ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    عمليات إلغاء الرحلات الجوية اليومية لشركات الطيران الأمريكية تتجاوز 2000 رحلة    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    وزير الاستثمار: 16 مليار دولار حجم التجارة مع الصين.. ولدينا 46 شركة تعمل في مصر    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    فقدان 200 شخص في غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل الماليزية    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    ارتفاع أسعار الذهب اليوم 10 نوفمبر في بداية تعاملات البورصة العالمية    «طلعوا الشتوى».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: استعدوا ل منخفض جوى بارد    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    حدث ليلا.. مواجهات وملفات ساخنة حول العالم (فيديو)    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    اليوم..1283 مرشحًا فرديًا يتنافسون على 142 مقعدًا فى «ماراثون النواب»    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    «الكهرباء»: تركيب 2 مليون عداد كودي لمواجهة سرقة التيار وتحسين جودة الخدمة    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    البابا تواضروس ومحافظ الجيزة يفتتحان عددًا من المشروعات الخدمية والاجتماعية ب6 أكتوبر    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    نجل عبد الناصر يرد على ياسر جلال بعد تصريح إنزال قوات صاعقة جزائرية بميدان التحرير    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر الخالدة | فى قلب المتحف المصرى الكبير
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 03 - 11 - 2025

كانت مصر بالتأكيد أقدم حضارات العالم وأسبقها فى ميادين العلوم والفنون والأخلاق الاجتماعية والفلسفة وكان لها تأثير لا يُنكر على مسيرة الحضارة الإنسانية بأجمعها ثقافياً وحضارياً، فلقد حملت اليونان وروما عبر البحر الأبيض المتوسط حضارة مصر لتكون نواة حضارة الغرب وتقدم البشرية.
وقد مثلت محاور: المعتقدات ونظام الحكم الملكى والمجتمع مسيرة الحضارة المصرية القديمة عبر التاريخ، ولم تكن هذه المحاور منفصلة أو متنافرة، ولكنها كانت متضافرة ومتكاملة فى مجتمع جمع فى تجانس فريد بين الروحانيات والماديات فى نسيج واحد متناسق، وفى منظومة ديناميكية تجددت من خلالها حيوية المجتمع عبر آلاف السنين أو ما يزيد على 150 جيلاً، وهو ما لم يتسنِ لحضارة أخرى من قبل أو من بعد.
ولذلك علينا أن نعى أن مصر حققت معجزة الخلود بفضل الأسس الجوهرية التى كانت بمثابة الثوابت الراسخة التى لم تتزحزح أو تنحرف والتى كانت الدفة التى وجهت مسارات التجديد والتغيير. ولم يحدث من قبل أو من بعد أن اخترعت البشرية مثل هذا النسق من فلسفة الوجود التى حافظت على المجتمع وحمته من أخطار تقلبات المناخ، والصراعات والاضطرابات والمحن الداخلية، والغزوات من الشرق والغرب والجنوب.
كان فى قلب هذا النسق مفهوم شامل جامع لكل ما فيه صلاح المجتمع، وهو مفهوم «ماعت» الذى نحتار فى تعريفه وتوصيفه لأنه كونى ومجتمعى وشخصى، يجمع بين فكرة النظام السرمدى الأبدى للكون، وفضائل المساواة والصدق والعدل والإيثار، والمحبة والتكافل والتعاون والعطف والاحترام والرحمة والتواضع، وهو مع ذلك رهين بالأفعال الصالحة لما فيه خير الجميع والسعى بلا كلل من كل فرد فى المجتمع، وعلى رأسهم أولى الأمر، للتحلى بمكارم الأخلاق. ولم يكن ما يظنه البعض هوساً بالموت، سوى التعبير عن المعتقدات والطقوس التى استطاع بها المصريون أن يؤكدوا على حبهم للحياة من ناحية، وعلى الإيمان بدورة الحياة والكون الأبدية التى يحكمها نظام عادل. واختار المصريون تمثيل العدالة (كما نرمز للقضاء بسيدة معصوبة العينين تمسك ميزان) بصورة إلهة على رأسها ريشة العدالة. وكان قلب المتوفى يُوزن أمام الريشة ، فإذا كان من الأبرار كان «قلبه» أخف من الريشة. أما لو كان مثقلاً بالذنوب فكان وحشاً اسطورياً يلتهم «قلبه»
كانت تجارب المجتمع فى «مصر الخالدة» وإنجازاته فى نظام الحكم والمعتقدات الفلسفية والدينية، هى البوتقة التى انصهرت فيها المفاهيم الجوهرية للحضارة المصرية.
للموقع الجغرافى وخصائص الأراضى المصرية ونهر النيل دور ليس فحسب فى توفير الأساس الاقتصادى والاستقرار الذى سمح بظهور تجمعات بشرية كثيفة وكبيرة بمقياس ذلك الزمن المبكر فى تاريخ البشرية، ولكن أيضا فى التصدى بالفكر الفلسفى للتغلب على ما تسببه تقلبات الفيضانات من أخطار ومحن نفسية عندما لا يأتى الفيضان فى موعده أو عندما تكون مياهه شحيحة فتسود المجاعات أو طاغية مدمرة فلا تبقى ولا تذر، ومن ذلك كان الإصرار على التسامي.. من اليأس الى الأمل، والإيمان بنظام جوهره الخير، الإيمان بعودة الحياة وعودة الفيضانات الوفيرة، الصبر على المحن. ورأوا ذلك فى شروق الشمس وغروبها، واستنبطوا أن الموت ليس نهاية الحياة ولكن بداياتها فى عالم الخلود، فى فردوس ينعمون فيه مع الأبرار فى سلام آمنين.
ولم تكن تصوراتهم الفلسفية بمعزل عما أدركوه من ضرورة التدخل الفعال لزيادة وتحسين جودة وكمية المنتجات الزراعية ولكن وربما كان ذلك هو الأهم التعاون الذى كانت نواته الأسرة وحاضنته القرية. ومن خلال ذلك أدركوا أهمية التعاون بين القرى والذى كان المسار الذى انتهى بانضمام كل القرى تحت لواء دولة موحدة.
تمكن المصريون من صياغة توليفة من ديانات ومعتقدات الأقاليم التى سبقت الوحدة فى نسق لاهوتى فريد يجمع بين التعددية والوحدانية بما فى ذلك من تسامح دينى وإيمان بوحدة الوجود مع اختلاف مظاهرها وصاغوا نظاماً للحكم يمنح للحاكم صلة كونية تؤكد مفهوم النظام الكونى وتلزمه باتباع «ماعت» لما فيه خير المجتمع وحماية الشعب من أى تهديد خارجى.
لم تتم وحدة مصر بالحروب، ولم تظهر الدراسات أى دليل على استشراء التقاتل بين الأقاليم التى انضمت إلى كيان موحد. كانت هناك كما يمكن أن نتوقع فى البداية خلافات ونزاعات بين القرى المتجاورة من جانب، وبين المزارعين والرعاة من جانب آخر وهو ما ترتب عليه ظهور أيقونة الحاكم كمحارب يهزم الأعداء والتى أصبحت رمزاً لغلبة النظام على الفوضى.
ولم يكن مُستبعداً أن يستشعر البعض أنهم لم ينعموا بما توصى به تعاليم «ماعت» وخاصة فى العقود الأولى من الوحدة وقبل أن تستتب أركان الدولة المركزية، وكانت التركيبة السياسية من أقاليم تحت إمارة حكام محليين نقطة ضعف بنيوية تسببت أحياناً فى إضعاف سلطة الدولة المركزية عندما تضطرب الأحوال إما نتيجة غزوات خارجية أو مطامع فئوية (من حكام الأقاليم، أو الكهنة، أو النبلاء من كبار العائلات). ومع ذلك كان المجد والعظمة الذى يقترن بالدولة المركزية حافزاً على استعادة النظام (ماعت) الذى تباركه الألهة.
لم تسلم مصر من الغزوات والهجرات، ولم تكن فى عزلة عن جيرانها بل كانت دائماً متواصلة من خلال التجارة والحصول على ذهب الألهة والأخشاب والعطور والنفائس. ولم تكن فى حاجة لجيش منظم دائم إلا بعد أن تحتم عليها مواجهة الهكسوس ثم تفاقم الأمر فى عصر الدولة الحديثة والعصر المتأخر.
وإزاء كل المتغيرات والأحداث الجسام التى كانت تعصف بالمجتمع المصرى ونظامه الملكى الإلهى بل وعقائده، لا يمكن أن نهمل دور الكتابة والفن والعمارة فى استمرارية الحضارة المصرية وفى مسارها نحو الخلود. لقد غيرت مصر مجرى التاريخ البشرى كله باختراع الكتابة التى استمدت منها الأبجدية السينائية والفينيقية واليونانية. كانت السجلات المكتوبة على جدران المعابد وعلى أوراق البردى وشقف الفخار مرجعا لما كان وتبشيراً بما يجب أن يكون ونبراساً للمستقبل.
المتحف الكبير.. الارتباط الوثيق بين مصر الحديثة وماضيها التليد ما من شك فى أن ارتباط موقع المتحف المصرى الكبير بأهرامات الجيزة يعطيه أهمية خاصة لا تتوافر لغيره من المتاحف، وهو مع ذلك ليس متحفاً موقعاً لأنه متحف لكل الآثار المصرية القديمة على مرمى البصر من أهرامات الجيزة الشامخة فى رابطة بصرية تستدعى تأمل رمزية المكان والتواصل بين الماضى والحاضر وبين التقنيات الحديثة وتقنيات بناء الأهرامات من الأحجار.
يتخذ المتحف المصرى الكبير أشكالاً هندسية مثلثة تتداخل فى الواجهة أبعاد ودرجات لون مختلفة مع إيقاع من مثلثات داكنة فى اللون مع استخدام الألباستر (المرمر) الشفاف أحياناً فى تنويعات تمتد إلى تخطيط اللاندسكيب المحيط بالمتحف مع امتداد بصرى من ناحية إلى قمة الهرم الأكبر ومن ناحية أخرى إلى قمة الهرم الأصغر مما يحقق تكامل بصرياً لمجموعة المتحف مع أهرامات الجيزة الثلاثة.
كما يتم ترديد الأهرامات الثلاثة فى ثلاث واجهات بارزة تتناقص فى الحجم على تأكيد هذه العلاقة البصرية من المتحف من منظور يؤكد الارتباط الوثيق بين مصر الحديثة وماضيها التليد.
تقف أمام المتحف مسلة رمزاً للشموخ والقوة. نُقلت المسلة التى تعود إلى الملك رمسيس الثانى من صان الحجر، شرق الدلتا ورُفعت على قاعدة من أربعة أعمدة محفورة عليها اسم مصر بجميع لغات العالم. وصممت القاعدة بحيث تظهر فى أسفل المسلة خرطوش الملك رمسيس الثانى، لتصبح أول مسلة معلقة فى العالم.
ومن ساحة المسلة الفسيحة يدلف الزائرون إلى المتحف من خلال بوابة هرمية إلى الساحة الرئيسية التى ينتصب فيها التمثال الضخم لرمسيس الثانى الذى نُقل فى بادئ الأمر من ميت رهينة فى 1957 إلى ميدان السكة الحديدية «باب الحديد» الذى أصبح منذ ذلك الحين ميدان رمسيس.
ويرتفع التمثال الضخم فى ساحة المتحف الداخلية الواسعة السامقة الارتفاع بأشكالها الهندسية الهرمية التى يتلاعب فيها الضوء الطبيعى مع التصميمات الهندسية من خلال أحجار الألباستر الشفيفة وغيرها فى السقوف المائلة التى تتقاطع مع تشكيلات هندسية وكتل معمارية مثلثية توحى بفراغات هرمية ينتقل من خلالها الزائرون إلى درج عظيم تصطف على جانبه تماثيل عظماء الملوك بينما تقوده خطواته على درجات بارتفاع 24 متراً عبر مسافة 64 متراً من عصر الدولة القديمة إلى العصر اليونانى الرومانى ومن خلال 72 تمثالاً منها: تمثال الملكة حتشبسوت وامنحتب الثالث واخناتون.
كما يطل علينا من خلال الماضى الأبدى سنوسرت الأول بهيئته الأوزيرية والإله بتاح الذى خلق العالم بكلمة أما امنحتب الثالث فيتبدى لنا مع «رع حور آختى» ليذكرنا بالفلسفة الكونية التى كانت المؤسسة الملكية جزءاً لا يتجزأ منها.
وكان رع إله الشمس فى هليوبوليس قد اتحد مع حورس إله الجنوب عندما توحد القطران.
يمر الزائر على الدرج صاعداً من عتبات التاريخ إلى العصر الذى انفتح فيه عالم البحر الأبيض المتوسط على الحضارة المصرية القديمة التى جمعت فى العصر الرومانى بين أوزوريس وآبيس فى إله يونانى تحت مسمى سرابيس لتنتشر عبادته فى القرن الثالث قبل الميلاد.
ومن الدرج العظيم عبر الواجهة الزجاجية التى تطل على الأهرامات يدلف الزائر إلى قاعات العرض الاثنى عشر التى تبدأ بعصور ما قبل التاريخ وتنتهى بالعصر الرومانى.
وتحتفى العروض بثلاث موضوعات رئيسية هى نظام الملكية والمجتمع والمعتقدات فى صالات عرض تصل مساحتها إلى 18 ألف متر مربع تُستخدم لعرض مجموعات وقطع أثرية تزيد على 54.000 قطعة من مختلف العصور ومن أرجاء مصر وبقاعها التى تزخر بما أبقى عليه الزمن من آثار القدماء النادرة فى تتابع زمنى يتيح للزائر اختيار مساره عبر العصور مستكشفاً التحولات المجتمعية فى كل عصر.
كما يضم المتحف عرضاً لمركبين من مراكب خوفو، وصالات عرض مُخصصة لمحتويات مقبرة توت عنخ آمون تُعرض معاً لأول مرة منذ اكتشافها فى 1922.
لا يصح أن يتم التعامل مع افتتاح المتحف المصرى الكبير كحدث عابر، ولا أن يكون الهدف هو ما سيدره من دخل من السائحين، مع أهمية ذلك لتوظيفه فى التنمية المجتمعية، لأن الهدف الأسمى والأهم هو أن يكون المتحف فاتحة لتجديد طرح رسالة مصر الحضارية بصفتها مهد الحضارة الإنسانية إلى العالم فى وقت يحتاج فيه إلى الإلمام بالأسس التى ضمنت لمصر البقاء والخلود.
وفى عالم تهب فيه تيارات عنيفة تهدد ثبات الشخصية المصرية وتقحم عليها مفاهيم وعاداتٍ ضارة تشتد الحاجة إلى تأكيد عظمة مصر ودورها الحضارى وإلى تفهم دورها فى نمو الفكر الإنسانى وجدير بنا أن نكون على دراية ومعرفة بأمجاد أجدادنا لنثبت أقدامنا فى عالم مضطرب ولنساهم فى صياغة المستقبل فى وحى من الأصالة التاريخية والثقة بالذات.
عطاء مصر الحضارى
الحضارة هى التسامى بالوجود الإنسانى إلى ما يحقق انطلاقاً للإبداع الفكرى والفنى فى إطار من التواصل الاجتماعى ويعنى ذلك أن تزدهر الفنون والعلوم والصناعات وأن يسود العدل والمحبة بين الناس وأن يأمن الناس من الظلم والفاقة والعوز.
ولقد أسهمت مصر فى إرساء أسس الحضارة للعالم أجمعه لأنها كانت سباقة فى الخروج من عالم القبائل البدائية إلى عالم يسوده تنظيم اجتماعى ازدهرت بسببه الفنون والعلوم ورسخت فيه القيم الأخلاقية السامية.
وقد انتقلت إنجازات الحضارة المصرية إلى الحضارات المجاورة خاصة نتيجة للتفاعل السياسى بين مصر وبلاد الشرق الأدنى فى عصر الدولة الحديثة وفى المرحلة التى ظهرت فيها أول الديانات السماوية كما نعرفها وكان المصريون القدماء من «أهل الكتاب» ولذا ابتكروا نظاماً فريداً للكتابة اسموه «كلام الله» واستخدموه فى الكتابات الدينية والسجلات الملكية فى أول استخدام للورق المصنوع من نبات البردى.
وتعلم العالم من مصر أيضاً نظام الحكم والإدارة الحكومية، فلقد كانت مصر دولة قومية بالمعنى الحديث، ولم تظهر مثل هذه الدول فى أوروبا إلا فى عهد حديث، وكان أساس الحكم فى مصر الربط بين إدارة الأقاليم بحكام محليين وإدارة مركزية تحت رعاية فرعون مصر. وكان فرعون مصر - على عكس الأفكار الخاطئة الشائعة والتى روج لها العبرانيون - تجسيداً لفكرة الحق والعدل والإنصاف والنظام («ماعت») وكان بارتباطه بالآلهة تأكيداً إلهياً لفكرة الحق والعدل والنظام وكان بوجوده بين الناس حاكماً عادلاً وعطوفاً يحميهم من أعدائهم وهو الراعى لشعبه والأمين على مصلحته ورفاهيته.
وارتبط النظام الاجتماعى المصرى منذ البداية بفكرة العدل ولا نظن أن دوام الدولة المصرية القديمة لما يزيد على 3000 عام كان ليتم دون فكرة «العدل» التى كانت ضمن الأخلاقيات التى تميز بها المجتمع المصرى وقد تبدت فى مجموعة من النصائح وجهها الحكماء «آني» و«امنمؤوبى» (القرن العاشر قبل الميلاد) إلى أبنائهم، ومن أهم الحكم الأخلاقية التى تتبدى فى هذه النصائح وتعكس التراث الخلقى الذى قدمته مصر للعالم ما يلى:
الصدق فى القول.
حلاوة اللسان.
عدم الثرثرة
المجادلة بالحسنى.
المحبة الأسرية.
إعزاز الزوجة.
محبة البنين.
الوفاء للأمهات.
الشهامة.
الابتعاد عن الشغب.
تفادى النميمة.
هدوء النفس.
القناعة.
الزهد فيما يملكه الغير.
العفة.
مراعاة الآخرين.
احترام الكبار.
الإحسان.
العطف.
المساواة بين الرجل والمرأة.
الشفقة على الأعمى واليتيم والأرمل.
التسامح.
وعلى ضفاف النيل، واهب الحياة، وفى القرى التى تنتشر بين الحقول الخضراء تتبدى مصر كعطية أوزوريس الملك الطيب الذى علم الناس الزراعة وبناء المدن والحضارة. ولكن أرض مصر الطيبة لم تنجُ من الخطر والشر كما لم ينجُ أوزوريس الطيب من مكر وغدر أخيه الشرير «ست» الذى تحايل على اغتياله وتقطيع جسده.
ولكن مصر قد استطاعت أن تخرج من المحن والأخطار وتحافظ على كيانها مرة تلو مرة كما يطلع النهار بعد الليل، ولم تكن مصر بقادرة على الخروج من مصائبها لو لم يتمسك أبناؤها بالخير والحق لأن مصر هى القيم والسلوك الطيب، وهى المحبة والوئام والإحسان والجمال والعدالة والخير، والتى تذكرنا بها أقوال الحكيم المصرى القديم بتاح حوتب:
- الرجل الذى لا خبرة له لا يسمع، ويرى العلم فى الجهل والربح فى الخسارة ويفعل كل شىء فى ضلال ويتغذى من أحلام السوء.
- إذا أردت أن يكون خلقك محموداً فاحذر الشراهة فإنها مرض مملوء بالداء ولا يشفى والصداقة معها مستحيلة وهى حزمة من أنواع الشر وحقيبة من كل شيء مرذول.
ولنتذكر أيضا تعاليم امنمؤوبى بن كاناخت لابنه:
لا تغشن فى ميزان أو كيل.
احكم بالعدل ولا تظلم الفقير لمصلحة الغنى.
لا تكن قاسياً فى جباية الضرائب.
ما تفعله ظلماً لا يبارك الله فيه.
كيل واحد يعطيك إياه الله خير لك من خمسة آلاف كيل تأخذها ظلماً.
إن الثروة التى تجمعها ظلماً لا تقيم عندك ليلة واحدة لأنها لا يتأتى عليها الصباح حتى تكون قد هجرت دارك.
لا تجعل الكسب همك الأول فى كل شىء.
واعلم أن الله يحب من يدخل السرور على قلب الفقير أكثر ممن يعبد العظيم (من يوقر أو يبجل الغني)
وفى القناعة والإحسان والعطف واتقان العمل وتعظيم العلم تكمن عظمة مصر وحضارتها، وبدون هذه الخصائص تفقد مصر قدرتها على تجديد نفسها والصمود أمام قوى الشر والفساد، وتصبح الأهرامات مجرد أكوام من الأحجار والمعابد هياكل خربة والتماثيل أصنام بلا قدسية، والأخطر من هذا كله أن يزداد الشقاء بين الناس فتتفكك الأسرة ويتنافر الأقارب وينقلب الأصدقاء إلى أعداء، ونتيجة للشراهة والطمع والجرى وراء الكسب السريع ستكون النتيجة أن يتلوث نهر النيل العظيم. ولا يجب أن ننسى أن المصرى كان يدافع عن نفسه أمام محكمة أوزوريس فى يوم الحساب فيقول:
لم أتلف أرضاً مزروعة.. ولم أسد قناة رى على غيري.
كفلت الأخلاق والقيم للمصريين
حياة طيبة وحضارة من أعظم حضارات العالم
وهكذا جمع المصريون بين الاستمتاع بالحياة والحفاظ على البيئة والتناغم المجتمعى، وكان المصريون فى ذلك يراعون «الله» وهو فى نظرهم روح الحق والجمال والصدق وكانوا بتقديم القرابين والصلوات يتقربون إلى الله وبذلك يؤكدون عزمهم على فعل الخير.
وعرف عن المصريين أيضاً تسامحهم الدينى لإدراكهم أن الاختلافات بين الديانات هى اختلافات ظاهرية وأن الشعوب المختلفة والقبائل المختلفة تتوحد فى إيمانها بإله خالق قادر عادل، وأن الله يتبدى لهم فى صور مختلفة تقترب من أفهامهم وتنبع من بيئتهم وظروفهم، ونتيجة لهذا التسامح تعددت الآلهة فى مصر القديمة ولكن الإله الخفى الواحد كان دائماً خلف هذه الآلهة المتعددة وكانت هذه الآلهة تصور عنه وكان الكهنة يصورونه للناس على أنه «رع» أو «آمون» أو «آمون-رع» أو «بتاح» أو «خنوم» ولكن صفات الإله الخالق القادر على كل شيء لم تتغير.
وقدم المصريون للعالم أيضاً نظاماً دينياً متكاملاً أدخلوا فيه فكرة «الروح» و«الخلود» و«يوم الحساب» و«الخير والشر» بل وبناء المعابد (ويقابلها الآن الكنائس والمعابد والمساجد) والكهنة ورجال الدين والحج إلى الأماكن المقدسة وتقديم القرابين والترحم على الموتى وإقامة الصلاة على الأموات.
وهكذا ربط المصريون الإنسان والمجتمع فى نسق كونى خالد وبهذا ثبتت أقدامه على الأرض وتطلع فى حياته إلى «بيت الأبدية» وكان هذا من أهم الأفكار الدينية التى صاحبت البشرية عبر تاريخها الطويل.
وفى مجال الفنون قدم المصريون أسساً لرسم وتلوين المناظر والنحت والموسيقى والمعمار والشعر وكتابة القصص والمسرحيات، وتتميز فنونهم بالتناسب والجمال مما هذب أحاسيس من جاء إلى مصر من جيرانها وأثر فى نفوسهم ووجدانهم.
وما من زائر إلى مصر إلا وانطبع فى وجدانه كمال الأهرامات وروعة المعابد وجمال النقوش والتصاوير ويرجع ذلك فى أساسه إلى حس هندسى مرهف، وكان هذا الإحساس الهندسى مرتبطاً بأشكال الكمال الهندسى، وعلاقة المربع بالدائرة وثمانى الأضلاع وتوصلوا بذلك إلى نسب ذهبية ارتبطوا بها وحققوا عن طريقها أسس المعمار النظرية.
ولم يتوقفوا عند ذلك بل ابتكروا طرقاً عملية لتحويل النسب الخفية إلى أهرامات من مئات الآلاف من الأحجار التى ترتفع إلى عنان السماء، ولعظمة المصريين المعمارية وطرقهم فى قطع وتشذيب الأحجار ونقلها وتشييد المبانى دان العالم واعترف بفضلهم البناءون فى أوروبا واتخذوا من الرموز المصرية شعاراً لهم.
وما زال أيضاً شعار الأطباء حتى اليوم من رموز المصريين القدماء، وبرع المصريون فى الطب منذ بدء الدولة القديمة وتقدم الطب على أيديهم فعرفوا الأطباء المتخصصين والجراحة وطب الأسنان والعقاقير الطبية، ونسب اليونانيون إلى «تحوت» الإله المصرى اختراع الصيدلة والطب.
وكان من أهم إضافاتهم الفلكية تحديد الاتجاهات الأصلية، ومعرفة البروج السماوية والتقويم الشمسى الذى مازال أساساً للتقويم فى جميع بلاد العالم بعد تعديلات طفيفة.
وفى مجال القياس والحساب فلقد أدخلوا النظام العشرى ونظاماً متقدماً من الضرب والقسمة وحساب الكسور والمعادلات كما ابتكروا نظام الموازين والمكاييل.
وما من شك فى أن فكرة الحضارة نفسها بالنفس البشرى وازدهار للفنون والعلوم وسيادة العدل الاجتماعى والتآخى بين الناس هى فكرة مصرية بامتياز سيطرت على عقول البشرية ومازالت هى الشعاع الذى ينير الطريق إلى المستقبل.
الديانة المصرية القديمة
تميز المصريون على مدى التاريخ بتدينهم وتمسكهم بالقيم الأخلاقية الاجتماعية ولقد توالت على مصر عصور تاريخية عديدة كما أن حضارة مصر من أقدم حضارات العالم وقد بدأت الخطوات الأولى نحو حضارة المدن والمدنية منذ حوالى (5500) سنة وبدأت الملامح الأساسية للدولة المصرية القديمة تأخذ شكلها بعد مضى خمسمائة سنة أى منذ حوالى (5000) عام.
وقد ظهرت الديانات المصرية القديمة قبل ظهور الديانات السماوية فلقد ظهرت الديانة الموسوية منذ حوالى (3200) سنة فى عصر الرعامسة أى بعد حوالى (1800) سنة من بدء الحضارة الفرعونية. كما قام عيسى عليه السلام بنشر المسيحية منذ حوالى (2000) عام. ودعا محمد - عليه صلوات الله وسلامه خاتم الأنبياء والمرسلين- إلى الإسلام منذ حوالى (1400) سنة أى بعد حوالى (3650) بعد الحضارة المصرية.
وقد توصل قدماء المصريين إلى مفاهيم دينية ارتبطت بطبيعة مجتمعهم وتاريخهم الدينى وفى بداية تاريخهم الدينى كان الناس فى القرى يؤمنون بآلهة تمثل قوى الطبيعة وترتبط بمواضيع شغلت أذهانهم مثل: معرفة أسرار الكون والخلق، الموت والخلود، والروح، والبعث بعد الموت. ولقد توصلوا إلى أن للعالم خالقاً عظيماً خلق العالم من العدم وكان من عادة المصريين أن يعبروا عن أفكارهم بصور وتماثيل لتقريبها للفهم وحتى ترتبط الأفكار بعالم الحس ومازالت هذه الطريقة تتبع فى ديانات عديدة فتستخدم بعض طوائف المسيحية مثلاً تماثيل السيد المسيح حتى يتضرعوا للإله عن طريقها.
والخالق الأول عند قدماء المصريين هو الإله «آتوم» وهو لم يولد ولكنه أوجد ذاته بنفسه وقبل ذلك تصور المصريون أن العالم قد خلق بصورة تشبه ظهور الأرض والحشائش بعد فيضان النيل الذى كان يغطى كل أرض مصر. فتصوروا أنه كان هناك محيط أزلى من الماء ومن هذا المحيط ظهر تل وعلى هذا التل ظهر الآله الخالق «آتوم» وحاولوا أيضاً تشبيه هذا الإله بالشمس التى تأتى فتبدد الظلام وأطلقوا اسم «رع» على الشمس كتعبير عن الإله الخالق. وقد لاحظ المصريون أن الخنافس تظهر على الربوات الطينية التى تتخلف بعد فيضان النيل وشاهدوا أن هذه الخنافس تدفع أمامها كرة من الطين ولذلك فلقد ربطوا بين هذه الكرة والشمس واستخدموا الخنفساء - واسمها باللغة المصرية القديمة «خبر» - كتصوير للشمس فى أول النهار بعد ظلام الليل كما تصوروا أيضاً أن الشمس تقوم برحلة يومية من الشرق إلى الغرب ولما كان معظم انتقال المصريين عن طريق المراكب فلقد تخيلوا أن رحلة الشمس تتم فى مركب يبحر من الشرق إلى الغرب وبعد الغروب تصوروا أن المركب يقوم برحلة فى عالم الظلام والليل تحت الأرض من الغرب إلى الشرق وكانوا يعتقدون أن الشمس تتعرض للخطر خلال هذه الرحلة الليلية وقد مثّلوا هذا الخطر بالثعبان، وكما قد يقتل الثعبان الإنسان تصوروا أن الثعبان قد يهاجم الشمس، ولذلك فكانت هناك عدة آلهة لحماية الشمس من خطر الثعبان الذى أسموه «أبو فيس».
ولم يكتفِ المصريون باستخدام الشمس «رع» أو الإله «آتوم» لتمثيل الإله الخالق الأعظم بل لجأوا أيضاً إلى التفكير فى إله اسمه «خنوم» وهو الإله الذى ربطوا بينه وبين فيضان النيل ولما كان النيل يبعث الحياة فقد اعتقدوا أن خنوم يخلق البشر من طين كالذى ينبت فيه الزرع بعد الفيضان وأن الإله يقوم بخلق البشر كالفخرانى الذى يصنع الأوعية الفخارية مستخدماً قرصاً دوّاراً يديره بقدمه «ويسميه الفخرانية الدولاب».
ومن الآلهة الذين ارتبطوا فى عقيدة المصريين القدماء بالخلق الإله «بتاح» وهو أيضاً الإله الذى علّم الناس الحرف والفنون.
وأغلب الظن أن المصريين اعتقدوا منذ فجر التاريخ أن للعالم خالق وأن الخالق هو إله عظيم خفى ولكنهم استخدموا «آتوم» و«رع» و«خنوم» و«بتاح» لتقريب صفاته إلى الأذهان.
ومنذ بدأ التاريخ أيضاً كان للعائلة تقدير خاص فى قلوب المصريين ولذلك هداهم تفكيرهم إلى تصوير الآلهة كأزواج وزوجات وأبناء وذلك باستثناء «آتوم» الذى لم يكن له زوجة أو قرينة ولكنه خلق إلهين هما «شو» وزوجته «تفنوت». ويمثل «شو» الهواء بينما تمثل «تفنوت» الرطوبة التى تتخلل الهواء.
وأنجب «شو» و«تفنوت»: «جب» ويمثل الأرض، و«نوت» وتمثل السماء. ومنذ البدء كانت السماء منطبقة على الأرض فرفع الهواء السماء على ذراعيه وبذلك أصبحت السماء كما نتصورها ككقبة سماوية فوق الأرض. وأنجب «جب» و«نوت»: «أوزوريس» وزوجته «إيزيس»، و«نفتيس» وزوجته «ست».
ويعتبر المصريون أوزوريس أول ملوك مصر وهو الذى علم المصريين الزراعة والحضارة وكانت تجلس معه على العرش زوجته إيزيس ولكن أخوه ست طمع فى العرش وتآمر على قتل الملك أوزوريس ونجح فى ذلك بعد أن قطعه إرباً إرباً وألقى بأعضاء جسمه فى النيل. وارتبط أوزوريس منذ وقت سحيق بالموت وكان الموت مرتبطاً فى أذهان المصريين بفترة «التحاريق» وهى فترة كان منسوب النيل فيها يهبط ويقل الماء وذلك قبل إنشاء السدود.
ولذلك كان مجىء الفيضان مبشراً بالخير والحياة كالبعث بعد الموت ولأن جسم أوزوريس قد ألقى فى النيل أصبح أوزوريس أيضاً رمزاً للبعث أو الحياة بعد الموت ولذلك كان يُستخدم اللون الأخضر لتمثيله.
وفى قصص الأولين المصريين أن زوجة أوزوريس الوفية إيزيس قامت بمجهود شاق لتجمع أشلاء أوزوريس من أنحاء مصر وحملت إيزيس من روح أوزوريس ابناً اسمه «حورس» وبعد أن بلغ حورس مبلغ الرجال حارب «ست» الذى اغتصب عرش أبيه، وكانت إيزيس قد أخفت حورس لترعاه فى أحراش ومستنقعات الدلتا، ولذلك فلقد صور المصريون النزاع على أنه نزاع بين مملكة الشمال (الدلتا أو وجه بحرى) ويمثلها «حورس». والجنوب (الصعيد أو وجه قبلى) ويمثله «ست». وبعد حرب طويلة ومريرة بين «حورس» و«ست» تدخل الآلهة ومنهم الإلهة تحوت إلهة الحكمة لفض النزاع. وانعقدت محكمة إلهية تم الحكم فيها فى النهاية لصالح «حورس» الذى أصبح الملك الشرعى لمصر بقطريها الشمالى والجنوبى ولذلك أصبح من الألقاب الثابتة لفرعون (ملك) مصر لقب «ملك الصعيد والدلتا».
وقد مرّت قصة إيزيس وأوزوريس بفترات تاريخية متعددة ومن الصعب أن نرجع القصة إلى فترة تاريخية محددة ولكن القصة مرتبطة بالتأكيد بفكرة «الحق الإلهى فى العرش» وكان العرش يورث عن طريق العائلة الملكية وبالذات بالزواج من أميرة من العائلة المالكة إذا لم يكن هناك رجل من السلالة الملكية ولذلك فإن إيزيس تُصور دائماً وكرسى العرش فوق رأسها.
كما ترمز القصة إلى الصراع بين الخير والشر وانتصار الحق فى النهاية. ومن الملاحظ أن المصريين القدماء قد فضلوا انتصار الحق لا عن طريق الحرب أو القوة ولكن بالقانون وسيادة العدالة. ورمزوا للعدالة والحق بالإلهة «ماعت».
وكما هى عادة المصريين فى استخدام الصور لتقريب أفكارهم للأذهان فلقد صوروا «حورس» كصقر وبعد مدة ربطوا بين حورس والشمس (رع) وأسموه «رع-خور-اختى» لأن الصقر يطير نحو الشمس. كما صوروا حورس كإنسان له رأس صقر يعلوها قرص الشمس. وصوروا «ست» على أنه إنسان برأس حمار أو خنزير.
وترتبط صورة الإلهة «إيزيس» بإلهة أخرى يبدو أنها تسبق إيزيس تاريخياً وهى الإلهة «حتحور» وتمثل حتحور الأم كما أنها ربة الحب والجمال. وتُمثل كل من إيزيس وحتحور بامرأة يعلو رأسها قرنى بقرة ويحيط القرنين بقرص الشمس. ولكن إيزيس تتميز بوجود العرش فوق قرص الشمس وارتباط إيزيس وحتحور بالبقرة قد يرجع إلى الأزمان السحيقة التى كان المصريون فيها رعاة بقر (منذ 8 آلاف سنة) وكانت حياتهم تعتمد على خصوبة البقرة وإرضاعها للعجول ورعايتها لصغارها.
وتتمثل أمومة إيزيس فى مرحلة تاريخية متأخرة صورتها وهى جالسة أو راكعة ترضع حورس من ثديها وسمى حورس الطفل ولم يكن دور المرأة فى العقائد المصرية القديمة مقصوراً على رعاية الأبناء كأم حنون عطوف ولكنها كانت أيضاً كالنمرة أو اللبؤة (أنثى الأسد) التى تحارب من أجل صغارها ولذلك مثّل المصريون المرأة كإلهة حرب تحمى فرعون مصر (وهو وليدها)، وتدافع عن أرض الوطن، وصوروا آلة الحرب كامرأة برأس لبؤة «سخمت»، كما صوروها أيضاً كامرأة تمسك بيديها قوس وسهمين «الإلهة نيت». ومن الآلهة القاتلة أيضاً «حية الكوبرا» (وادچيت) وهى تعلو تاج الفرعون لتنفث السم فى أعداءه. ومن الآلهة الخطرة أيضاً «العقاب» (نخبيت) وهى أيضاً حامية للفرعون.
وارتبطت المرأة أيضاً بآلهة أخرى تمثلها امرأة برأس قطة «باستيت» وهى أيضاً إلهة حرب وكانت القطط تستخدم فى اقتناص وصيد الطيور البرية ولكن مع مرور الوقت ارتبطت القطة بالمرح والابتهاج.
ومع مرور الوقت أيضاً ارتبطت الإلهة حتحور بالسرور والمتعة والموسيقى والرقص وارتبطت المرأة أيضاً بالمعرفة فكانت «سيشات» ربة الكتابة وحافظة السجلات الملكية. وتعتبر «سيشات» إحدى آلهة المعرفة والفنون وتشمل هذه المجموعة: الإله «بتاح» رب الحرف والفنون الصناعية، والإله «تحوت» وهو رب الكتابة والحكمة وكان الكتّاب يتبركون به ويعتبرونه حاميهم ويمثل «تحوت» عادة بإنسان له رأس طائر أبو منجل أو كطائر أبو منجل وأحياناً ما يمثل تحوت بقرد.
واعتقد المصريون أن الإنسان يولد ويولد معه توأم له يشبهه تماماً وأسموه بالقرين «كا»، كما اعتقدوا أن للإنسان روحاً أو قوة حيوية أسموها «با»، وبعد الوفاء تغادر الروح والقرين الجسد ولكنهم اعتقدوا أن بقاء الروح والقرين مرتبط بوجود الجسد الذى تعود إليه الروح من وقت لآخر حتى تستمر فى الوجود ولذلك قام المصريون بتحنيط الجسد وعمل تماثيل للمتوفى حتى تجد الروح الجسد أو ما يشابهه وبذلك تجد لها مستقراً بدلاً من الضياع والتشتت.
وكان إله التحنيط هو «أنوبيس» وهو على صورة كلب أو ثعلب لأن هذه الحيوانات كانت تكثر بالمقابر فاعتبروها حارسة للمقبرة ومشرفة على التحنيط.
وبعد الوفاة اعتقدوا أن المتوفى يقدم للمحاكمة ليحاسب على أفعاله وكان أساس الحياة القويمة عند قدماء المصريين هى الحياة العادلة. وكان قلب المتوفى يوضع فى كفة ميزان وتوضع فى الكفة الأخرى ريشة. وهذه الريشة هى رمز لإلهة العدل «ماعت» وتُمثل دائماً بريشة فوق رأسها وإذا ما كان القلب أثقل من الريشة استدل من ذلك أن المتوفى لم يكن عادلاً فى حياته وأنه لم يكن من الأبرار ولذلك يقذف بقلبه إلى وحش قبيح اسمه «أميت» وهو وحش خرافى رأسه رأس تمساح وصدره ونصفه الأول جزء من أسد ونصفه الخلفى جزء من السيد قشطة. ويقوم بتسجيل الحكم الإله «تحوت».
الحكومة المصرية
شكّلت مؤسسة الملكية فى مصر القديمة محورَ الحياة السياسية والدينية والثقافية للبلاد. لم يكن الملك - المعروف باسم «الفرعون» فى العصور اللاحقة (عصر الدولة الحديثة) - مجرد حاكم، بل كان كيانًا إلهيًا تُعتبر سلطته أساسيةً لاستقرار الكون وتناغمه. من أوائل سلالات المملكة القديمة إلى آخر حكام العصر البطلمى، ظلت الملكية حجر الزاوية فى الحضارة المصرية. يُتيح فهم دور الملوك فى مصر القديمة فهمًا عميقًا لبنية حكومتها ودينها وفنونها ونظامها الاجتماعى.
استندت شرعية الملكية المصرية إلى الاعتقاد بأن الملك إنسانٌ وإلهٌ فى آنٍ واحد. كان يُعتبر تجسيدًا أرضيًا للإله «حورس»، الإله ذو رأس الصقر المرتبط بالملكية والسماء. وحورس هو ابن إيزيس وأوزوريس حسب الأسطورة المصرية القديمة كان أول حاكم لمصر وقد اعتقد المصريون أنه أول من علم أجدادهم كيف يزرعون الحبوب ويصنعون الشعير وقد قتل أوزوريس بواسطة أخيه ست لذا صار أوزوريس ملكاً للعالم السفلى.
أما ابنه حورس الذى استعاد العرش من ست بعد معركة شرسة وأصبح ملكاً خالداً لمصر كل ملك يأتى بعده يحمل اسمه كما يحمل فوق رأسه تاج الشمال والجنوب الموقع باسم الإلهتين الحارستين لمصر السفلى والعليا وكانت من مهام الفرعون نشر السلام والحفاظ على كرامة الشعب وفوق ذلك منع الفوضى واستتباب النظام، وكانت الإلهة «ماعت» تمثل النظام والعدالة والحقيقة.
لم تكن هذه الهوية الإلهية رمزية، بل كانت متجذرة فى علم الكونيات المصرى ضمن وجود الملك التوازن بين الآلهة والطبيعة والبشرية، وهو مبدأ يُعرف باسم «ماعت»
وبسبب هذه المكانة الإلهية، كان الملك وسيطًا بين الآلهة والشعب كان يؤدى الطقوس، ويبنى المعابد، ويقدم القرابين لضمان استمرار تفضيل الآلهة لمصر. حافظت أفعاله على الانسجام الكونى وخصوبة الأرض، مما ضمن الرخاء والفيضان السنوى لنهر النيل.
وكان الملك هو الحاكم المطلق لمصر بصفته رئيسًا للدولة، وكان يمتلك جميع أراضى مصر ومواردها، ويقود الجيش، ويسن القوانين، وهو المسئول عن إقامة العدل واستتباب الرخاء، وتزداد هذه المسئولية فى أوقات الفقر والمجاعة، وخلال أعوام الرخاء عليه أن يدخر الزائد والتى عند الحاجة إليها توزع على الناس بطريقة عادلة، كما كان على الفرعون حماية البلاد ضد الأعداء، والحكم فى المظالم التى تأتيه من عامة الشعب، كما عليه أيضاً أن يقدم القرابين إلى «رع» أقدم الآلهة وأكبرها. وفى الدولة القديمة أصبح الملك ابن رع الذى يرمز اليه بقرص الشمس.
وعكست ألقاب الملك هويته المتعددة. وكان من اسماءه «اسم حورى» (من حورس) يدل على انتسابه للآلهة، بينما يربط «اسم السيدتين» بالإلهتين الحاميتين لمصر العليا والسفلى ودور الملك فى الحفاظ على وحدة الدولة. ورمز «اسم حورس الذهبي» إلى النصر الأبدى، بينما أكد «اسم العرش» على استحقاقه لتولى العرش ودل «اسم الميلاد» على شرعيته ونسبه. وعبّرت هذه الألقاب مجتمعةً عن وحدة مصر تحت حكمه ودوره كحافظ على «ماعت» والتى يلقب باسمها بعض الملوك.
يتميز فراعنة مصر بتيجان الملك التى كانوا يرتدونها فى مناسبات مختلفة وأهم هذه التيجان هو التاج المزدوج «وريرت» ويتكون من تاج أبيض «هيدچيت» وهو تاج مصر العليا (الوجه القبلي) وتاج أحمر «ديشرت» وهو تاج الدلتا (الوجه البحري) وكان التاج يمثل القوة ويرمز لقدسية الملك ويرتدى الفرعون أيضاً رداء رأس (منديل الرأس) من القماش المخطط أزرق وأصفر اسمه «نيميس» كما يرتدى فى الحملات الحربية تاج الحرب الأزرق «خيبرش» الذى ظهر فى الأسرة الثامنة عشر وفى بعض المناسبات الرسمية الحربية يرتدى الفرعون تاج «هيمهيمت» ويتكون من خوذة يعلوها الريش والنباتات وأقراص حمراء تمثل الشمس وتحيط بها الكوبرا وتظهر حية «الكوبرا» على كل تاج كرمز للملك والكوبرا تمثل الإلهة «وادچيت» تحمى الفرعون من أعدائه.
كما حملت الشعارات الملكية معانٍ رمزية فمثل التاج المزدوج (بشنت) توحيد مصر العليا والسفلى. كان العصا والسوط يرمزان إلى الملكية والخصوبة، بينما كان الصل - وهو أفعى الكوبرا على جبين الملك - يرمز إلى الحماية الإلهية.
كما كان الملك أيضًا رئيس كهنة جميع معابد مصر. ورغم أن الكهنة كانوا يؤدون الطقوس اليومية، إلا أنهم كانوا يفعلون ذلك نيابةً عن الملك كان الملك يأمر ببناء معابد وتماثيل ونقوش تُخلّد علاقته بالآلهة. وكان الفن والعمارة أدواتٍ فعّالة للتعبير عن الفكر الملكى فعلى سبيل المثال، تُجسّد تماثيل رمسيس الثانى الضخمة فى أبو سمبل عظمة الملك الإلهية، بينما تُظهره النقوش البارزة فى المعابد وهو يُقدّم الهدايا للآلهة، مُعزّزًا دوره المقدس.
كما رعى الملوك برامج بناء ضخمة تُعبّر عن إخلاصهم وتُعزّز نفوذهم السياسى كان بناء الأهرامات والمعابد والمقابر الجنائزية بمثابة مراكز دينية ومعالم خالدة للسلطة الملكية وقد حشدت هذه المشاريع موارد وجهودًا هائلة، موحدةً الشعب فى خدمة الحاكم الإلهى.
وخلال عصر الدولة القديمة (حوالى 2686-2181 قبل الميلاد)، بلغت سلطة الملوك ذروتها. وقام ملوك مثل زوسر وخوفو وخفرع ببناء أهرامات ضخمة كرموز لسلطتهم الإلهية وحكمهم الأبدى. فى عصر الدولة الوسطى (حوالى 2055-1650 قبل الميلاد)، اتخذت الملكية طابعًا أبويًا وأخلاقيًا أكثر، حيث أكد حكام مثل سنوسرت الثالث على واجب الملك فى حماية رعيته ورعايتهم. فى عصر الدولة الحديثة (حوالى 1550-1070 قبل الميلاد)، توسّعت مصر لتصبح إمبراطوريةً تحت حكم فراعنة محاربين مثل تحتمس الثالث ورمسيس الثانى، جامعين بين القوة العسكرية والشرعية الإلهية.
ومع أن الملوك كانوا مقدسين ومؤلهين خالدين، إلا أنهم كانوا فى الواقع أيضا فانين، وكان عليهم أن يواجهوا تحديات الحكم والصراعات الداخلية والخارجية، وفى عصر الدولة الحديثة، فى خضم تحولات جذرية فى المجتمع، كان منها من تولوا الحكم من عامة الشعب من خارج السلالة الملكية، كما كان للنساء دور مهم فى دوائر الحكم، وكان على ملكة مثل حتشبسوت، أن توفق بين التوقعات المتعلقة بذكورة الملك مع الحفاظ على الشرعية الملكية. كما واجه أخناتون الذى تصدى لكهنة آمون وطرح أفكارا دينية جديدة، مقاومة شرسة، وردة الى عبادة آمون.
ومن الناحية الإدارية، كان يحيط بالفرعون المستشارين، والكهان أو قواد جيشه وبين هؤلاء كان اثنان يمثلان رئاسة الوزراء ويقومون على الاشراف على كل الخدمات العامة، كما اختصوا أيضاً بجمع الضرائب، التى كانت تدفع فى شكل شعير أو قمح أو مواشى وبضائع أخرى. ولم يكن المصريون قد استخدموا النقود فى التعامل. وبمساعدة الكتبة خصصت الأموال التى جمعت من الضرائب لكى توزع على الجنود وبنائى الحكومة وغيرهم وقد كان أحد المستشارين يختص بمصر السفلى يقوم على مباشرة شئون الزراعة، والجيش أو دار العدالة والآخر مسئول عن الزراعة والخدمات والجيش ودار العدالة فى مصر العليا وكان مجلس الفرعون يعقد فى قصر الفرعون قلب مصر النابض حينئذ، وكان أصل لقب الفرعون فى اللغة المصرية (per-aa) بمعنى «البيت العظيم».
وكان هذا أصل لقب فرعون ، وليس اسم لفرعون بعينه، ولم يستخدم هذا اللقب إلا فى الدولة الحديثة، ولكنه اصبح لقبا شائعا لكل ملوك مصر عند العامة وعلماء المصريات على حد سواء.
وقد خصص جزء من البيت للفرعون وعائلته الملكية، وجزء يباشر فيه مهام الحكم ويقابل رسل الشعب وممثليه. وطالما كان القصر فى المدن العريقة القديمة طيبة، ممفيس ثم مدينة أخرى فى الدلتا فى عهد الرعامسة بناها رمسيس فى شرق الدلتا وأسماها (بيت رمسيس) واشتمل القصر على جزء للملك وعائلته وجزء لمهام الحكم ومكاتب الموظفين، وسجل لحفظ الوثائق ومدارس، حجر للخزين، ورش للعمال، وخبازين، وأماكن للحراس، حقول، بحيرات ومعابد وقد اشتملت على حديقة حيوان.
ولقد كان الملك تجسيداً لقوى فوق طبيعية وأخرى طبيعية، فقواه الكونية هى اتخاذه للصقر، والثور والأسد كأسماء تدل عليه. وقد تميز الفرعون بالشجاعة والرحمة فكلمته هى العدل وقلبه لا يعرف غير الحقيقة الكل يحتمى به، يعطف على الجميع ويعمل على حفظ النظام، واستتباب الأمن، وانتشار الرخاء.
وكانت مصر مقسمة إدارياً إلى 20 محافظة أو مديرية فى الصعيد و22 محافظة فى الدلتا. وكان يحكم كل محافظة حاكم يسمى «هيري-تيپ» تحت سيادة الحكومة المركزية الإشراف فى مقاطعته على القضاء والإدارة المحلية والخزينة ومسح الأراضى الزراعية ورعاية الجسور والسدود وأعمال الرى والزراعة وجمع الضرائب وتجنيد المحاربين فى سبيل الجهاد الوطني.
وكان المسئول عن الإدارة المركزية للبلاد تحت الملك وزير (تزاتى tjaty) وفى الدولة القديمة كان الوزير عادة من العائلة الملكية وفى العصور التالية قام بإدارة أمور الحكم وزيرين وكان أحدهما مسئول عن الدلتا والآخر مسئول عن الصعيد ومقر حكمه طيبة وكان الوزيران مسئولان عن شئون الزراعة وإحصاء الماشية والأبقار والإشراف على أعمال الرى والقضاء لحل المنازعات بين الأقاليم وتعداد السكان ورصد مناسيب الفيضان وجمع الضرائب من الأقاليم وتنمية الموارد المالية والصناعة وتعبئة قوات الجيش الوطنية.
وكان تحت إشراف الوزراء جهاز حكومى من الموظفين والكتبة والكهان وكان يساعد الوزير أفراد من العائلة الملكية وكان ذلك تدريباً لهم على نظام الحكم والإدارة.
وكان من كبار الموظفين سكرتير الخزانة المالية وحامل الأختام الملكية ومستشار الملك وكان من مهام سكرتير الخزانة جمع الضرائب والتى كانت تدفع فى شكل شعير أو قمح أو ماشية أو أى بضائع أخرى لأن المصريين لم يستخدموا النقود فى التعامل وكانت الضرائب تجمع فى مخازن ملكية وكان من مسئوليات وزير الخزانة الإشراف على المحاجر والمعابد ودفع المرتبات لموظفى الإقطاعيات الملكية والجيش والأسطول. وكان مستشار الملك يقوم بالإشراف على المشروعات وكان أحياناً هو حامل الختم الملكي.
وفى عهد الامبراطورية المصرية عين الملك والياً لحكم النوبة وآخرون لحكم فلسطين ولبنان وسوريا. وكانت الوثائق الحكومية تحفظ فى دار للمحفوظات بعد أن تختم بخاتم الوزير. وبالإضافة إلى الوزراء كانت هناك محافظة للعاصمة فى طيبة وفى الدولة الحديثة مدير عام للجبانات الملكية.
وكان نظام القضاء مبنياً على محاكم أهلية فى القرى والمدن من اختصاصها الحكم فى المنازعات والقضايا وتوقيع العقوبات وكان القضاة من الشيوخ وكانت المحاكم الأهلية تفوض الحكم فى جرائم القتل والخيانة العظمى إلى محكمة عليا تحت إشراف الوزراء فى عاصمة البلاد.
وكان لكل مواطن حق التقدم بشكوى أو تضرع إلى المحكمة العليا وكان القضاء فى مصر يتم حسب قوانين محددة وكان الشهود يدعون للإدلاء بشهادتهم. ولم يكن هناك تفرقة بين النساء والرجال أو بين الأغنياء والفقراء وكان القضاء يضمن للمستضعفين وأرقاء الحال حقوقهم القانونية.
ويدل على ذلك قصة الفلاح الفصيح الذى تقدم مباشرة بشكوى إلى الملك ضد أحد كبار موظفى الدولة وهى قصة تحث على العدل وإعطاء الفقير حقه وحمايته من الأغنياء الطامعين وكبار الموظفين الفاسدين. وكان من مهام الحكومة المصرية الدفاع عن أرض مصر ضد الغزاة الذين كانوا يهددون مصر.
وإذا ما استعرضنا تاريخ مصر على مر العصور نستنتج أن عظمة مصر وحضارتها كانت تعتمد على سيادة حكومة عادلة ترعى الزراعة والصناعة والعلوم والفنون وتحمى أرض مصر بجيش قوى. وكانت موارد الحكومة تعتمد على الضرائب وكان الفلاحون يعملون بإخلاص وتفانٍ عندما لم يرهقهم الحكام بالضرائب الفادحة وكان من مهام الفرعون والوزراء أن يخفوا لنجدة الفلاحين عندما تشح الغلال أوقات الفيضانات الشحيحة أو عندما تهددهم الفيضانات المدمرة.
وكان أمن مصر الداخلى يعتمد على تعاون حكام المقاطعات والحكومة المركزية وكان الضعف والوهن ينتاب مصر عندما يطمع الحكام المحليون فى الحكم ويتطاولون على الحكومة المركزية، كما كان أمن مصر يعتمد أيضاً على صد الغزاة والطامعين فى ثرواتها وكان نجاح الحكومة يعتمد على اختيار أنسب الكفاءات بغض النظر عن وضعهم الاجتماعى للوظائف الحكومية، وكان ثبات الدولة والتعاون بين المواطنين والحكومة يعتمد على الإيمان بالعدل تحت نظام إلهى يضمن للناس حقوقهم وللملك حكمه كسليل الآلهة.
عن كتاب
«مصر الخالدة.. مهد الحضارة»
يصدر عن سلسلة «كتاب اليوم» فى مناسبة افتتاح المتحف الكبير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.