افتتح الفيلم الوثائقي الفلسطيني الطويل «ضايل عنا عرض»، عروض «جالا» ضمن فعاليات الدورة ال 46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، الذي يتناول آثار الدمار الناجم عن الإبادة الجماعية في غزة، من خلال متابعة مسيرة فناني السيرك الذين يصرّون على مواجهة اليأس والتحديات القاسية. ويركز العمل على أعضاء فرقة «سيرك غزة الحر» الذين اضطروا إلى النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، ليحوّلوا فنهم إلى فعل مقاومة وصمود، مقدمين عروضًا للأطفال في الملاجئ والشوارع، في محاولة لإهدائهم لحظات من الفرح وسط أجواء الظلام والمعاناة. وكشفت مخرجة العمل مي سعد، عن أن الدافع الأول وراء إخراج فيلم «ضايل عنا عرض» لم يكن فنيًا بقدر ما كان إنسانيًا خالصًا، مشيرة إلى أن العمل جاء كاستجابة مباشرة لمشهد القتل والدمار والقصف المستمر في غزة، ورغبة فى تقديم صورة مختلفة عن الشعب الفلسطيني، وعن حياته اليومية، وصموده ومحاولاته المستمرة لصناعة الفرح رغم الخراب. وقالت مي سعد عقب عرض الفيلم ضمن فعاليات المهرجان: "اللي حركني إنى كنت عايزة أعمل مشروع يوثق الحياة اليومية أثناء الإبادة.. كل اللي بنسمعه هو القصف والفيديوهات الصعبة، لكن محدش يعرف الناس عايشة إزاي، فكان لازم نسمع صوتهم"، وأشارت إلى أنها أرادت منذ البداية أن تحكي «قصة بشر» لا تُختزل في مشاهد الدمار وحدها. وتوضح مي سعد أن فكرة الفيلم بدأت بينما كانت تتابع الإبادة الإسرائيلية فى غزة يوميًا عبر شاشة التليفزيون، وما كان يصاحب ذلك من شعور عميق بالعجز، قائلة: "كنت طول الوقت بفكر إزاي نقدر نرصد ونوثق اللي بيعيشه أهل غزة، ومن خلال صديق صحفي اقترح علىّ التواصل مع مصور هناك، وكان هو مدير التصوير وشريكي في الإخراج أحمد الدنف". وكشفت مي سعد عن أنها كانت تتابع نشاط فرقة «سيرك غزة الحر» عن قرب، وهي فرقة شابة تقدم عروضًا للأطفال رغم القصف والدمار ونزوح السكان، مضيفة: "شجاعتهم وصمودهم خلوني أحس إن اللى بيعملوه حاجة شبه الخيال.. حاجة تبدو مستحيلة، قضيت أسبوعًا كاملًا أحاول أوصل لهم، ولما نجحت، كان أول صوت بيسمعنى هو محمد، مدير السيرك، بصوته المبهج". وأشارت مي سعد إلى أنه ما إن بدأت تقترب أكثر من فرقة «سيرك غزة الحر» حتى شعرت بعمق العلاقة التى نشأت بينها وبين أفرادها، متابعة: "لما عرف إنى كنت بحلم زمان أبقى مهرجة محترفة، ضحك وقال: إذن أنتِ واحدة مننا. ومن هذه اللحظة اتولدت الثقة بيننا". وأضافت مي سعد أنها لم تنتظر طويلًا بعد هذا التواصل الأول، قائلة: "بعد ثلاثة أسابيع بس من المكالمة الأولى بدأنا الشغل فعليًا، ورغم أن الحدود كانت مقفولة أمامى ولم أستطع السفر لهناك، لكنى اشتغلت جنبًا لجنب مع شريكى فى الإخراج أحمد الدنف.. بس عن بُعد، فكنا نعمل كل يوم تقريبًا، رغم انقطاع الكهربا وغياب الاتصالات وخطر الغارات". وتابعت مي سعد حديثها عن ظروف الإنتاج الصعبة، قائلة: "الاتصال كان بيقطع طول الوقت، لكن بطريقة ما، من خلال رسايل صوتية وفيديوهات وأونلاين، قدرنا نخلق طريقة لصناعة الفيلم من جوّه غزة نفسها.. وكأننا بنبنى الجسور بينا وبينهم رغم كل اللى بيحصل حواليهم". وأشارت مي سعد إلى أن الفيلم يتتبع حياة أعضاء فرقة «سيرك غزة الحر»، «يوسف، وبطوط، وإسماعيل، ومحمد، وجاست» الذين اضطروا للنزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، لكنهم رغم قسوة هذا النزوح قرروا مواجهة اليأس بالضحك، معتبرين أن عروض السيرك التى يقدمونها للأطفال وفى الشوارع والملاجئ ليست مجرد ترفيه، بل فعل مقاومة وصمود. وقالت مي سعد: "بينما الموت بيخيم فى الخلفية، الفرقة كانت بتخلق لحظات فرح صافية، كانوا بيصنعوا بهجة صغيرة وسط أوقات قاسية جدًا.. وده بالنسبة لى أقرب للبطولة". واستطردت مي سعد قائلة إن الفيلم لا يكتفى برصد عروض السيرك وأداء الفنانين على المسرح، بل يغوص فى الثمن النفسى والجسدى الذى يدفعه أعضاء الفرقة يوميًا، والروح الجماعية التى تجمع بينهم، والمشاعر المتباينة من خوف وقلق وترقب يعيشونها فى كل لحظة، إضافة إلى الخيارات المستحيلة التى يُجبرون على مواجهتها. وتابعت مي سعد: "الناس ممكن تشوف العروض وتفتكرها لحظات بسيطة وسهلة.. لكن الحقيقة أن كل عرض هو تحدٍ كبير، التحدى الحقيقى أنهم يعيشون ويبدعون ويحافظون على روحهم وفنهم رغم كل حاجة بتحصل حواليهم". وقالت مي سعد إن صديقها أحمد الدنف كان يصور يوميًا ويرسل لها الفيديوهات أولًا بأول، وكانت تطلب منه لقطات معينة وزوايا محددة وعدسات محددة، رغم أن الاتصال كان يُقطع معظم الوقت. وأكملت مي سعد قائلة: "العمل كان يتم فى ظروف شديدة الصعوبة، مع انقطاع طويل للكهرباء ونقص المعدات وفقدان بعض الأجهزة والإضاءات»، مضيفة: «كنا بنصور أحيانًا بكشافات الموبايل، فكل مشهد كان تحديًا حقيقيًا". وأكدت مي سعد أن فريق العمل المصرى بالكامل من مهندس الصوت إلى المونتير شارك متطوعًا دون أى مقابل دعمًا للفكرة والفيلم، مشيرة إلى أن إيمانهم بالقضية وأهمية الفيلم كان دافعًا كبيرًا بالنسبة لها. وأضحت مي سعد أن الفيلم عن الفرقة، لكنه أيضًا عن غزة، قائلة: "هو معايشة لحياتهم قبل العرض وأثنائه وبعده، فهو جزء صغير من حياة ناس بتمسك بالحياة رغم كل شىء". ورأت مي سعد أن فرقة السيرك تجسد معنى المقاومة بشكل فريد، قائلة: "الفن هنا مش ترف.. الفن وسيلة للبقاء. لمواجهة الموت بالضحك، لمواجهة الخراب بصوت طفلة بتضحك". وأضافت مي سعد: "الفرقة مؤمنة إن اللى بيعملوه ليه قيمة كبيرة.. حتى لو العرض 5 دقايق، فهذه اللحظة تغير شيئًا فى نفس طفل، أو أم، أو أى شخص فقد كل حاجة". وبينت مي سعد أن الرسالة الأساسية ل«ضايل عنا عرض»، هى كشف إنسانية الشعب الفلسطينى وسط الإبادة، قائلة: "العالم كان بيتفرج على إبادة شعب كامل.. وأنا كان لازم أعمل الحاجة الوحيدة اللى بعرف أعملها: أحكى حكايات الناس". وختمت مي سعد بالقول: "الموت موجود طول الوقت.. لكن الحياة موجودة برضه، واللى بيعملوه فنانو السيرك ده مش مجرد عرض ده إصرار.. ده صمود.. ده إنسان بيقول للعالم: أنا لسه هنا".