حققت مصر إنجازًا حضاريا واقتصاديًا غير مسبوق، بافتتاح المتحف المصري الكبير في لحظة تقاطعت فيها أنفاس الماضي مع نبض الحاضر، الذي لا يُعد مجرد صرح ثقافي ضخم يضم كنوز الفراعنة، بل مشروعًا اقتصاديًا واستثماريًا مُتكاملًا يُعيد صياغة علاقة المصريين بتراثهم من جهة، ويُنعش قطاعات الاقتصاد والسياحة والخدمات من جهة أخرى. ◄ قصة نجاح وطنية فى تحويل الثقافة إلى مكتسبات مادية ◄ خُبراء: مصر تصنع المستقبل الاقتصادى من خلال تراثها افتتاح المتحف المصري الكبير بمثابة إعلان مصري عن ميلاد نموذج جديد من الاستثمار الوطنى، الذى يجعل من الذاكرة الحضارية رافدًا اقتصاديًا مُستدامًا، فمنذ عشرين عامًا، حين وُضع حجر الأساس للمتحف المصرى الكبير، كان الحلم أن تمتلك مصر صرحًا حضاريًا يليق بتراثها العظيم، أما اليوم وبعد اكتمال البناء وتهيئة العرض المتحفى بأحدث وسائل التكنولوجيا، فقد تجاوز المشروع حدوده الثقافية ليصبح أحد أهم روافد الاقتصاد الوطنى، وأداةً من أدوات الدبلوماسية الاقتصادية التى تُعيد تعريف القوة الناعمة المصرية فى زمنٍ أصبحت فيه الثقافة موردًا ماليًا واستثمارًا حقيقيًا لا يقل أهمية عن النفط أو الصناعة. وكما يؤكد السفير جمال بيومى الأمين العام لاتحاد المُستثمرين العرب، فإن المتحف المصرى الكبير يُمثل استثمارًا ضخمًا فى الاقتصاد الوطنى، وليس مجرد حدث ثقافى، متوقعًا أن يضع مصر فى مقدمة الدول التى تمتلك قدرة على تحويل تراثها إلى مُنتج اقتصادى متكامل، لافتًا إلى أن المتحف يخلق بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبى المُباشر، سواء فى الفنادق أو النقل أو خدمات الضيافة، مع وجود اهتمام من صناديق استثمار عربية وآسيوية بالمنطقة المحيطة به، مُعتبرًا أن مصر باتت تمتلك الآن واجهة حضارية تليق بمكانتها التاريخية، ما يُعزز من قوتها الناعمة، ويُعيد رسم صورتها فى الإعلام الدولى كدولة حديثة تجمع بين الأصالة والمُعاصرة، موضحًا أن افتتاح المتحف تكامل مع الجهود الحكومية فى تحسين البنية التحتية من تطوير مطار سفنكس الدولى، وشبكة الطرق المؤدية للجيزة، ما يعنى أن كل جنيه استُثمر فى المتحف سيعود بعوائد مُضاعفة على المديين المتوسط والطويل. وشدد على أن المتحف بمثابة قيمة مُضافة ضخمة للاقتصاد المصرى، خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات العقارية والسياحية فى المنطقة المحيطة به، والتى تحولت لمنطقة تنموية مُتكاملة خلال السنوات الأخيرة، تشمل فنادق ومولات ومراكز ترفيهية، مع طفرة فى المشروعات العقارية، كما يُعد عنصرًا محوريًا فى التنمية المُستدامة، ويُضاعف الطلب على الخدمات السياحية ما يدعم فرص العمل، ويرفع من عائدات النقد الأجنبى. وأضاف أن قيمة الأراضي والعقارات فى محيط المتحف ارتفعت بشكل ملحوظ منذ بدء الحديث عن افتتاحه، وهذه الطفرة تُترجم كأثر مباشر على الاقتصاد الوطنى، فضلًا عن توفيره فرصًا حقيقية للشراكة بين القطاعين العام والخاص، خاصة فى تطوير البنية الفندقية والسياحية بالمنطقة. مُضيفًا أنه يعكس نجاح مصر فى تحويل الرؤية التنموية إلى واقع، وافتتاحه سيكون رسالة واضحة بأن الاستثمار في الثقافة والتراث أصبح جزءًا من الاقتصاد الحديث، وليس عبئًا عليه كما كان يُعتقد سابقًا. ■ المتحف الكبير قيمة مُضافة ضخمة للاقتصاد المصري ◄ اقرأ أيضًا | المتحف المصري الكبير| ميلاد جديد لحضارة لا تغيب.. العالم يتغنى بالأسطورة المصرية ◄ استثمار الثقافة ليس المتحف المصرى الكبير مجرد صرحٍ من الحجر والزجاج، بل هو تجسيدٌ لفكرة اقتصادية متقدمة تؤكد أن الثقافة يُمكن أن تكون استثمارًا، وأن الهوية يمكن أن تكون موردًا، وأن التاريخ قادر على أن يُنير طريق المُستقبل.. هكذا يصف المهندس طارق شكرى وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، افتتاح المتحف المصرى الكبير، لافتًا إلى أن هذا الصرح يبعث من مصر للعالم برسالة واضحة مفادها أن الحضارة ليست مجرد ماضٍ يُروى، بل حاضر يُبنى ومستقبل يُدار بالعقل والاستثمار والرؤية، فكما كان الفراعنة أول من أسسوا اقتصادًا قائمًا على الزراعة والتنظيم، فإن أحفادهم اليوم يؤسسون اقتصادًا جديدًا يقوم على المعرفة والتراث والتاريخ الحى، فالمتحف المصرى الكبير ليس فقط بوابة للماضى، بل هو بوابة لمُستقبل اقتصادى تُكتب فصوله بالعقل المصرى، وبأيدى من يؤمنون أن الحضارة حين تُدار جيدًا تصبح ثروة لا تنضب، فهذا الإنجاز يُعد قصة نجاح وطنية فى التكامل بين التنمية الثقافية والعمرانية، بعدما أسهم فى تنفيذ بنية تحتية ضخمة تخدم موقعه، وتربطه بمحاور رئيسية، مثل طريق الفيوم والدائرى الأوسطى ومحور 26 يوليو. مُضيفًا أنه أسهم فى رفع القيمة الاستثمارية لمنطقة الهرم والجيزة الكبرى، وافتتاحه يخلق طلبًا مُتزايدًا على خدمات الإسكان الفندقى، إلى جانب تحفيز الاستثمار فى قطاعات النقل والخدمات اللوجستية. ووفقًا للدكتور عبد المنعم السيد مُدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية فالأرقام الثقافية وحدها لا تروى القصة الكاملة، فالمتحف يُمثل فى جوهره مشروعًا اقتصاديًا واستثماريًا طويل الأجل، يهدف إلى جذب ملايين الزوار سنويًا، وتحفيز نمو قطاعات السياحة والخدمات، وخلق فرص عمل، وتنشيط الاقتصاد المحلى فى نطاق الجيزةوالقاهرة الكبرى، فهو ليس مشروعًا ترفيهيًا أو ثقافيًا فقط، بل هو مشروع استثمارى بكل المقاييس، إذ سيُسهم فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى بنسبة تُقدر بنحو 0.5% على الأقل خلال السنوات الأولى من تشغيله الكامل، كما سيولد عائدًا مُباشرًا وغير مُباشر عبر القطاعات المُساندة كالفنادق والمطاعم والنقل والتسويق، وتشير التقديرات إلى أن افتتاح المتحف يخلق حلقة اقتصادية مُتكاملة فى محيطه، تشمل فنادق، مطاعم، محال تجارية، مراكز مؤتمرات، ومشروعات خدمية جديدة، وسيحوّل الجيزة إلى مركز استثمارى سياحى مُتكامل، وسيجذب استثمارات فى البنية الفندقية والنقل الذكى والتجارة، وسيدفع برؤوس الأموال المحلية والعربية إلى إعادة تقييم الفرص حول المنطقة، ما يعنى خلق دورة إنتاجية جديدة فى الاقتصاد المحلى. ◄ الدبلوماسية الاقتصادية ويؤكد الدكتور فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب أن افتتاح المتحف الكبير هو إعلان للعالم أن مصر لا تصنع التاريخ فقط، بل تصنع المستقبل الاقتصادى من خلال تراثها، مُضيفًا أن المتحف هو مشروع يربط بين القوة الناعمة والدبلوماسية الاقتصادية. وبعيدًا عن الأرقام والعوائد المالية، يحمل المتحف بُعدًا اجتماعيًا وتنمويًا مهمًا فهو يوفر فرصًا للتدريب والتشغيل للشباب، ويُعيد الاهتمام بالحرف التقليدية المرتبطة بالتراث، كما يعيد بناء علاقة المواطن المصرى بتراثه من منظور اقتصادى جديد. تامر جودة الخبير الاقتصادى يتوقع أن يُصبح المتحف محورًا اقتصاديًا مُتكاملًا يجمع بين الثقافة والترفيه والتجارة على غرار متحف اللوفر فى باريس والمتحف البريطانى فى لندن، موضحًا أن إنشاء مولات وأسواق مُتخصصة للمنتجات المصرية بالقرب من المناطق السياحية سيحول التسوق إلى تجربة ثقافية وسياحية مُتكاملة، بما يُعزز إنفاق الزائرين ويُضاعف من العوائد الدولارية، مُشيرًا إلى أن السائح الأجنبى يُنفق مئات الدولارات خلال رحلته، ويُمكن زيادة هذا الإنفاق بشكل ملحوظ عبر تقديم تجربة تسوق مُنظمة تضم مُنتجات محلية ذات جودة عالية مثل التمور والعسل والأعشاب الطبيعية والمشغولات اليدوية والملابس القطنية المصرية. ◄ مليارات الدولارات يرى الدكتور وائل بركات الخبير الاقتصادى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع أن المتحف يُمثل نموذجًا عمليًا لتحويل التراث الثقافى إلى أصل اقتصادى ذى عائد مستدام، فالدول التى نجحت فى إدارة مواردها الثقافية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا حققت مليارات الدولارات سنويًا من السياحة الثقافية، ومصر تملك مخزونًا حضاريًا لا مثيل له، والمتحف الكبير هو بداية لتوظيف هذا المخزون بطريقة اقتصادية منظمة، مُشيرًا إلى أن المتحف يدخل ضمن منظومة الاقتصاد الثقافى، وهو المفهوم الذى يربط بين الهوية الوطنية والتنمية المُستدامة، إذ تتحول الثقافة إلى مورد إنتاجى يُسهم فى الناتج المحلى، ويوفر وظائف، ويُعزّز من صورة الدولة على الساحة الدولية، لافتًا إلى أن تقديرات وزارة التخطيط تُشير إلى أن مشروع المتحف المصرى الكبير قد وفر خلال فترة الإنشاء أكثر من 10 آلاف فرصة عمل مباشرة، فضلًا عن آلاف الوظائف غير المباشرة فى قطاعات المقاولات والنقل والتوريد والخدمات الفنية، ومع بدء التشغيل الكامل، يتوقع الخبراء أن يولد المتحف أكثر من 15 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة فى مجالات الحراسة، والضيافة، والإرشاد السياحى، والتسويق، والخدمات اللوجستية، وهو مشروع يولّد الدخل من الداخل، أى أنه يخلق سلسلة إنتاج وخدمة متصلة لا تتوقف عند البوابة، بل تمتد إلى سلاسل التوريد المحلية من الغذاء والنقل والطاقة والحرف اليدوية، ما يعنى مضاعفة القيمة المضافة داخل الاقتصاد. وأضاف، أنه من المتوقع أن تتجاوز العوائد الاقتصادية المُباشرة وغير المُباشرة خلال العام الأول من الافتتاح حاجز 2.5 مليار دولار، تشمل الإيرادات السياحية، والإنفاق المحلى، والنشاط التجارى المرتبط بالمتحف والمناطق المحيطة به، كما أن المتحف سيسهم فى جذب شريحة جديدة من السياحة الثقافية عالية الإنفاق، خصوصًا من أوروبا والولايات المتحدة واليابان، مما يرفع متوسط إنفاق السائح اليومى بين 130 ل150 دولارًا مقارنة ب90 دولارًا حاليًا.