منذ فجر التاريخ والمصري معروف بخفة دمه وقدرته الفريدة على تحويل المواقف الصعبة إلى نكتة، لم تكن النكتة مجرد وسيلة للضحك، بل أداة مقاومة نفسية واجتماعية تحفظ للمصريين توازنهم وسط ضغوط الحياة. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعى، تطوّرت النكتة إلى "كوميكس"، لتصبح الصورة الساخرة أسرع وسيلة للتعبير عن المواقف، وأقوى انعكاس لروح الشعب المصرى المرحة. لا يحتاج المصري إلى وقت طويل للتفاعل مع أى حدث جديد، فبمجرد وقوع أزمة سياسية أو اقتصادية أو حتى رياضية، تنتشر على صفحات السوشيال ميديا عشرات الصور الساخرة خلال دقائق، الكوميكس باتت بمثابة "الترمومتر الشعبى" الذى يقيس المزاج العام ويكشف كيف يرى الناس الواقع بعيداً عن الخطابات الرسمية أو التحليلات المعقدة. فالمواطن المصرى بطبيعته لا يترك مناسبة إلا ويضفى عليها لمسته الخاصة من الضحك، حتى فى أكثر اللحظات قسوة. ◄ تطور الكوميكس عبر الأعوام لم تظهر الكوميكس فجأة مع السوشيال ميديا، بل مرت بمراحل طويلة من التطور، فى بدايتها، كانت مجرد رسومات كاريكاتيرية فى الصحف والمجلات، تعتمد على الريشة والنص المكتوب لتوصيل الفكرة، ومع انتشار الإنترنت فى مطلع الألفية الجديدة، بدأ الشباب فى استخدام برامج تعديل الصور مثل "فوتوشوب" لصناعة مشاهد ساخرة تجمع بين الصورة والجملة القصيرة. ومع ظهور فيسبوك وتويتر، تحولت الكوميكس إلى وسيلة جماهيرية سريعة الانتشار، وأصبح لكل حدث "كوميكسه" الخاص الذى يختصر الموقف فى لقطة واحدة. ثم جاءت ثورة تطبيقات الذكاء الاصطناعى لتفتح عصراً جديداً فى صناعة الكوميكس، حيث يمكن توليد صور واقعية أو خيالية بضغطة زر واحدة، لتختصر رحلة السخرية من الفكرة إلى النشر فى دقائق. وهكذا تطور الكوميكس من فن تقليدى يُرسم بالأقلام إلى فن رقمى يُولد بالكلمات، لكنه ظل محتفظاً بروحه الأصلية، وهى الضحك على الوجع ومقاومة الواقع بخفة ظل مصرية. ◄ من الكاريكاتير إلى الكوميكس قبل أن تُعرف هذه الصور الساخرة باسم "الكوميكس"، كان المصريون يطلقون عليها أسماء أخرى مثل الكاريكاتير أو النكتة المصوّرة، فقد كان الكاريكاتير هو الشكل الأقدم للسخرية المرسومة فى الصحف والمجلات، يعبّر بريشة الفنان عن الموقف السياسى أو الاجتماعى بكلمة واحدة أو تعليق ساخر. ومع دخول الألفية الجديدة وانتشار الإنترنت، بدأت الأجيال الشابة تستخدم برامج تعديل الصور لصناعة ما كان يُسمّى وقتها الإفيهات المرسومة أو الاسكتشات المضحكة، قبل أن يترسّخ المصطلح الأجنبى "كوميكس" ويصبح عنواناً لعالم السخرية الرقمية الذى نعيشه اليوم. اقرأ أيضا| «كوميديا من طرف تالت».. سر استخدام إميليا كلارك كوميكس عمرو مصطفى «في رمضان» قالت الدكتورة إيمان عبدالله استشارى علم النفس إن هذه الروح المرحة ليست مجرد ترفيه، بل آلية دفاع نفسى متجذّرة فى الشخصية المصرية، فالسخرية تُخفّف التوتر وتُفرغ الغضب بطريقة ذكية، وتحوّل الخوف أو الإحباط إلى طاقة إيجابية. ◄ الكوميكس في عصر الرقمنة وأكدت أن المصريين عبر التاريخ استخدموا النكتة سلاحاً ناعماً فى مواجهة الأزمات، سواء فى عصور الاحتلال أو الأزمات الاقتصادية أو حتى خلال الأوبئة، لتبقى الفكاهة أحد أسرار صمود هذا الشعب. وأضافت قائلة: "مع الثورة الرقمية، انتقل "الضحك المصرى" من المقاهى والشوارع إلى فضاء الإنترنت، حيث أصبح الكوميكس منصة جديدة للتعبير، ففى دقائق معدودة، يصنع الشباب صوراً ساخرة تجسد الموقف بدقة وذكاء، مستخدمين لقطات من أفلام قديمة أو وجوه فنانين أو حتى صور رمزية تعبّر عن الحدث الجارى، وفى كل مرة تشتعل فيها قضية عامة، تسبق الكوميكس التحليلات الإعلامية، لتصبح أول تعليق جماهيرى على أى واقعة". وأشارت إلى أن الكوميكس المصرى لا يقتصر على السياسة أو الاقتصاد فقط، ولكنه امتد لكل تفاصيل الحياة، مثل امتحانات الثانوية، ارتفاع الأسعار، مباريات كرة القدم، وغيرها من الأحداث المختلفة. وأوضحت استشارى علم النفس، إلى أنه رغم كل الأزمات التى يمر بها الشعب المصرى، تبقى روح الدعابة المصرية، وفى زمن تتسارع فيه الأخبار وتثقل الهموم، يثبت المصريون يوماً بعد يوم أن الضحك ليس فقط وسيلة للهروب، بل أسلوب حياة، وسلاح شعبى.