30 صورة من العرض التاريخي لملابس البحر ب "أمهات" السعودية    وزير التعليم يلتقي الرئيس التنفيذي للمجلس الثقافي البريطاني    زراعة الإسماعيلية تنظم ندوة عن دعم المُزارع (صور)    صراع الكبار على المنصب الرفيع، تفاصيل معركة ال 50 يوما فى إيران بعد مصرع الرئيس    اجتماع عاجل لاتحاد الكرة غدًا لمناقشة ملفات هامة    محمد صلاح ضمن المرشحين للتشكيل المثالي في الدوري الإنجليزي    تفاصيل معاينة النيابة لمسرح حادث غرق معدية أبو غالب    الشعلة الأولمبية على سلالم مهرجان كان السينمائي (صور)    عليه ديون فهل تقبل منه الأضحية؟.. أمين الفتوى يجيب    اعرف قبل الحج.. ما حكم نفقة حج الزوجة والحج عن الميت من التركة؟    دراسة علمية حديثة تكشف سبب البلوغ المبكر    الشاي في الرجيم- 4 أعشاب تجعله مشروبًا حارقًا للدهون    رئيس البرلمان العربي يشيد بتجربة الأردن في التعليم    الأمن العام يكشف غموض بيع 23 سيارة و6 مقطورات ب «أوراق مزورة»    البحوث الفلكية: الأحد 16 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    كيت بلانشيت ترتدي فستان بألوان علم فلسطين في مهرجان كان.. والجمهور يعلق    مصر تدين محاولة الانقلاب في الكونغو الديمقراطية    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    "هُدد بالإقالة مرتين وقد يصل إلى الحلم".. أرتيتا صانع انتفاضة أرسنال    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    «منقذ دونجا».. الزمالك يقترب من التعاقد مع ياسين البحيري    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    ريال مدريد ضد بوروسيا دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا.. الموعد والقنوات الناقلة    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    وزارة العمل: افتتاح مقر منطقة عمل الساحل بعد تطويرها لتقديم خدماتها للمواطنين    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    الخميس المقبل.. فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق في الغردقة للصيانة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: مصر المكون الرئيسي الذي يحفظ أمن المنطقة العربية    انتظار مليء بالروحانية: قدوم عيد الأضحى 2024 وتساؤلات المواطنين حول الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النكتة وفن الكاريكاتير:أسلوبان للمواجهة
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 04 - 2016

النكتة وفن الكاريكاتير أسلوبان معرفيان، وأسلوبان لمواجهة الواقع، أسلوبان معرفيان يشتملان علي طرائق مختلفة إلي حد ما في اكتساب المعلومات ومعالجتها والتعبير عنها، وهما أيضًا يرتبطان بالطرائق المتنوعة التي يفكر من خلالها المخ البشري الفردي والجمعي وتتجلي علي أنحاء شتي في الحياة والفن والإبداع والفكاهة.
الفكاهة من أساليب المواجهة Coping styles التي تواجه بها المجتمعات الكثير من أزماتها، وتعلق من خلالها، علي الكثير من التغيرات المتوقعة وغير المتوقعة التي تحدث فيها، أو تحدث لها، إنها أسلوب يواجه به أفراد هذا المجتمع وجماعاته الأزمات والمشقات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية وغيرها من أشكال الأزمات والمشقات، وهي كذلك أسلوب من أساليب التنفيس الفردي والجماعي، التنفيس عن التوترات ومشاعر الإحباط المتراكمة، والتعبير كذلك عن حالات الدهشة من مواقف وسلوكيات مستنكرة أو غير متوقعة.
هكذا يلجأ الناس إلي الكلمة وإلي الصورة في مواجهتهم للمشكلات والتغيرات والمواقف المتناقشة والسلوكيات المستهجنة، وهكذا تكون الفكاهة وسيلة - كما قلنا - لالتقاط معلومات خاصة بأحداث وتغيرات تطرأ علي المجتمع، ووسيلة كذلك لمعالجة هذه المعلومات عقليًا ووجدانيًا، والتعبير عنها بطرائق جديدة. هنا قد يلجأ مؤلفو النكات إلي إبداعها في مواقف وسياقات يتحرر فيها العقل من الرقابة، ومن الخوف، وينطلق في التشكيل والتحويل والتحوير للكلمات والجمل والصور، فتظهر هذه البنيات والتركيبات الغربية والمضحكة والدالة التي نسميها النكات، إنها تنشط فتؤثر فينا كذلك من خلال علاقتها بمحتوي تفكيرنا، ومن خلال وجود موقف خاص بنا يتعلق بما يحدث من وقائع وتغيرات اجتماعية، وكذلك من خلال وجود الحكم الهزلي علي الأمور والأحداث، وكذلك من خلال الخيال، ومن خلال المزج والمزاوجة بين الأشياء المتماثلة وغير المتماثلة، وبين الأفكار المتضادة والمتناقضة، ومن خلال وجود المعني في اللامعني، والحكمة في العبث، والخفي في الظاهر، والمستتر في المعلن، والملمح به في المصرح به، هكذا تكون النكتة عالما أكبر ينطوي فيه العالم الأكبر، إذا استخدمنا لغة ابن عربي، المتصوف المعروف، لكنه ليس انطواء دالا علي الرضا والشبع، بل علي السخط والتوتر والرفض والاستنكار.
أما الكاريكاتير، فهو يفعل الأمر نفسه، لكن من خلال الصورة، وبدرجات أقل من الصراحة والإعلان، بسبب طبيعة الوسيط الذي ينشر من خلاله والموقف الذي يظهر فيه، كما سبق أن أشرنا، لكنه أيضًا في حالات عدة، كثيرا ما يكون قاسيا وجارحا وصادما ومشيرا بشكل مباشر إلي بيت الداء.
النكتة تفكير بالكلمة، والكاريكاتير تفكير بالصورة، النكتة ترتبط باللغة، وهي لغة متتابعة متسلسلة ترتبط بالسرد والحكي، أما الكاريكاتير فهو يرتبط بالصورة، ويدرك بشكل متزامن، أي خلال اللحظة الآنية نفسها وهو يرتبط بالإدراك البصري وبالمبالغة والتضخيم في الملامح والمفردات، وهكذا تجمع الفكاهة بين جناحيها، الخاصين بالكلمة والصورة، بين آليات كثيرة مميزة للمخ البشري الفردي وللعقل الإنساني الجمعي، حيث يقول الإنسان بالكلمة ما لا يستطيع قوله بالصور، ويقول بالصور ما لا يستطيع قوله بالكلمات، وتكون الفكاهة، هكذا، هي الأسلوب الجامع بين التفكه المباشر والتفكه غير المباشر، أي بين الصور والكلمات.
النكتة - في المقام الأول - نشاط لفظي شفهي إرادي يقصد من ورائه إحداث أثر سار لدي المتلقي له . لكن هذا القول لا يحدد جوهر النكتة، فما الذي يجعل هذا النشاط اللفظي الخاص يحقق ذلك الأثر السار لدي المتلقي ؟ هل هناك شيء كامن ملازم لطبيعة هذا النشاط اللفظي هو الذي يجعله قادرا علي إحداث الابتسام أو الضحك ؟ إن هذا ما حاولت أن تستكشفه بعض تعريفات النكتة ،فالنكتة في رأي الفيلسوف "كانط" هي حالة من التوقع الشديد الذي يتبدد فجأة فيفضي إلي لا شيء"، وهي لديه أيضا نشاط عقلي لا يصل إلي غايته، حيث يتم السير به فجأة في طريق مغاير للطريق الأول، وهي أيضا نوع من اللعب العقلي بالأفكار .
وأما لدي الفيلسوف شوبنهور فالنكتة هي : محاولة لإثارة الضحك علي نحو قصدي من خلال إحداث التفاوت بين تصورات الناس وبين الواقع المدرك، من خلال إبدال هذه التصورات علي نحو مفاجئ، في حين تظل عملية تكوين الواقع (الجاد) مستمرة. و لدي فرويد تعد النكتة بمثابة الآلية النفسية الدفاعية التي تقوم في مواجهة العالم الخارجي المهدد للذات وتعمل علي تحويل حالة الضيق إلي حالة من الشعور الخاص بالمتعة . والعملية الأساسية في النكتة لدي فرويد هي "التكثيف المصحوب بتكوين بديل".
باختصار: النكتة هي شيء فكاهي يقال بطريقة معينة، يشتمل علي تناقضات في الأحداث، وكسر للتوقعات، من أجل إحداث التسلية، أو إثارة الضحك، وغالبا ما تكون النكتة في شكل لفظي شفاهي مختصر، ويتم سرده خلال تفاعل اجتماعي مرح، وأحيانا ما تكون النكات مكتوبة يقرؤها القارئ بمفرده أو مع الآخرين، وغالبا ما تكون هذه النكات المكتوبة قد ظهرت أولا في شكل منطوق تم تداوله، وتواتر نقلا من شخص إلي أشخاص آخرين، ثم تم حفظه وإثباته من خلال الكتابة، اما الكاريكاتير فيظهر دائما في أشكال بصرية مرسومة مصحوبة أو غير مصحوبة بالكلمات.
هكذا تعمل الصور البصرية المرتبطة بعالم الكاريكاتير كمرايا، تعكس الواقع الداخلي أو الخارجي، وتعلق عليها أيضًا بشكل متفكه أو ساخر، أما الكلمات، أي هذه الرموز العلامات المجردة، فهي نادرا ما تأخذ هذا الشكل المباشر، إنها تستبطن الأحداث والشخصيات والمتناقضات وتجردها وتربط بينهما ثم تطرح في النهاية صيغتها الساخرة المتفكهة، بعد أن تكون قد تأملت ما يشتمل عليه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي من تناقضات، إنها قد تتحدث عن العلاقات الزوجية، وعن عالم الفن أو المخدرات، في حين تكون إشاراتها الضمنية متعلقة بعالم السياسة أو الاقتصاد أو الأخلاق بشكل عام.
إن النكتة أكثر تخفيا وسرية لكنها تقول ما تريد أن تقول، علي نحو أكثر صراحة وأكثر مواجهة، وأقل تسترا وراء أقنعة الدين والسياسة والجنس، إنها تتجاوز كل المحرمات، وتسقط كل الأقنعة، هذا من حيث مضمونها أو عباراتها أو تركيباتها، لكن، وبسبب هذه الطبيعة الجريئة المباشرة الخاصة بها، فإنها يكون لها شكل خاص تقال به، وجلسات خاصة تقال فيها، فليس كل النكات أو معظمها صالحا للنشر في الصحف أو في وسائل الإعلام، أما الكاريكاتير فأغلبه صالح للنشر، إنه يؤلف أساسا من أجل النشر المباشر في وسائل الإعلام الرسمية أو غير الرسمية، كما تقل الاحتمالات الخاصة بمنعه أو عقابه أو تحريمه، أما النكات، ولأنها أشد صراحة وإيلاما، وليست مؤلفة من أجل النشر المباشر في وسائل الإعلام الرسمية أو غير الرسمية، فإنها تكون أكثر جرأة، كما قلنا، ومن ثم أسرع وصولا وأشد قسوة في دلالاتها من الكاريكاتير. إن تميز الكاريكاتير بالدلالة غير المباشرة قد يشي بوجود وضوابط رقابية سياسية واجتماعية وأخلاقية كثيرة تمنعه من أن يكون علي مثل تلك الحرية أو مثل هذه الصراحة والمباشرة التي تكون عليها النكتة.
النكتة ترتبط دون شك بالواقع، لكن ليس من السهل الكشف عن ارتباطاتها المباشرة بهذا الواقع كما هو الحال بالنسبة للكاريكاتير، إنها بمثابة الأطر المعرفية الأكثر عمومية، والأكثر مرونة، والأكثر قابلية للتكيف، والتحول، والتناسب، مع تغيرات الزمان والمكان، مقارنة بالكاريكاتير، الأكثر ارتباطا بالواقع، والأكثر التصاقا به، وبما يجري في أعماقه من أحداث.
يضع فن الكاريكاتير كما يشير "ناصر عراق" في كتابه "تاريخ الرسم الصحفي في مصر" (دار ميريت للنشر 2002 ) يده علي الخلل في مختلف نواحي الحياة، بحس فني ساخر يدفع البسمة لأن تشرق علي الوجوه، ويلخص في كثير من الأحوال مئات الكلمات التي تتناول الموضوع نفسه بأقل تكلفة ممكنة من الخطوط".
لقد حاول فنانو الكاريكاتير دائماً أن يكشفوا عن الإنسان الحقيقي الموجود خلف قناع التظاهر، كي يجسدوا النقص الحقيقي لهذا الإنسان. إن الفنان الجاد، وفقاً لما تقوله المذاهب الفنية، يخلق الجمال من خلال تحريره للشكل الكامل الذي تحاول الطبيعة تحقيقه، أو التعبير عنه في المادة المقاومة لهذا. أما فنان الكاريكاتير فيسعي من أجل اكتشاف النقص أو التشوه الكامل. إنه يبين لنا كيف كانت روح هذا الإنسان أو كيف ستعبر عن نفسها في جسده في حالة ما إذا كانت المادة قد تركت لتعبر عن نفسها، أو أنه تم تكييفها علي نحو مناسب لمقاصد الطبيعة أو نياتها. وهناك عدد من الخصائص شبه المتفق عليها بين الباحثين والتي تميز فن الكاريكاتير علي نحو خاص واهمها:
1- المبالغة والتفريد : فالكاريكاتير هو مبالغة في التعبير من خلال الصورة عن الخصائص الفريدة المميزة للشخصية فهناك مبالغة في تجسيد بعض الخصائص الفردية الفريدة الخاصة بشخص معين، بحيث تلتصق به، وتميزه عن غيره، وعندما نتذكره نتذكرها، أو نتذكرها فنتذكره. لكن معني الكاريكاتير يتسع أحياناً كما ذكرنا، بحيث لا يتعلق بالصورة الشخصية للإنسان فقط، بل يمتد به بعض الفنانين والنقاد إلي أي تعبير مسخي لبعض الأمم أو أنماط الشخصيات (البخلاء مثلا)، أو لبعض الرموز السياسية، كما في حالة الفيل الذي هو رمز الحزب الجمهوري، والحمار الذي هو رمز الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، لكن هذا المعني الأكثر اتساعاً معني أقل شيوعاً . أما الأكثر شيوعاً فهو ذلك الاستخدام الذي يربط بين الكاريكاتير وبين الصور المحملة بالمعاني والخاصة ببعض الشخصيات، والتي تمت المبالغة في تجسيد بعض ملامحها، فبدت فريدة وغريبة، ومن ثم مضحكة.
وهكذا يختلف الكاريكاتير عن الصورة الشخصية الواقعية (البورتريه)، التي يرسمها بعض الفنانين لبعض الشخصيات المشهورة كي توضع في المنازل، أو المتاحف، أو غير ذلك من الأماكن، كما يختلف الكاريكاتير كذلك عما يسمي بالبنية المسخية، أو التصور الجروتسكي، وذلك لأن الصورة الكاريكاتيرية تكون - في العادة - صورة خاصة بشخصية معروفة، أو حتي لإنسان عادي، أما في الصورة المرتبطة بالبنية المسخية فتلعب عملية ابتكار الشخصيات وإنتاجها من جديد دوراً مهما. ففي لوحة (دومييه)، عن شخصية "جارجنتوا" والموجودة في رواية »جارجنتوا وبنتاجرول« لرابليه والذي يبتلع البشر ويلتهم ممتلكاتهم يكون من الصعب أن تجد له مثيلاً محدداً في الواقع، في حين أنه من خلال الرمز والخيال والإيحاء يمكن أن نجد له أمثلة كثيرة. إن المبالغة بدرجة غير مناسبة، بحيث نصل إلي أبعاد غير قابلة للتصديق وربما شيطانية الطابع، هي جوهر التعبير المسخي كما قال باختين، وهذا التعبير هو دائماً ساخر كما قال شنيجانز. أما الكاريكاتير فهو لا يميل إلي هذا الحد من المبالغة في تحريفه للأبعاد، وهو ليس شيطاني الطابع هكذا. إن مبالغته متوسطة، لكن سخريته أكبر، وفكاهته أعمق.
2- القدرة علي كشف العيوب: للكاريكاتير قدرة فريدة علي كشف مزايا بعض الشخصيات، لكن اهتمامه الأكبر يكون موجها نحو الكشف عن العيوب. إنه يلقي الضوء علي الشخصية أي علي جوهرها الحقيقي، جوهرها الملتبس الرواغ، أي علي ما يوجد هناك خلف هذا القناع، ومن ثم يكشف ذلك الشر الكامن وراء هذا التظاهر بالخير، والجشع المتسربل بقناع الزهد، والمصلحة الخاصة التي تتكالب وراء إدعاء المصلحة العامة . فبلمسة هنا، ولمسة هناك يعطينا فنان الكاريكاتير البارع جوهر هذه الشخصية، ويكشفها أمامنا علي نحو ضاحك.
وهنا نفهم المضحك في الكاريكاتير - كما يقول برجسون- فالهيئة مهما انتظمت، ومهما انسجمت خطوطها ومرنت حركاتها، لا يمكن أن يكون التوازن فيها تاماً تماماً مطلقاً، ففيها أبداً نذير اعوجاج، وإيذان بجعدة، إن فيها تشوه ما، كان يمكن أن يعيب الطبيعة. وفن الكاريكاتير إنما يقوم علي إدراك هذه الحركة التي لا تُدرك، يضخمها ويجعلها مرئية تصل إلي الناس. إنه يشوه نماذجه علي نحو ما كان يمكن أن تتشوه من تلقاء ذاتها لو ذهبت بتجعدها إلي أقصاه. وهو يستشف فيما وراء انسجام الصورة الظاهري، عصيان المادة العميق. فيرسم لنا تنافراً وتشوها موجودين في الطبيعة.
والكاريكاتير، كما يقول فرويد، نوع من الحط من قدر الشخصية، بالتركيز علي صفة من صفاتها، أو ملمح من ملامحها كان يمر دون أن يتوقف عنده أحد، لأنه كان منظوراً عليه حينئذ في الإطار الكلي للصورة العامة، وحين يلتفت إلي هذا الملمح وحده دون سواه، يقع التأثير المقصود، وهو الضحك الذي يمتد حينئذ من الجزء إلي الكل، أو إلي الشخص نفسه. فإن لم يكن الشخص يشتمل بالفعل علي ذلك الملمح، فإن الكاريكاتير حينئذ يعمد إلي خلق ذلك خلقاً، بأن يتجه إلي عنصر ما في الشخصية ليس مضحكاً في ذاته فيبالغ في تصويره ويضاف إلي ذلك ما ذكر كوسلر في شأن الهجاء من أن الإضحاك يأتي من جهة أن هناك صورتين تجتمعان معا في ذات القارئ في اللحظة عينها: الصورة التي يألفها والصورة الأخري المشوهة لها التي تنعكس في مرآة الهاجس: والهجاء يجعلنا نكتشف فجأة سخف الشيء الذي نألفه، ويجعلنا نكتشف كذلك ألفنا للشيء السخيف. (هكذا يكون "الكاريكاتير" بمثابة الصورة البصرية، أو التصوير البصري الشكلي المقابل لتلك الصورة اللفظية الساخرة، والتي كانت تركز علي تضخيم العيوب، أو تكتشفها وتؤكدها في فن الهجاء في الشعر قديماً ).
يقول بعض الفنانين، وكذلك بعض الباحثين في مجال الكاريكاتير، إن هذا الفن يركز علي إبراز بعض العيوب الجسمية في الشخصية التي يصورونها. ويقول بعضهم الآخر إن الفنان يركز هنا علي بعض الملامح المميزة للشخصية، بصرف النظر عما إذا كانت عيوباً أم لا، ولكنه من خلال تصويره الخاص لهذا الجانب المميز للشخصية بطريقته الخاصة، يكشف عن بعض الملامح السلوكية المعروفة عنه، أو التي يراد لفت النظر إليها فيه. وقد ينتقد الكاريكاتير من خلال شخص معين شخصاً آخر، أو فكرة معينة، أو بعض التصرفات الاجتماعية والسياسية. فالتركيز علي ملامح الفلاح الساذج في رسومات الفنان المصري مصطفي حسين، والتي كان يبدعها بالمشاركة مع الكاتب الساخر أحمد رجب، ليس مقصوداً منها إبراز عيوب هذا الفلاح الجسمية أو السلوكية، بل التركيز علي سذاجته هذه، والتي كان يتم تأكيدها من خلال المبالغة في تجسيد بعض ملامحه الجسمية، وبعض طرائقه في الكلام،ومن ثم إبراز عيوب بعض السياسات التي يقوم بها بعض المسئولين، والذين تتوجه نحوهم هذه الشخصية بالكلام أو التعليق.
3- الفكاهة: من أهداف الكاريكاتير الأساسية أن يجعل المتلقين يبتسمون أو يضحكون، ويفكرون أيضاً من خلال تأملهم لهذا التجسيد النقدي الساخر لبعض الشخصيات التي يعرفونها، وكذلك المواقف والأحداث التي يدركونها في معاني أخري للأحداث والشخصيات.
4- التبسيط: يتم الكاريكاتير في العادة من خلال الرسم، أي من خلال استخدام القلم الرصاص، أو الحبر، أو الحفر، أو الطباعة، ونادراً ما تجد كاريكاتيراً ملوناً. فالخطوط في هذا الفن أكثر بساطة من غيرها من أشكال تجسيد الشخصية، إنها كثيراً ما تكون أشبه بالارتجال، ومن ثم فهي قريبة من ذلك التعبير العفوي التلقائي الذي يقوم به الفنانون عموماً. إن الكاريكاتير يفتقر إلي المعلومات التي يوفرها اللون والظل والنور في التصوير الزيتي مثلاً، أو في الصورة الفوتوغرافية. ومع ذلك، فإن هذا التبسيط في الخطوط قد يكون أكثر أدوات فنان الكاريكاتير قوة في نقل المعلومات البصرية عن الشخصية أو الموضوع الذي يرسمه .
هنا يقول جومبريتش إن التفاصيل الزائدة في الصور الملونة للشخصيات قد تكون مسئولة عن ذلك المظهر المتجمد المفتقر إلي التعبيرية المميزة، والذي نجده كثيراً في اللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية الخاصة بالبورتريهات أو الصور الشخصية. إن هذا التبسيط المميز للكاريكاتير، كما يقول جومبريتش أيضاً، ييسر الأمر أمام المتلقي فيساعده علي المشاركة في إبداع الرسم الكاريكاتيري بطريقة تتسم بالطرافة والخيال .
يقول المحلل النفسي الشهير المهتم بالفنون التشكيلية خاصة إرنست كريس (1900-1957) إن الكاريكاتير بطبيعته عدواني، وفيه تكمن النوازع الأساسية التي أشار إليها فرويد وهي الجنس والعدوان، والعدوان أكثر هيمنة علي الكاريكاتير من الجنس، وحتي عندما يكون المعني الظاهري في الكاريكاتير جنسياً يكون المعني الخفي عدوانياً. فالكاريكاتير يهدف في جوهره إلي نزع القناع عن شخص آخر مألوف لنا، ومن ثم فإنه أي الكاريكاتير وسيلة من الوسائل الأساسية في الانتقاص من أوزان بعض الشخصيات . كذلك نظر كريس إلي مبدع الكاريكاتير، وإلي متلقيه أيضاً علي أنهما يقومان بتنشيط عملية النكوص في خدمة الأنا، فالكاريكاتير يحتوي علي دعابة، وعلي خيال، وعلي تشابه مع عالم الحلم، وعلي عودة إيجابية إلي مجال الطاقات النفسية التلقائية الأولية والحرة والعفوية الخاصة بالأطفال، وعلي بهجة مستعادة، وخاصة عندما يتحرر الإنسان من قيود الواقع المعيشي، وتفكيره المنطقي الشديد الرتابة والتنظيم والتقييد .
وأخيرا، فإن فن الكاريكاتير - كما قال كريس وجومبرتش - هو نوع من اللعب بالصورة من خلال الطاقة الإبداعية للفنان، ومن خلال خياله الخصب. وهو يحتاج إلي تمكن خاص من التكنيك والأسلوب المميز، وينبغي أن نركز في تلقيه علي الجانب المضحك منه، فهو أشبه بالنكتة البصرية، لكن ربطه دائماً بالواقع، والنظر إليه علي أنه ممارسة خطرة يقوم من خلالها الفنان بالنقد الاجتماعي، أو التحريف للشكل الظاهري للإنسان، قد يعمل علي إعاقة تطوره. ولذلك فقد كان الميلاد الحقيقي لهذا الفن في نهاية القرن السادس عشر هو علامة مميزة لفتح جديد قام به الفنانون الأوائل لأبعاد جديدة من العقل البشري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.