أفتخر أن أول علاج مناعى فعال لسرطان الكبد يحمل بصمة مصرية عقلنا قادر على المنافسة عالميًا.. إذا وجد البيئة التى تحتضنه فى زمن تتسابق فيه العقول حول العالم لصياغة مستقبل الطب، يبرز اسم الدكتور أحمد عمر كاسب كرمز علمى مصرى ألهم الملايين، وغير خريطة علاج سرطان الكبد عالميا، فإنجازاته، بداية من تطوير أول علاج مناعى فعال لهذا المرض إلى ابتكاراته فى الطب الدقيق، لم تُسجل فقط فى المختبرات، بل امتدت لتعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم.. وانطلقت رحلة هذا العالم الكبير من قاعات كلية الطب فى مصر إلى مركز إم دى أندرسون للسرطان فى تكساس، ليصبح نموذجا يجمع بين التفوق الأكاديمي، الريادة البحثية، والحس الإنسانى العميق. وتمثل زيارته الأخيرة لجامعة عين شمس خطوة وطنية مهمة نحو نقل خبراته العلمية وإقامة شراكات بحثية مستدامة، تؤكد أن نجاحه لم يكن شخصيا فقط، بل إضافة حقيقية لمصر والبحث العلمى العربي. وفى هذا الحوار، سنغوص فى تفاصيل رحلته العلمية، استراتيجياته العلاجية الرائدة، ورؤيته لطب المستقبل، لنكتشف كيف يحول د. كاسب العلم إلى رسالة، والنجاح الفردى إلى إنجاز يُضاف لرصيد مصر العلمى فى العالم. «كنت أعلم منذ اليوم الأول أن المهمة لن تكون سهلة، لكنه كان الطريق الذى اخترته لنفسى»، هكذا بدأ الدكتور كاسب حديثه عن بداياته فى كلية الطب، حيث امتزج شغفه بالعلم الإكلينيكى بحبه للبحث التطبيقى. و بابتسامة تعكس حماسه وعيون توحى بالإصرار، يروى كاسب كيف كان التخصص فى طب أورام الجهاز الهضمى والكبد، خطوة أرادها لتفتح له أبواب التميز، لسبر أغوار مرض ظل لعقود يمثل لغزا صعبا للطب والعلماء على حد سواء، فشق طريقه نحو مركز إم دى أندرسون للسرطان بجامعة تكساس الأمريكية، الذى يُعد من أعرق مؤسسات العالم فى أبحاث وعلاج السرطان. ويضيف بحماس: «لم يكن مجرد حضور عادى، كنت أريد أن أثبت نفسى منذ اليوم الأول». واليوم، أصبح أستاذا لأورام الجهاز الهضمى والكبد، ومدير برنامج سرطان الكبد، وواحدا من أبرز القادة فى الطب الجزيئى والعلاج المناعى، مسجلا إنجازات تضيف فخرا لمكانة مصر فى المحافل العلمية الدولية. فهم جذور المرض كان المسار الذى اتخذه كاسب هو أول خطوة على طريق إثبات الذات، حيث يقول بصوت هادئ لكنه مشحون بالعزم: «كنت أريد أن أفهم هذا المرض من جذوره، ليس فقط لعلاجه، بل لإعادة الأمل لملايين المرضى حول العالم». وروى كيف قاد فرقا بحثية متعددة التخصصات، وحصلت هذه الفرق على المنحة الوطنية المرموقة من المعهد القومى الأمريكى للسرطان، إلى جانب عدة منح كبرى، مما مكنه من تطوير استراتيجيات مبتكرة فى العلاج المناعى والطب الدقيق. وأضاف بفخر: «كنا من أوائل الفرق التى أسهمت فى تطوير العلاج المزدوج أتزوليزوماب وبيفاسيزوماب، والذى اعتمدته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية كأول علاج مناعى فعال لسرطان الكبد». وابتسم وهو يذكر الدراسات السريرية العالمية من المرحلة الثالثة، مثل دراسة «كامريليزوماب ريفوسيرانيب»، المنشورة فى مجلة لانست، والتى غيرت مسار العلاج على مستوى العالم. ولم يخفِ فخره بالتجارب الرائدة فى العلاج المناعى قبل الجراحة (العلاج المناعى التمهيدى)، المنشورة فى مجلة لانست لأمراض الجهاز الهضمى والكبد، والتى فتحت آفاقا جديدة فى الطب الجراحى الحديث، مؤكدا أن كل خطوة كان يقودها هدف واحد: «تحويل العلم إلى أمل حقيقى لكل مريض».. ويصمت الدكتور أحمد عمر كاسب لبرهة وهو يسترجع لحظات البحث والاكتشاف، قائلا بنبرة متحمسة: «كنت دائما أرى أن كل اكتشاف مخبرى يجب أن يتحول إلى حل واقعى للمريض. ولهذا، كانت رحلتى فى اكتشاف الدور الحيوى لمستقبل هرمون النمو كهدف علاجى جديد فى سرطان الكبد خطوة حاسمة».. وأضاف متأملا: «ولم أكتف بذلك، بل طورت أنظمة تصنيف عالمية مثل مؤشر ( كاسب - موريس) والمرحلة الدولية المتقدمة لسرطان الكبد ( IV-BCLC ) ومؤشر ( هيباتو-14)، لتصبح من المراجع الأساسية لكل طبيب فى تقييم مراحل المرض ووضع العلاج المناسب لكل مريض». نشاط خارج المختبر وبابتسامة عابرة رافقت حديثه عن التعاون الدولى، يقول «العمل مع العلماء حول العالم، مثل جيمس أليسون الحائز على نوبل فى 2018، فتح أمامى آفاقًا جديدة لتنشيط المناعة ضد الأورام. وأسست أيضا اتحاد أبحاث سرطان الكبد قبل الجراحة، الذى يضم أكثر من 20 مركزا بحثيا من أمريكا وأوروبا وآسيا، لنشارك المعرفة ونتبادل الخبرات». وخلال حديثه عن زيارته الحالية إلى جامعة عين شمس، عاد بريق الحماس فى عينيه، وهو يقول «هذه العودة إلى مصر، إلى جذورى، لها معنى كبير. اللقاء بأعضاء هيئة التدريس والباحثين هنا فرصة حقيقية لبناء جسور تعاون مستدام بين مركز إم دى أندرسون وجامعة عين شمس، ونضع أسس شراكة علمية تركز على العلاج المناعى والطب الدقيق، وتدريب الكوادر الشابة التى ستقود المستقبل». ثم تابع الدكتور كاسب بتواضع واضح: «الترحيب الذى تلقيته هنا، والشغف الذى شعرت به من زملائى فى مصر، يجعلنى أدرك أن العلم لا يكتمل إلا حين يُشارك، وأن نجاح أى عالم مرتبط بقدر ما يستطيع أن ينقل خبراته ومعرفته لغيره».. وأضاف وهو يستعرض إنجازاته على الصعيد الدولى: «العضوية فى اللجان العلمية العالمية، والمشاركة فى إعداد الإرشادات الدولية لعلاج سرطان الكبد، وحتى جائزة القيادة الدولية من الجمعية الدولية لجراحى وأطباء أورام الجهاز الهضمى، كلها لم تكن مجرد ألقاب. إنها مسئولية حقيقية لنقل صورة مشرفة للعلم المصرى والعربى على الساحة العالمية». سر النجاح وحين سألناه عن سر طاقته وإبداعه، قال مبتسما: «أنا أرى أن العلم رسالة والإنسانية غاية، والتدريب والتعليم جزء لا يتجزأ من مسيرة أى عالم، لذلك أشرفت على تدريب عشرات الباحثين من مختلف الجنسيات، لأؤكد أن المعرفة ليست ملكا لأحد، بل هى جسر يُبنى للآخرين». وختم حديثه بحكمة وهدوء: «ما أنجزته ليس مجرد نجاح شخصى، بل شهادة على ما يمكن أن يقدمه العقل المصرى حين يجد البيئة المناسبة والدعم الكامل، فالعلم يتحول إلى رسالة، البحث إلى أمل، والنجاح إلى إنجاز يُضاف إلى رصيد مصر العلمى فى العالم».