بورسعيد - أيمن عبد الهادي لم يكن المهندس حمادة فرج يعلم أن رحلته إلى محافظة دمياط ستكون الأخيرة في حياته. لم يستوعب أن شهامته التي دفعته لمساعدة رجل غريب ستنتهي بجريمة مأساوية تهز الشارع من هول بشاعتها، وتكشف الوجه القاسي للخداع والغدر على الطريق. جريمة تجسدت فيها الشهامة والندالة في نفس الوقت من خلال نموذجين متناقضين من البشر .. احدهما شهم حتى النخاع والآخر نذل حتى الثمالة. التفاصيل غي السطور التالية.. خرج المهندس حماده البالغ من العمر 40 عامًا من منزله بالقاهرة متجهًا إلى كفر البطيخ لحضور حفل زفاف أحد أقاربه، تاركًا خلفه أسرته التي ودعته بابتسامة، دون أن تدري أنها النظرة الأخيرة لزوج وأب لن يعود، وكانت الرحلة عادية في بدايتها، طريق طويل وأغانٍ خفيفة تكسر ملل السفر، لكن القدر كان يخبئ مشهدًا مأساويًا على أحد الطرق السريعة. الرحلة الأخيرة توقف حمادة في إحدى محطات الوقود على طريق محور 30 يونيو لتزويد سيارته بالبنزين، وهناك اقترب منه شاب يرتدي ملابس عامل بسيطة، وطلب منه أن يوصله إلى بورسعيد، مبررًا أنه تأخر على عمله ولا يجد وسيلة مواصلات، ابتسم المهندس واستجاب على الفور، فهكذا اعتاد أن يساعد الناس، شهامته سبقت خوفه، وإنسانيته جعلته لا يظن سوءًا بأحد. انطلقت السيارة في هدوء، الحديث كان بسيطًا في البداية، لكن بعد دقائق، انقلب كل شيء، تحولت الشهامة إلى فخ، والمساعدة إلى مصيدة، استل الراكب سكينًا من بين طيات ملابسه، وطالب المهندس أن يترك السيارة ويسلمه ما يملك من نقود ومتعلقات، رفض حمادة، قاوم بشجاعة رغم المفاجأة، لكن القاتل سدد له ثلاث طعنات نافذة في الصدر، لينهار جسده داخل السيارة، والدماء تسيل على المقعد الذي كان يجلس عليه بثقة واطمئنان منذ دقائق. غدر حتى النهاية لم يكتف القاتل بجريمته، بل أوقف السيارة في طريق فرعي على المحور، وسحب جسد الضحية إلى الخارج، وألقى به على جانب الطريق، ثم أدار عجلات السيارة فوق رأسه ليتأكد من وفاته، في مشهد لا يخلو من القسوة والوحشية، بعدها استولى على السيارة والهاتف المحمول وجهاز اللاب توب والمبلغ المالي الذي كان بحوزة المهندس، وفر هاربًا تاركًا خلفه جثة المهندس شريف وأب مكلوم لم يجد حتى من يغلق عينيه. بداية اللغز مع غروب الشمس، بدأت الأسرة في القلق، فقد انقطع الاتصال بحمادة منذ ساعات، وتكررت محاولات الاتصال دون جدوى. في اليوم التالي، تلقى قسم شرطة كفر البطيخ بلاغًا بتغيبه، وبعد ساعات تم العثور على جثمان مجهول على طريق محور 30 يونيو داخل نطاق محافظة بورسعيد، ليبدأ لغز محير: البلاغ في دمياط والجثة في بورسعيد والسيارة مختفية. تحت إشراف اللواء محمد الجمسي، مدير أمن بورسعيد، تم تشكيل فريق بحث موسع بقيادة اللواء ضياء زامل، مدير المباحث، وبدأت رحلة فك طلاسم الجريمة. استخدمت فرق البحث أحدث وسائل التكنولوجيا في تتبع خط سير السيارة من القاهرة وحتى لحظة اختفائها، وتم فحص كاميرات المراقبة على طول الطريق، ومحطات الوقود، والمداخل والمخارج. تتبع القاتل وضبطه بعد ساعات طويلة من التحليل والمراجعة، رصدت الكاميرات المتهم أثناء استقلاله السيارة مع الضحية، ثم ظهوره بمفرده في منطقة قريبة من مسرح الجريمة، جرى تحديد هويته ومكان اختبائه بدقة، وبعد تقنين الإجراءات، داهمت قوات الأمن وكر المتهم، وتمكنت من ضبطه ومعه السيارة المسروقة ومتعلقات المجني عليه كاملة، بما فيها الهاتف المحمول واللاب توب والمحفظة وبطاقات الهوية. اعترف المتهم تفصيليًا أمام رجال المباحث بارتكابه الجريمة، وروى كيف استغل شهامة المهندس وحسن نيته، ثم غدر به في الطريق، كما أرشد عن المكان الذي تخلص فيه من الجثة، وقام بتمثيل الواقعة ميدانيًا أمام النيابة العامة التي باشرت التحقيق، وأكدت مصادر أمنية أن سرعة التحرك واحترافية فريق البحث كانت وراء كشف اللغز في وقت قياسي رغم تعقيد القضية وتعدد المحافظات التي تشابكت فيها خيوطها. جنازة مهيبة في صباح اليوم التالي، خرج المئات من الأهالي لتشييع جثمان المهندس الشهيد، في جنازة مهيبة اختلطت فيها الدموع بالدعاء، والهتافات بالمواساة، انهارت والدته باكية وهي تردد: كان طيب ومبيأذيش حد.. ليه يا ابني؟!، بينما وقف أصدقاؤه وزملاؤه في صمت تام، غير مصدقين أن من كان يملأ الجلسات بالضحك والكرم، رحل بهذه القسوة. غطت الزغاريد الحزينة صوت بكاء النساء، وأُديت صلاة الجنازة وسط حضور كبير من الأهالي الذين رفعوا أيديهم إلى السماء بالدعاء له بالرحمة، وأن ينال القاتل جزاءه العادل، وتحول المشهد إلى رسالة إنسانية تردد صداها في كل بيت: "ما بقاش الأمان في الطريق، والخير بقى محتاج حذر". أثارت الواقعة موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تداول الآلاف صور المهندس حمادة، مطالبين بالقصاص العادل للقاتل الذي غدر بإنسان لم يعرفه سوى لدقائق، كتب أحد أصدقائه: حمادة كان الطيبة في شكل إنسان، كان بيساعد الناس من غير ما يستنى مقابل.. ربنا يرحمه ويصبر أهله، بينما علق آخر: الشهامة بقت خطر.. واللي بيعمل خير لازم يخاف! ورغم الحزن، خرجت أصوات تدعو للرحمة والعبرة، مؤكدين أن الجريمة لا يجب أن تطفئ في الناس روح الخير، بل أن تزيدهم وعيًا بأن الحذر لا يتعارض مع الإنسانية. اقرأ أيضا: إجراءات عاجلة لإغاثة الطفل المعذَّب على يد والديه بدمياط القصاص يقترب النيابة العامة تواصل تحقيقاتها مع المتهم، تمهيدًا لإحالته إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد المقترن بالسرقة، وهي جريمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام شنقًا، وفي الوقت نفسه، ما زال الشارع المصري يردد قصة المهندس حمادة كرمز جديد للشهامة التي قُتلت غدرًا، وللمرحوم الذي ترك خلفه سيرة طيبة ستظل تروى طويلًا. قال عدد من أهالي بورسعيد إنهم تابعوا تفاصيل الجريمة بصدمة وحزن، مؤكدين أن ما حدث للمهندس حمادة فرج هزّ ضمير كل إنسان، لأنه خرج من بيته يساعد غيره فعاد جثة غارقة في الدم. قال محمد فؤاد، موظف، إن الواقعة مؤلمة لأنها طعنة في شهامة المصريين، مضيفًا: "الراجل ساعد واحد على الطريق، ماكنش يتخيل إن ده اللي هيغدر بيه.. لازم القاتل ياخد جزاءه علشان الناس تتطمن." وقالت منى السعيد، ربة منزل، إنها بكت عندما رأت صور الجنازة، مشيرة إلى أن المئات شيّعوا الجثمان وسط حالة حزن عارم، والدعوات للقصاص العادل. وأضاف أحمد السيد، شاب من الحي الإماراتي، أن هذه الجريمة لازم تخلينا نراجع نفسنا، ونوعي أولادنا عن مخاطر الثقة في الغرباء، قائلًا: "الشهامة ما تموتش، بس لازم تكون بحذر." وأكد المواطنون أن مشهد الجنازة كان كافيًا ليُظهر كم الحب الذي تركه المجني عليه في قلوب من عرفوه، وأن دموع الناس في وداعه كانت أبلغ رد على قسوة الغدر الذي أنهى حياته. رحم الله المهندس الشهيد، وألهم أسرته الصبر، ولينل القاتل جزاءه العادل، فما أقسى أن يُقتل الإنسان بجميل صنعه، وما أبشع أن تُغدر الشهامة على الطريق.