحفيين والنقاد، وتعقيدات اعتماد البادجات، وارتباك إدارة الحركة داخل المسارح، أظهرت هشاشة البنية التشغيلية، أزمة التذاكر ليست مجرد انزعاج فردى، بل مسألة شفافية تؤثر على مصداقية المؤسسة، الإعلام والنقاد ليسوا زينة للحدث، بل شركاء فى صناعة صورته وتوثيقه. من ناحية البُعد الإقليمى والدولى، القاهرة لا يزال بوابة مهمة للأفلام العربية والعالمية، لكنه بحاجة إلى استراتيجية استثمار ذكى، من شراكات صناعية دائمة إلى صناديق دعم دولية، لضمان الاستمرارية. أعمق مشكلة تكشف عنها الدورة ال46 هى غياب خطاب استراتيجى طويل الأمد يحدد موقع المهرجان فى السنوات المقبلة: هل يسعى ليكون مركزًا إنتاجيًا، منصة جماهيرية، أم مساحة للنقد والتجريب؟ بدون خطة واضحة ومؤشرات قياس، يبقى المهرجان رهينًا لتقلبات الموارد والقيادات. فى الختام، قدمت الدورة ال46 أعمالًا مهمة ومسارات مهنية واعدة، لكنها أيضًا كشفت عن نقاط ضعف بنيوية وإدارية، أمام القاهرة خيار الإصلاح المؤسسى وتحويل نجاحاته الفردية إلى منظومة مستدامة، أو الاستمرار فى التذرع بالتاريخ وحده، مع مخاطرة فقدان مكانته تدريجيًا.