اُفتتح اليوم السبت الأول من نوفمبر «المتحف المصري الكبير»، أضخم صرح أثري وثقافي في العالم، ويأتي افتتاحه تتويجًا لجهد استمر أكثر من عقدين من الزمن، شارك فيه آلاف الخبراء والمهندسين وعلماء الآثار من مصر ودول عديدة، ليكون المتحف بوابة جديدة تطل منها مصر على العالم بوجهها الحضاري الخالد. ولم يكن المشروع مجرد بناء هندسي ضخم، بل رؤية قومية متكاملة تهدف إلى إعادة صياغة تجربة الزائر عبر الدمج بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة، لذلك، مثّل المتحف المصري الكبير نموذجًا عالميًا للتكامل بين العمارة والفكر، ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور، بعضها يُعرض لأول مرة منذ اكتشافه، ليحكي تاريخ الفراعنة عبر تصميم معماري مبهر وتجربة عرض متحفي متطورة تدمج بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة. قاعة الملك توت عنخ آمون تعد قاعة توت عنخ آمون درة التاج في المتحف المصري الكبير، إذ تحتضن للمرة الأولى المجموعة الكاملة لمقتنيات الفرعون الذهبي التي تتجاوز 5400 قطعة أثرية، بعد أن كانت موزعة بين متاحف مختلفة. هذه القاعة الفريدة تنقل الزائر إلى عالم الملك الشاب الذي حكم مصر في سن صغيرة وخلّد اسمه في التاريخ بكنوزه الفريدة. ومن أبرز معروضات القاعة: القناع الذهبي الشهير، وهو أبرز رموز الحضارة المصرية، مصنوع من الذهب الخالص بوزن 11 كجم تقريبًا، يرمز إلى الخلود والنقاء الملكي. العجلات الحربية الست، تُعرض مجتمعة لأول مرة في مكان واحد بعد نقلها من متاحف القاهرة والأقصر والحربي، لتبرز عبقرية الصناعة المصرية القديمة. ختم توت عنخ آمون، أول أثر اكتشفه هوارد كارتر عام 1922، يمثل بداية القصة التي غيّرت علم الآثار إلى الأبد. الدرع الجلدي الفريد، قطعة استثنائية لم تعرض من قبل، تظهر براعة المصريين القدماء في المزج بين القوة والزخرفة الفنية. أجنة توت عنخ آمون، وهما جنينان محنطان عمرهما 5 و7 أشهر عُثر عليهما داخل مقبرته، يعكسان الجانب الإنساني العميق في حياة الملوك. المسلة المعلقة تستقبل المسلة المعلقة زوار المتحف في الساحة الخارجية، وهي إحدى أكثر القطع إبهارا من الناحية المعمارية، تنتمي إلى الملك رمسيس الثاني، أحد أعظم حكام مصر في عصر الدولة الحديثة، وقد تم نقلها من موقعها الأصلي في صان الحجر بالشرقية لتعرض بأسلوب مبتكر يسمح للزائرين برؤية خرطوش الملك من أسفلها للمرة الأولى منذ أكثر من 3500 عام. ومن مميزاتها الفريدة: تصميمها المعلق على قاعدة معدنية حديثة يتيح المشاهدة من جميع الزوايا. النقوش الهيروغليفية الباقية بحالة مذهلة رغم مرور آلاف السنين. تقنية الإضاءة الليزرية التي تُبرز خرطوش رمسيس الثاني ليلاً. استخدام مواد دعم غير مرئية تحافظ على الشكل الأصلي للمسلة دون المساس بسلامتها. كونها أول مسلة في العالم يتم عرضها بهذه التقنية المعمارية المتطورة. الحارس العظيم للبهو الرئيسي: تمثال رمسيس الثاني يعتبر تمثال رمسيس الثاني أول ما يلفت أنظار الزوار في البهو العظيم للمتحف، هذا التمثال الضخم المصنوع من الجرانيت الوردي يبلغ طوله 11.3 مترًا ويزن نحو 83.4 طنًا، واكتشف عام 1820 في منطقة ميت رهينة، ونقل إلى ميدان رمسيس في خمسينيات القرن الماضي قبل أن يستقر في مكانه الجديد عام 2006. أهم ما يميز التمثال: دقّة النحت التي تُظهر ملامح القوة والحكمة في وجه الملك. نقوش على الرداء والحزام الملكي تحمل أسماء الآلهة والرموز المقدسة. موقعه الاستراتيجي تحت سقف زجاجي يعكس ضوء الشمس على وجه التمثال صباحًا في مشهد مهيب. التمثال يُعد مقدمة بصرية تعبر عن فلسفة المتحف: الجمع بين عظمة الماضي وتكنولوجيا الحاضر. عمود مرنبتاح من بين المعروضات المهيبة التي تزين بهو المتحف، يبرز عمود الملك مرنبتاح ابن رمسيس الثاني، والذي يبلغ ارتفاعه نحو 5.6 أمتار ويزن قرابة 13 طنًا، العمود مصنوع من الجرانيت الوردي، واكتشف عام 1970 في مدينة أون (عين شمس)، ويعد من أهم الأعمدة التذكارية في مصر القديمة لما يحمله من نصوص تاريخية دقيقة تصف انتصارات الملك في العام الخامس من حكمه. ومن أهم ملامحه الفنية والتاريخية: النقوش الغائرة المنحوتة بخط هيروغليفي دقيق تُوثّق الحملات العسكرية لمرنبتاح. وجود نصوص تشير إلى انتصار الملك على "الليبيين وشعوب البحر" وهي من أقدم الإشارات التاريخية في النصوص المصرية. تصميم العمود المربع القاعدة الذي يجمع بين الجمال الهندسي والرمزية الدينية. يُعتقد أن العمود كان قائمًا أمام معبد ضخم في هليوبوليس قبل نقله. الدرج العظيم يعد الدرج العظيم (The Grand Staircase) من أكثر العناصر المعمارية تفردا في المتحف المصري الكبير، إذ يضم أكثر من 59 قطعة أثرية ضخمة تمثل مختلف العصور المصرية من الدولة القديمة حتى العصر اليوناني الروماني، ويمتد الدرج على ارتفاع شاهق داخل البهو الرئيسي ليقود الزوار نحو قاعات العرض الدائمة في مشهد بانورامي مذهل يُطل مباشرة على أهرامات الجيزة. ومن أبرز ما يميزه: القطع المعروضة عليه تشمل تماثيل ضخمة لملوك وآلهة، مثل سنوسرت الثالث وأمنحتب الثالث. الإضاءة المصممة خصيصًا لتسليط الضوء على كل قطعة بشكل فني يبرز ملامحها دون إبهار بصري زائد. النهاية العلوية للدرج تفتح على شرفة زجاجية تمنح الزائر رؤية بانورامية للأهرامات. يعدّ الدرج بمثابة "رحلة زمنية عمودية" تجسد تطور الفن والنحت المصري عبر آلاف السنين. كثير من الزوار يصفونه بأنه أفضل موقع للتصوير داخل المتحف نظرًا لعظمته المعمارية. متحف مراكب خوفو في مبنى مستقل بجوار المتحف الرئيسي، يقع متحف مراكب الملك خوفو (Khufu Boat Museum) الذي يعرض واحدة من أقدم وأعظم الاكتشافات الأثرية في العالم: مركب الشمس، الذي اكتشف عام 1954 عند قاعدة الهرم الأكبر، ويبلغ طول المركب نحو 43 مترًا وصُنع بالكامل من خشب الأرز اللبناني، وظل محفوظًا بعناية مذهلة داخل حفرة مغلقة منذ أكثر من 46 قرنًا. ومن ملامحه الفريدة: المركب الأول يُعرض بعد ترميمه بشكل ثلاثي الأبعاد يتيح للزائر المشاهدة من جميع الاتجاهات. تُعرض القطع الأصلية في بيئة محكمة بدرجة حرارة ورطوبة ثابتة لحمايتها من التلف. يجري العمل حاليًا على إعادة تجميع المركب الثاني أمام الجمهور باستخدام أحدث تقنيات الترميم. يعد المركب أقدم أثر عضوي في التاريخ البشري، ويرمز إلى رحلة الملك إلى السماء في الحياة الأبدية. استخدام تقنيات عرض رقمية توضح للزائر كيفية تصنيع وربط ألواح الخشب باستخدام الحبال فقط دون مسامير. كنوز لا تفوت إلى جانب المعروضات الكبرى، يحتوي المتحف المصري الكبير على قطع صغيرة لكنها ذات قيمة أثرية وجمالية هائلة تعرض لأول مرة، من بينها أدوات الزينة، والأواني الكريمة، والحلي الذهبية التي كانت تستخدمها الملكات، إضافة إلى برديات نادرة ووثائق مكتوبة بالهيروغليفية، هذه المعروضات تُبرز الجوانب الإنسانية والفنية في حياة المصريين القدماء، بعيدًا عن الطابع الملكي التقليدي. ومن بين هذه الكنوز الاستثنائية: تمائم وأحجبة واقية كانت توضع في المقابر لحماية المتوفى في العالم الآخر. أدوات كُحل ومستحضرات تجميل صنعت من معادن طبيعية نادرة مثل المالاكيت واللازورد. أساور وأطواق ذهبية تعود إلى الملكة تيي وزوجات رمسيس الثاني. برديات تحتوي على فصول من كتاب الموتى، تعرض بطريقة رقمية تفاعلية. مجموعة أدوات حرفية تُظهر دقة الحرفيين المصريين القدماء في صناعة الخشب والعاج.