في ظل ما يشبه الزلزال السياسي داخل المعسكر الغربي، أثارت تقارير حول خطة سلام محتملة بين الولاياتالمتحدةوروسيا موجة واسعة من القلق في العواصم الأوروبية، التي اعتبرت أن أي تفاوض يجري بمعزل عنها يُعد تجاوزًا صارخًا لدورها بوصفها الشريك الأكبر لأوكرانيا في الحرب والتمويل والسلاح. بحسب صحيفة ««الجارديان» البريطانية، تخشى دول الاتحاد الأوروبي أن تؤدي أي صفقة ثنائية بين واشنطنوموسكو إلى فرض تسوية تميل لصالح الكرملين، عبر دفع أوكرانيا إلى التنازل عن أراضٍ والتخلي عن جزء من سيادتها العسكرية والسياسية على خلفية سياق الحرب الروسية الأوكرانية، وهو سيناريو تقول أوروبا إنه سيشكّل تهديدًا مباشرًا لأمن القارة وقد يفتح الباب أمام تعديلات حدودية مفروضة بالقوة. ومع اتساع دائرة الاعتراض الأوروبي، يتصاعد الجدل حول مستقبل الدعم الغربي لكييف، خصوصًا مع الأزمات المتشابكة المتعلقة بالأصول الروسية المجمدة والخلافات حول تمويل ميزانية أوكرانيا خلال السنوات المقبلة، في لحظة تراها بروكسل "حاسمة" لمستقبل الأمن الأوروبي بالكامل. مطالب أوروبية بالمشاركة في أي مفاوضات سلام أفادت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أن دبلوماسيين كبارًا في الاتحاد الأوروبي أكدوا ضرورة إشراك أوروبا في أي تحركات أمريكية روسية للتوسط في اتفاق سلام بين موسكو وكييف، خصوصًا بعد تداول تقارير عن خطة "تميل لصالح الكرملين". وشددت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، على أن أي مبادرة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية يجب أن تستند إلى موافقة أوكرانية وأوروبية، مؤكدة أن "السلام العادل والدائم لا يمكن فرضه من الخارج". وقالت كالاس: "إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستطيع إنهاء الحرب فورًا إذا توقف عن استهداف المدنيين، لكن لا مؤشرات على أي تنازلات روسية حتى الآن، نؤيد كل الجهود، ولكن بشرط أن تخدم العدالة وتضمن الموافقة الأوكرانية والأوروبية معًا". برلين: لا مفاوضات دون أوكرانيا تبنى وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول، نفس الموقف، إذ شدد على أنه "لا يمكن مناقشة أي وقف لإطلاق النار أو ترتيبات سلام مستقبلية إلا بحضور أوكرانيا". وأضاف أن "أوروبا يجب أن تكون طرفًا أصيلًا في أي مسار دبلوماسي لأنها "الأكثر تأثرًا بالأزمة". تحدثت التقارير الإعلامية التي أثارت الجدل عن خطة أمريكية روسية تطالب أوكرانيا بالتخلي عن أجزاء من أراضيها، بالإضافة إلى قبول مستوى واسع وغير مسبوق من "الرقابة الروسية" على قراراتها العسكرية والسياسية — وهو ما وصفته مصادر أوروبية بأنه "تجاوز خطير لسيادة دولة خاضعة لهجوم"، بحسب «الجارديان». الموقف الفرنسي: السلام لا يعني الاستسلام رفض وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، فكرة أن تسوية الحرب الروسية الأوكرانية يمكن أن تقوم على شروط روسية بحتة، موضحًا أن "السلام يجب أن يبدأ بوقف إطلاق نار على خطوط التماس الحالية ثم مناقشة الأرض والضمانات الأمنية". وأضاف: "ما نراه اليوم أن روسيا وبوتين هما العقبة الحقيقية أمام أي سلام". اقرأ أيضًا: «الخارجية الفرنسية»: روسيا تعرقل الوصول إلى السلام الدائم في أوكرانيا بولندا: أوروبا هي اللاعب الأكبر من جانبه، أكد وزير خارجية بولندا رادوسلاف سيكورسكي، الذي كان يستعد لإطلاع نظرائه على حادثة تخريب خطوط سكك الحديد البولندية، أن أوروبا "لا يمكن استبعادها". وقال: "نحن الداعم الأكبر لأوكرانيا، وأمن أوروبا هو المعني مباشرة، نتوقع التشاور الكامل معنا". وأضاف أن الطرف الذي يجب تقييد قدراته ليس الضحية (أوكرانيا) بل "المعتدي الذي تسبب في الحرب"، بحسب تعبيره. الدوما يهدد بإجراءات قانونية في تطور موازٍ، أعلن البرلمان الروسي أن أي مصادرة للأصول الروسية المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي ستقابَل بتحرك قانوني ضد بلجيكا ومؤسسة "يوروكلير" في بروكسل، التي تحتفظ بالنصيب الأكبر من الثروة السيادية الروسية المحتجزة. وجاء التهديد عقب جدل داخل أوروبا حول خطة استخدام الأصول الروسية لتوفير قرض بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا، وهي خطوة تعارضها بلجيكا خشية العواقب القانونية. أزمة تمويل أوكرانيا.. عجز ضخم وتباينات أوروبية تزامن التصعيد الروسي مع رسالة وجهتها أورسولا فون دير لاين إلى قادة الاتحاد الأوروبي، حذرت فيها من عجز يصل إلى 136 مليار يورو في ميزانية أوكرانيا للفترة 2026–2027، خاصة في ما يتعلق بتمويل الدفاع والخدمات الأساسية. واقترحت فون دير لاين ثلاثة مسارات للتمويل، إلا أنها أبدت تفضيلًا لخطة قرض يعتمد على الأصول الروسية المجمدة. لكن بلجيكا اعترضت، معتبرة أن الخطة "تفتقر إلى تفاصيل حاسمة"، مثل الإجراءات المتوقعة إذا رفضت موسكو التعويضات أو رفعت دعوى ضد يوروكلير، التي تحتفظ بثلثي ثروة روسيا السيادية في الغرب. قرار بالإجماع ضد مصادرة الأصول الروسية يوم الخميس الماضي، صوّت مجلس الدوما الروسي بالإجماع على قرار يصف أي مصادرة للأصول الروسية بأنها "انتهاك للحقوق السيادية"، ملوحًا بالمطالبة بتعويضات وربما "مصادرة ممتلكات" تابعة لبلجيكا أو يوروكلير كإجراء قانوني مضاد. لكن يوروكلير رفضت التعليق المباشر، وأشارت إلى تصريحات سابقة لرئيستها التنفيذية فاليري أوربان، التي قالت لصحيفة "لوموند" الفرنسية، إن أي خطوة تشبه المصادرة ستكون "غير قانونية تمامًا"، وإن على أوروبا "التحلي بأقصى درجات الحذر". وفي بروكسل، واصل وزير خارجية المجر بيتر سيارتو، موقف بلاده المتشدد، وقال إن بودابست ترفض "إرسال أموال الشعب المجري إلى مافيا حرب أوكرانية فاسدة" بحسبه وصفه في إشارة إلى ملفات الفساد التي تضرب كييف والتي تستخدمها المجر لعرقلة الدعم الأوروبي.