أبو السعود الإبياري أحد أبرز من صنعوا الضحك في ذاكرة الكوميديا، ليس فقط لأنه كتب مئات الأفلام والمسرحيات، بل لأنه جعل من الكلمة أداة للفهم، وجعل من النكتة وسيلة لقول حقائق كثيرة، هو الذي جعل من الضحك فعلا جادا، ومن "الإفيه" وثيقة اجتماعية، ومن السينما ضميرا للشعب، كان الكاتب الأكثر إنتاجا في تاريخ السينما المصرية، إذ ألف أكثر من 500 عمل. ولد أبو السعود أحمد خليل الإبياري 9 نوفمبر عام 1910، بحي باب الشعرية في القاهرة، وسط بيئة شعبية شكلت وعيه الأول، حيث أحب القراءة والكتابة منذ طفولته، وبدأ بكتابة الزجل في سن صغيرة، ونشرت له أول قصيدة في إحدى المجلات، لكن والده لم يتقبل فكرة أن يصبح ابنه زجالا وعاقبه بقسوة، فقرر التوقف عن النشر، ومع ذلك، ظل شغفه بالكلمة، ليبدأ بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، في الذهاب إلى السينما ومتابعة الأفلام، وهناك تفتحت عينه على عالم الفن الذي سلك طريقه لاحقا. 50 جنيه أجره عن أول فيلم.. والصدفة أدخلته السينما أُعجب "الإبياري" بالكاتب الكبير بديع خيري، فكان قدوته وملهمه الأول، وسار على نهجه في الزجل والمسرح، حتى كتب أول مونولوج بعنوان «بوريه من الستات» للمونولوجست سيد سليمان وحقق به نجاحا كبيرا، وعمل بعد ذلك في كتابة الاسكتشات الفكاهية لفرقة "بديعة مصابني"، ومنها انطلق إلى تأليف المسرحيات، فكتب أول رواية له «إوعى تتكلم» عام 1933، وكان يجلس في كازينو بديعة، يتأمل الناس، ويستمع إلى مفرداتهم وطرائفهم، ليحولها إلى مواقف فنية خفيفة الظل صادقة الملامح، ومن تلك الجلسات ولدت الكوميديا التي كانت تشبه الناس، ولكن فجأة ألغت بديعة مصابني فقرة التمثيل في مسرحها، وجد نفسه بلا عمل، وفي لقاء عابر مع صديقه بشارة واكيم، شكا له حاله وقال "مازحا" إنه لو كان غنيا لتبدلت أحواله، ومن هذه الجملة ولدت فكرة فيلمه الأول «لو كنت غني» الذي أنتجته آسيا داغر عام 1942، مقابل 50 جنيها فقط، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، وبدأ معه اسم الإبياري يسطع كأحد أهم كتاب السينما المصرية، وبعدها كتب فيلم «طاقية الإخفاء» عن فكرة للفنانة عزيزة أمير، ثم توالت أفلامه مع كبار نجوم الزمن الجميل مثل أنور وجدي، ماري كويني، فريد الأطرش، ومحمد فوزي، ومن أشهر أفلامه: "الزوجة 13، الزوجة السابعة، أنت حبيبي، تعالى سلم، نشالة هانم، عفريتة هانم، صغيرة على الحب، جناب السفير، طاقية الإخفاء، سكر هانم، المليونير، حواء والقرد، والبحث عن فضيحة". ثنائي أسطوري مع إسماعيل يس حين يذكر اسم إسماعيل يس، يتردد في الخلفية اسم أبو السعود الإبياري، فهو الذي اكتشف موهبة إسماعيل يس، وكتب له معظم أفلامه التي حملت اسمه مثل: "إسماعيل يس في البوليس، في الجيش، في الطيران، في المستشفى، وفي البحرية وغيرها"، ولم تقتصر العلاقة على السينما، فقد أسسا معا فرقة إسماعيل يس المسرحية التي قدّم الإبياري من خلالها أكثر من 65 مسرحية، كانت كلها تحمل روحه الساخرة وعمق رؤيته للحياة، فكان "الإبياري" هو كاتب الظل الذي صنع نجومية إسماعيل يس، لا بمعنى أنه كتب له فقط، بل لأنه صاغ الشخصية الشعبية البسيطة التي أحبها الناس. من الكوميديا إلى الدراما والأغنية والصحافة ورغم شهرة أبو السعود الإبياري، ككاتب كوميدي، كتب أيضا أفلاما سينمائية للفنانة فاتن حمامة مثل: "اليتيمتين، ست البيت، ظلموني الناس، وأخلاق للبيع"، وهو من قدم أول بطولة لعادل إمام وميرفت أمين في فيلم «البحث عن فضيحة». لم يكتف أبو السعود الإبياري بالسينما والمسرح، بل ترك بصمته في عالم الأغنية، وكتب أكثر من 300 أغنية تغنى بها كبار المطربين، منها: "يا نجف بنور يا سيد العرسان، يا وله يا وله، البوسطجية اشتكوا، تاكسي الغرام، واحد اتنين، عاوز أروح، سلم علي، قلبي دليلي، يا رايحين للنبي الغالي، يا حسن يا خولي الجنينة، إحنا التلاتة سكر نباته"، قدمها كبار النجوم مثل ليلى مراد، شادية، فريد الأطرش، محمد فوزي، عبد العزيز محمود، ونعيمة عاكف. في الخمسينيات، خاض تجربة الصحافة فكتب أسبوعيا في مجلتي الكواكب وأهل الفن تحت عنوان «يوميات أبو السعود الإبياري»، مقدما مزيجا من الطرافة والرؤية الفنية، ونال العديد من الألقاب التي تعكس مكانته الفريدة: "موليير الشرق، أستاذ الكوميديا، النهر المتدفق، جوكر الأفلام، منجم الذهب، والجبل الضاحك". رحل أبو السعود الإبياري في 17 مارس 1969، تاركا وراءه تراثا ضخما من الضحك الإنساني الجميل. اقرأ أيضا | القطة الفرعونية «باستت»| هوية مهرجان سيبي الدولي لسينما الطفل والأسرة