بدء الصمت الانتخابي للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    مدبولي: لولا إرادة الرئيس ما كان ليتحقق هذا الإنجاز في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    12 قرارا عاجلا ومهما لمجلس الوزراء اليوم، اعرف التفاصيل    هل يخفض البنك المركزي الفائدة لتهدئة تكاليف التمويل؟.. خبير يكشف    المنيا: توفير 1353 فرصة عمل بالقطاع الخاص واعتماد 499 عقد عمل بالخارج خلال أكتوبر الماضي    كل عام وسيادتك بخير.. متحدث الرئاسة ينشر فيديو في عيد ميلاد الرئيس السيسي    يديعوت أحرونوت: محمد بن سلمان يضغط لإقامة دولة فلسطينية في 5 سنوات    مباشر كأس العالم - انطلاق قرعة الملحق العالمي والأوروبي    اتحاد الكرة يوضح إجراءات شراء الجماهير لتذاكر مباريات كأس العالم    حقيقة فسخ عقد حسام حسن تلقائيا حال عدم الوصول لنصف نهائي أمم إفريقيا    التحفظ على قائد سيارة ميكروباص انقلبت على الطريق السياحي بالهرم    ختام فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما.. اليوم    يوم الطفل العالمى.. كتب عن الطفولة الإيجابية    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    يضيف 3 آلاف برميل يوميًا ويقلل الاستيراد.. كشف بترولي جديد بخليج السويس    البنك القومى للجينات يستقبل وفد الأكاديمية الوطنية للغابات بالصين لتعزيز التعاون    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    الداخلية تضبط أموالاً بقيمة 460 مليون جنيه من نشاط إجرامى    تفاصيل صادمة في واقعة تشويه وجه عروس مصر القديمة.. المتهمة أصابتها ب 41 غرزة وعاهة مستديمة.. وهذا سبب الجريمة    أوقاف شمال سيناء تحذر من "حرمة التعدي على الجار" فى ندوة تثقيفية    مساعدة وزير التعليم العالي تدعو لاستهداف المدارس في برامج الصحة العامة    بهاء طاهر.. نقطة النور فى واحة الغروب    عرض عربي أول ناجح لفيلم اغتراب بمهرجان القاهرة السينمائي    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    أمين الفتوى يوضح حكم غرامات التأخير على الأقساط بين الجواز والتحريم    الغرفة التجارية بالقاهرة تنعى والدة وزير التموين    صحة بني سويف تطلق برنامجا إلكترونيا للحصول على خدمات العلاج الطبيعي الحكومية    انطلاق مباريات الجولة ال 13 من دوري المحترفين.. اليوم    تقارير: تعديل مفاجئ في حكم مباراة الأهلي والجيش الملكي    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    20 نوفمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    محافظ القاهرة وعضو نقابة الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    استشاري صحة نفسية توضح سبب ارتفاع معدلات الطلاق    التخطيط تبحث تفعيل مذكرة التفاهم مع وزارة التنمية المستدامة البحرينية    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    إندونيسيا: إجلاء أكثر من 900 متسلق عالق بعد ثوران بركان سيميرو    عاجل - اتجاهات السياسة النقدية في مصر.. بانتظار قرار فائدة حاسم ل "المركزي" في ظل ضغوط التضخم    «السماوي يتوهج في القارة السمراء».. رابطة الأندية تحتفل بجوائز بيراميدز    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    نشرة مرور "الفجر".. كثافات مرورية متحركة بطرق ومحاور القاهرة والجيزة    "الشباب والرياضة" تدشن "تلعب كورة" لاكتشاف 2000 موهبة في دمياط    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    نصائح هامة لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق البردى.. تاريخ مصر القديم بين العالمية والإذاعة المصرية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 16 - 11 - 2025


رضا سليمان
نعانى من نقص ملحوظ فى الأعمال الدرامية [إذاعة – سينما – تليفزيون - مسرح]، التى تُقدم تاريخ مصر القديم تكاد تنعدم هذه الأعمال الدرامية التى تسافر عبر الزمن فى محاولة لاستقراء هذه السنوات من تاريخنا العظيم وإن تم التعرض لهذا التاريخ فى أى عمل فني، فإنه يكون عبارة عن لمحات سريعة، بعيدة عن التوغل فى التفاصيل الصغيرة جدًا، والتى تنقل روح الزمان والمكان هذه التفاصيل الدقيقة، أراها، ذات أهمية قصوى للمتلقي، ومن هنا كان منبع فكرة الحلقات الإذاعية «أوراق البردي» الذى أذيع على موجات إذاعة البرنامج العام المصرية لمدة تزيد عن 14 سنة، بداية من نهاية عام 2006 وحتى بداية عام 2021م. وكانت هذه الحلقات مصدرًا مهمًا لعدد كبير من باحثى الدراسات العليا فى الجامعات المصرية.
هذا فى التوقيت الذى كانت تتحرك فيه السينما العالمية لتجسيد قصص من تاريخ مصر القديم، فى أفلام مثل: «خروج الآلهة والملوك (Exodus: Gods and Kings)» وفيلم «الهرم (The Pyramid)» وهما من إنتاج 2014، وأفلام «المومياء (The Mummy)» و«عودة المومياء (The Mummy Returns)» و«الملك العقرب (The Scorpion King)» و«العنصر الخامس (The Fifth Element)» و«أجورا (Agora)» عن الاحتلال الرومانى لمصر القديمة، و«كليوباترا (Cleopatra)» و«بوابة النجوم (Stargate)» و«الأمير المصرى (The Prince of Egypt)» و«آلهة مصر (Gods of Egypt)»، وغيرها من الأفلام التى وجدت فى تاريخ مصر القديم كنزًا فنيًا فالآثار التى تركها لنا الأجداد هى كنوز تُبهر العالم، كما شاهدنا مؤخرًا فى افتتاح المتحف المصرى الكبير ولا شك أن هذه الأعمال قد تحمل وجهات نظر مغايرة تخدم أهداف أصحابها، وهو الأمر الذى يُلقى على عاتقنا ضرورة مواجهتها بإنتاج مماثل أو يفوقها ويقدم الحقائق.
حديثى هنا عن حلقات «أوراق البردي» الإذاعية التى لم يكن إنتاجها بالأمر الهين؛ حيث واجهت فى البداية عدة عقبات ظهرت بعد الموافقة من رئيس الإذاعة المصرية على إنتاج الحلقات حيث تقرر أن تكون بدون أجور خاصة؛ أى أن أجر الفنان مهما كانت نجوميته فى الحلقة لن يتعدى أربعين جنيهًا، وهو المعمول به حينها، ثم تزايدت، بعد عدة محاولات، فيما بعد إلى خمسة وثمانين جنيهًا عن الحلقة الواحدة.
ثم كانت العقبة الثانية، أو هى الخطوة المهمة فى المشروع كله، فقد تملكتنى الحيرة لفترة غير قصيرة، فكيف – وأنا كاتب حلقات البرنامج ومخرجها فى الإذاعة – أن أقدم هذه المعلومات المتداخلة حينًا، والمعقدة أحيانًا أخرى، فى قالب درامى يتسم بالبساطة ليصل للمتلقى العادي؟ تلك كانت الإشكالية الأولى؛ ولما كان الهدف الأصيل هو توصيل تفاصيل تلك الحياة المصرية القديمة بشكل مُبسط جدًا، ويكون بعيدًا عن التسطيح والمغالاة فى آن واحد، وجب التغلب على ذلك من خلال «التصرف» فى النص الفرعونى وصياغته دراميًا ليسهل على المتلقى فهمه، فأتت نصوص البرديات والنقوش على جدران المعابد فى صورة حوار درامى أحيانًا، وعلى ألسنة الرواة فى بعض المواقع الأخرى.
ظهرت العقبة الثالثة فى اختيار فريق العمل برنامج سيمى دراما إذاعى يتحدث عن التاريخ المصرى القديم هو فى حاجة إلى أصوات تمتلك القدرة على نقل الأحداث بروح فرعونية؛ «صوت رخيم عميق». فتم اختيار فريق العمل من جيل الرواد: الفنانة القديرة وسيدة المسرح العربى سميحة أيوب، والفنان القدير محمود الحدينى ونخبة من النجوم من أساتذة الأداء الصوتى وإتقان العربية الفصحى، مثل الفنان مدحت مرسى وأشرف عبد الغفور ومتولى علوان صاحب الحنجرة القوية.
أتذكر تخوفى عند عرض الأمر على سميحة أيوب، وذلك لأن المقابل المادى ليس مُغريًا لأمثال هؤلاء النجوم. لكن سيدة المسرح العربى أبدت موافقتها مباشرة وبدون الدخول فى أى تفاصيل، وهذا ما فعله أيضًا الفنان القدير محمود الحدينى الذى تحمس للفكرة مباشرة.
بعد ذلك جاء دورى كمخرج إذاعي، حيث استخدام المؤثرات الصوتية والموسيقى والمُحسنات الصوتية، مثل صدى الصوت، وذلك للانتقال بجمهور المستمعين للتعايش الحقيقى مع تلك الفترة الزمنية القديمة وكأننا داخل أحد المقابر أو المعابد.
وكانت بداية الحلقات بالتعريف بماهية ورق البردى وما خُطَّ عليها من قصص مصرى قديم، لنقدم إلى مستمعى الإذاعة أصل الكلمة المشتقة من اللفظ المصرى القديم (papuro) ومعناه «الملكي»، إذ كان صنع الورق احتكارًا ملكيًا. ومنها كانت الكلمة الإغريقية (papyros) وهذه أُخِذَ منها (paper) الإنجليزية.
ومن أوراق البردى عرضنا بردية هاريس والتى كتبها القائد المصرى تحوتي، وهو من ضباط تحتمس الثالث. وبردية آنى الحكيم مؤلف كتاب الموتى. هذا النص كتبه آنى على بردية واحدة عرضها 40 سنتيمتر وطولها ثلاثون مترًا. وغير ذلك العديد من البرديات التى تحكى تاريخ مصر العظيم وحضارة شعبها الزاخرة بالقيم والأخلاق.
قمت بإعادة صياغة درامية لعدد من القصص منها: بردية الحكيم سنب حتب وفيها يوصى ابنه بقوله:
«أعد نفسك لتكون كاتبًا وحامل قلم المعرفة، إنها أشرف مهنة وأجدر وظيفة تليق بك وترفع شأنك وتقربك من الآلهة، فيوم أن تنادى شخصًا واحدًا يلبى نداءك ألف شخص... فتعلو بقلمك على رؤوس الآخرين... إن ما يخطه قلمك سيعيش أبد الدهر ويكون أكثر خلودًا مما ينقشه الآخرون على الحجر الصلب... لأنه سيعيش فى قلوب الناس ورؤوسهم، فلا تمتد إليه يد العبث أو التخريب.
تعلم كيف تحرك أصابعك القلم وكيف يحرك عقلك أصابعك، فلا يخط قلمك إلا الحكمة والمعرفة وما ينفع الناس. اجعل ملف البردى وأدوات الكتابة أصدقاءك، ستجد أنهم أوفى الأصدقاء وأخلص الندماء».
بالإضافة إلى العديد من البرديات التى تحدث أصحابها عن فضل أن يكون الإنسان كاتبًا، وقدموا إليه النصح قائلين:
«لينطق قلمك بالحق ولا يحفظ إلا الصدق ولا تدع يدًا تحركه إلا ضميرك. إن من يخرس صوت القلم يخرس صوته إلى الأبد. صوت القلم هو أعلى الأصوات لأنه صوت الحق. الكتابة حاسة مقدسة، يهبها الإله للكاتب لترفعه فوق الناس، فيرى ما لا يرون ويسمع ما لا يسمعون. قلم الكاتب طائر يحلق فى الآفاق العالية، فيرى ما لا يراه الغير ويصدح بما يراه وينقله إلى من فى الأرض.
القلم سلاحك الذى وهبك الإله إياه وخصك به وميز به مكانتك بين الناس فاحتفظ به نظيفًا. إن من يُغرِق صوت القلم بقوة ساعده، سرعان ما يغرق هو ويطفو صوت القلم على السطح».
وهناك بردية بِريس أو بردية الحكيم بتاح حتب، وهو وزير وحاكم المدينة فى عصر ملك مصر العليا والسفلى أسيسى - المستمتع بحياة خالدة أبدية - فيوجه بتاح حتب حديثه إلى الملك قائلًا:
«لقد أقبلتْ الشيخوخة وبدأ خرفها، وسرت الآلام فى الأعضاء وتبدى الهرم وكأنه شيء جديد وذهبت القوة وحل محلها الضعف والهزال، وصمت الفم وتوقف عن الكلام، وغارت العينان، وأصبحت الآذان صماء، وأمسى القلب كثير النسيان، لا يذكر ما حدث بالأمس، وغدت العظام تُقاسى من تقدم السن، وتوقف الأنف فأصبح ساكنًا لا يتنفس، وصار الوقوف والجلوس كلاهما شاقًا، وتحول الحسن إلى سيئ، ولم يعد لشيء أى طعم وتقدُم السن جعل أحوال المرء سيئة فى كل شيء... فمرنى حتى أتخذ لى سندًا فى شيخوختى وحتى أجعل من ابنى خليفة لى يحتل مكاني، فأعلمه عظات من يسمعون وآراء من سبقوا».
ومما تم تقديمه دراميًا قصة الفلاح الفصيح والتى حدثت فى عهد الملك خيتي، وهو أحد ملوك هيراكليوبوليس (مدينة إهناسيا الحالية)، وكان ذلك فى نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد وقد أطلق العلماء عليها اسم الفلاح الفصيح مجازًا بدلاً من اسم ساكن الحقل حيث كان يسكن البطل فى حقل الملح (وادى النطرون حاليًا)، والعهد الأهناسى الذى حدثت فيه هذه القصة عهد سادت فيه الفوضى وعم الاضطراب والاضطهاد.
وتبدأ الأحداث هناك فى حقل الملح حيث يسكن الفلاح «خنوم أنوب» الذى وقف يتحدث إلى زوجته قائلاً:
«انظرى يا زوجتى الغالية... إننى ذاهب إلى مدينة الفرعون لأحضر منها طعامًا، فاذهبى الآن وكِيلى لى القمح الذى فى الجرن، وابقى عشرين مكيالًا لتكون طعامًا لكِ ولأطفالكِ، واصنعى لى ستة مكاييل آخذها معى للأيام التى سأكون فيها على سفر.» وحمَّل الفلاح حَميره بالملح والقمح والخيزران وجلود الفهد وفرو الذئاب، وسافر حتى وصل أطراف مدينة «مِدينت» (أطفيح الحالية).
وهناك شاهد رجلًا واقفًا على شاطئ النهر يدعى «تحوت نِخت ابن آسري» وهو من مستخدمى «رنزى ابن مرو»» المدير العظيم للفرعون «نيكاو رع» وحينما رأى تحوت نخت هذا الفلاح وحميره المُحملة أخذته جوانب الطمع، فوقف يقول: «حمير مُحمَّلة بالعديد من الأمتعة والبضائع... ليت لدى وسيلة تمكننى من سرقة بضائع هذا الفلاح.
«واتُفق أن بيت تحوت نخت كان على ممر ضيق بجانب النهر، وكان جانب هذا الممر مغطى بالماء والجانب الآخر مغطى بالقمح، وهنا بدأ تحوت نخت يفكر فى حيلة، فأتى بقطعة نسيج ووضعها على الممر الضيق بحيث جعل طرفها على الماء وطرفها الآخر على سيقان القمح وانتظر حتى جاء الفلاح ليمر على هذا الطريق العام، وما أن اقترب الفلاح حتى صاح تحوت نخت: «احترس أيها الفلاح.» وتستمر أحداث القصة المثيرة.
ومن القصص المصرية القديمة التى عرضتُها فى حلقات أوراق البردى قصة سنوحي. أُلِّفت هذه القصة الطريفة فى أوائل الأسرة الثانية عشرة، أى سنة 2000 ق. م. تقريبًا.
أما عن نص هذه القصة فقد ورد على لسان سنوحى الذى كتب يقول: «كنت خادمًا يتبع سيده، وخادم نساء الملك، أخدم الأميرة صاحبة الثناء العظيم زوجة سنوسرت فى بلدة الهرم المسماة «خُنِم أسوت"، ولقد اتفق أنه فى السنة الثلاثين فى اليوم التاسع من الشهر الثالث من فصل الفيضان، أن دخل الإله أفقه، فطار الملك أمنمحات إلى السماء واتحد مع قرص الشمس وعندئذ صمت القصر وامتلأت القلوب حزنًا وجلس رجال القصر ورؤوسهم على ركبهم.»
ويقصد سنوحى بذلك أن الملك أمنمحات قد توفي، وكان الملك قبل وفاته قد أرسل جيشًا إلى خارج البلاد وكان بكر أولاده «سنوسرت» ضابطًا فيه. وتخبرنا أحداث القصة برسائل مختلفة إلى أبناء الملك المتوفى، وهنا يعلن سنوحى عن خوفه من حرب داخلية فيقول:
"وعندئذ كان قلبى يتحرق، وخارت ذراعاى واستولت الرعدة على جميع أعضائي، فقفزت باحثًا عن مكان أختبئ فيه، فكان أن سرت ناحية الجنوب ولم يكن غرضى الوصول إلى مقر الملك، لأنى فكرت فى أن الشجار قد يقوم هناك، فعبرت ماء «موتى» القريب من «الجميزة» ووصلت إلى جزيرة سنفرو ومكثت هناك فى الحقول المكشوفة، ثم أخذت فى السير مبكرًا.
ولما جاء وقت العشاء كنت قد اقتربت من بلدة «جو» فعبرت فى معبر بمساعدة ريح الغرب، ومررت إلى الشرق من المحجر الذى فى إقليم «سيدة الجبل الأحمر» ثم أسلمت الطريق إلى قدمى متجهاً نحو الشمال ووصلت جدار الأمير الذى كان قد أقيم لصد الآسيويين. و... حتى كان مستقرى فى «جبيل» وقضيتُ فيها نصف عام، ثم أخذنى «ننشى بن آمو» أمير «رتنو» العليا الذى قال له: «إن حالك معى سيكون حسنًا يا سنوحي، فأنا أعرف صفاتك وحكمتك، ولكن أخبرنى يا سنوحي... لماذا أتيت إلى هنا؟ هل حدث شيء فى مقر الملك؟» فيجيبه سنوحي: «إن الفرعون أمنمحات الأول قد ذهب إلى الأفق ولا أحد يعرف ماذا تم فى الأمر، فعندما وصلنى الخبر ارتعدت فرائصى ولم يعد قلبى يستقر فى جسمى فتركت المكان، مع أنه لم ينم عليّ أحد ولم يبصق فى وجهى إنسان، ولم يُسمع اسمى فى فم المنادي، وكأنه القضاء والقدر هو الذى أتى بى إلى هنا يا سيدي».
فيسأله: «وما هو حال البلاد بعد وفاة الملك أمنمحات، ذلك الفرعون المهاب مثل سخمت؟» يرد سنوحي: «الحق أن ابنه دخل القصر وأخذ إرث أبيه، فهو الذى أخضع الأراضى الأجنبية فى حين كان والده جالسًا فى القصر يتلقى النتائج الخاصة بما أمر به سابقًا، إنه الفرعون الشاب الذى تحبه مدينته... فالرجال والنساء يمرون أمام قصره فرحين به... إنه ملك قوى يا سيد ننشى... أرسل إليه... دعه يعرف اسمك، ولا تنطق بلعنة ضد جلالته، وهو لن يفوته أن يفعل الخير تجاه أرض مسالمة له».
ويذكر سنوحى بعد ذلك أن ننشى هذا جعله على رأس أولاد وزوجه من كبرى بناته وولاه على بلدة تسمى «ياء» كان فيها التين والكروم وزيتونها كثير وكل الفاكهة محملة على أشجارها، غير الشعير والقمح والماشية، ورغم كل ذلك كان سنوحى يشعر بأنه يفتقد شيئًا ما، فجلس يقول: «كنت فارًا هرب فى وقته... والآن يُكتب التقرير عنى فى مقر الملك... وكنت ثقيلاً يتضاءل بسبب الجوع... والآن أُقدم الخبز إلى جاري... كنت أُسرع الخطى لعدم وجود من أُرسل... والآن أملك العبيد بكثرة... بيتى جميل ومحل إقامتى رحب وإنى أُذكر فى القصر.» بعد ذلك يبدأ سنوحى فى مرحلة الندم على تركه لمصر ويتمنى عودته إليها فيقول: «أيها الإله الذى أمرت بهذا الهرب، كن رحيمًا وأعدنى ثانية إلى مقر الملك، اسمح لى بأن أرى المكان الذى يسكن فيه قلبي، والأمر الذى هو أهم من ذلك أن تُدفن جثتى فى الأرض التى ولدت فيها... ليت ملك مصر يرحمنى حتى أحيا برحمته وليتنى أسأل سيدة الأرض التى فى قصره عن إرادتها، وليتنى أسمع أوامر أولادها. ليت جسمى يعود إلى الشباب ثانية، لأن كبر السن قد نزل بى واستولى عليّ الضعف وعيناى ثقيلتان وذراعاى ضعيفتان وساقاى قد وقفتا عن السير وقلبى متعب والموت يقترب مني، ليتنى أعود إلى خدمة سيدتى الملكة نفرو وليتها تتحدث إليّ عن جمال أطفالها، وليتها تمنحنى قبرًا بجوار قبرها...» وهكذا حتى نهاية القصة الرائعة التى تصور لنا حب الوطن.
وغير ذلك العشرات من القصص وحكايات النقوش ونحت المعابد، وحلقات قدمت قصصًا أخرى مثل رادوبيس وهى أصل قصة سندريلا العالمية، واستعرضتُ حياة اخناتون وترانيمه. ونقلت الحلقات أيضًا عادات الفراعنة فى الملبس والمأكل، والزواج، والزراعة، والتجارة، والصناعة، وتفاصيل الحروب، والجيوش المصرية فى العصور القديمة، وقراءة ما تركه الأجداد منقوشًا على جدران المعابد، فلم تكن تلك الرسوم للزينة إنما كان لها هدف حقيقى إما فى الحياة الدنيا أو العالم الآخر عندهم، والذى يمثل شق الحياة والاهتمام به يقابل الاهتمام بالحياة الدنيا، لذلك مُلِئَت المقابر بكل ما سيحتاجه الراحل فى العالم الآخر كى يحيا حياة كريمة.
فى هذه الدراما، نستمع إلى كتاب الموتى وكتاب الطريقين إلى عالم الآخرة، وهما فى الأصل برديتان من البرديات الفرعونية ترجمهما البرنامج إلى دراما إذاعية تنقل للمستمع كل ما تصوره وتخيله المصرى القديم عن عالم الآخرة، والحساب، وطرق المرور للوصول إلى الجنة، ووَزن قلب المتوفى على ميزان يقابله فى الكفة الأخرى ريشة. ومَن ترجح أعماله الصالحة يكون مصيره حياة النعيم، أما من تغلب أعماله الشريرة أعماله الصالحة يلتهمه القرد والثعبان.
حلقات كثيرة من أوراق البردى نقلت عشق المصرى القديم لأرضه، أرض «كِمِت» وهذا هو الاسم المصرى القديم «للأرض السوداء» (أرض مصر)، لدرجة أنهم توَعَّدوا كل مَن أراد بهذه الأرض السوء أن يكون مصيره الهلاك.
والدراما الإذاعية هى أصل الكثير من الأعمال السينمائية والتليفزيونية. فهل يأتى اليوم الذى نشاهد فيه أعمالًا ضخمة عن تاريخ مصر القديم فى السينما أو فى التلفزيون؟ وهل يأتى وقت تكون فيه هذه الحلقات الإذاعية فى المتحف الكبير والمتاحف الأخرى تحكى للرواد عبر سماعات داخلية القصص التى يشاهدون آثارها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.