في مشهد احتفالي مهيب، اجتمع المصريون ليصنعوا لأنفسهم صورا وهم يرتدون زي أجدادهم القدماء، تعبيرا صادقا عن ارتباطهم بجذورهم العريقة. لم أر نفسي متخلفا عن هذه المظاهرة الرمزية التي تجسد الانتماء لحضارة عظيمة وصفت على مر العصور بأنها «فجر الضمير». تساءلت فى صمت: لو كنت حيا في ذلك الزمن الجميل، ماذا كنت سأختار أن أكون؟ رجلا أم شاعرا أم فنانا؟ الإجابة كانت بسيطة كنت سأكون نفسي، بكل ما فىّ من حب وانتماء لهذه الأرض. حين بدأت الموسيقى تصدح مع دخول الرئيس وافتتاح العرض، كان اللحن مأخوذًا من أغنية سيد درويش الخالدة: «أنا المصري كريم العنصرين، بنيت المجد بين الإهرمين». هذا الاختيار لم يكن مجرد تنويع موسيقى، بل كان دعوة للذاكرة الجماعية المصرية لتسترجع شعور الفخر والانتماء. إنها أغنية يعرفها المصريون وحدهم، تحمل فى نغماتها جزءًا من صوت هويتهم، بينما يظنها الأجانب مجرد لحن جميل. ثم تحول العرض إلى لحن حديث يعزف للمرة الأولى، بعيدًا عن الأجواء الجنائزية والترانيم الطقسية التى رافقت موكب المومياوات الملكية. هذا التحول الموسيقى يحمل دلالة عميقة فالموكب كان تكريمًا لملوك راحلين، أما حفل المتحف فهو احتفال بميلاد إنجاز حى. لم تسع الموسيقى لاستحضار أرواح الماضى، بل لإعلان حيوية الدولة الحديثة، ليس لإعادة سرد التاريخ فحسب، بل لتسجيل فصل جديد فى مسيرة مصر، فصل تكتب فيه اليوم حكاية مستقبلها. في تلك اللحظة، لم يكن مجرد احتفال بمتحف أو حدث رسمى، بل كان احتفالا بالهوية المصرية، بالقدرة على خلق الإنجاز، وبالفخر الجماعى الذى يجمع كل المصريين على قلب واحد. كان الاحتفال نغمة من الماضى تصدح فى الحاضر، وتحمل فى طياتها وعدا بأن المستقبل سيظل مشرقا، كما كان دائما.