كانت شوارع منطقة أم بيومي في شبرا الخيمة تنعم بسكون المساء المعتاد، ضجيج الباعة تراجع مع غروب الشمس، وأصوات المارة بدأت تخفت شيئًا فشيئًا. لكن هذا الهدوء لم يدم طويلًا، إذ اخترق صمت الحي صوت طلقة نارية واحدة كانت كفيلة بأن تقلب الهدوء إلى صراخ، والسكينة إلى فوضى، لم يكن أحد يتوقع أن خلافًا بسيطًا بين شابين سينتهي بجريمة قتل تهز المنطقة، وأن رصاصة خرجت في لحظة غضب ستفتح أبواب تحقيق طويل يكشف خلفيات أغرب مما يتصورها البعض تفاصيل اكثر نعرضها فى السطور التالية. في تمام التاسعة مساءً تقريبًا، هرع الأهالي من منازلهم على وقع الصيحات القادمة من أحد الأزقة الجانبية. هناك، كان الضحية، شاب في الثانية والعشرين من عمره، ممددًا على الأرض والدماء تغطي ملابسه، بينما التف حوله عدد من الجيران يحاولون إنقاذه. لم يدرك أحد في تلك اللحظة أن الرصاصة التي استقرت في جسده لن تمنحه فرصة نجاة. لم تمر دقائق حتى تلقى اللواء محمد السيد، مدير إدارة المباحث الجنائية بالقليوبية، إخطارًا عاجلًا من اللواء وائل المتولي، رئيس مباحث المديرية، يفيد بوقوع مشاجرة دامية في منطقة أم بيومي أسفرت عن إصابة شاب بطلق ناري. وعلى الفور، وجه التعليمات بسرعة الانتقال إلى موقع الحادث لكشف ملابساته وضبط الجاني. قادت التحركات الميدانية رجال المباحث إلى موقع الجريمة وسط حالة من التوتر والترقب بين الأهالي. الأرض ملطخة بالدماء، فيما قام رجال الشرطة بتأمين المكان وجمع الأدلة. التحريات مع الساعات الأولى من التحقيقات، بدأت ملامح الواقعة تتضح شيئًا فشيئًا. كشفت تحريات المباحث أن القتيل محمد.ع كان على خلاف سابق مع أحد أبناء المنطقة يعمل فكهاني في السوق القريب. الخلافات بينهما – وفقًا لشهود العيان – بدأت قبل أسابيع بسبب مشادة حول مبلغ مالي بسيط، لكنها تحولت مع الوقت إلى عداوة مكتومة. وفي يوم الحادث، تصادف أن التقى الطرفان في الشارع نفسه. الكلمات المتبادلة كانت حادة، والشتائم ارتفعت وسط محاولات من بعض الأهالي لتهدئة الموقف. لكن لحظة واحدة كانت كفيلة بتغيير كل شيء؛ إذ غادر الفكهاني المكان غاضبًا، ثم عاد بعد دقائق يحمل فرد خرطوش، وأطلق النار مباشرة على خصمه، فأصابه بطلقة نارية في الجسد، قبل أن يفر هاربًا تاركا المكان. نقلت الجثة إلى مستشفى قليوب العام، حيث أكدت الفحوص الطبية أن الوفاة ناتجة عن تهتك بالأعضاء الداخلية بسبب طلقة خرطوش، أصاب المتهمُ المجنيَّ عليه بطلقٍ ناري استقر في منطقة الصدر والرئة، ما أسفر عن وفاته في الحال متأثرًا بجراحه. وبإخطار النيابة العامة، انتقل فريق من المحققين لمعاينة الجثمان ومسرح الجريمة، حيث تبين وجود آثار دماء بطول الشارع، فيما عُثر على فوارغ طلقات خرطوش بالقرب من أحد المحال. استمعت النيابة إلى شهادة عدد من الأهالي الذين أكدوا وقوع مشاجرة قصيرة تخللها إطلاق نار، وأجمعوا على أن المتهم هو الفكهاني. كما أمرت النيابة بسرعة ضبط وإحضار المتهم وسلاح الجريمة، مع انتداب الطب الشرعي لتشريح الجثمان وبيان أسباب الوفاة تفصيلاً. 24 ساعة لم تمضِ 24 ساعة على الجريمة حتى تمكن رجال المباحث من تحديد مكان اختباء المتهم داخل منزل أحد أقاربه في أطراف شبرا الخيمة. تمت مداهمة الموقع فجرًا، وضبط المتهم وبحوزته السلاح المستخدم في الحادث. وقالت وزارة الداخلية في بيان لها، إنه عقب تقنين الإجراءات أمكن ضبط شخصين تاجر فاكهة ووالده مقيمان بدائرة مركز شرطة قليوب، وبحوزة أحدهما فرد الخرطوش المستخدم فى ارتكاب الواقعة واتخذت الإجراءات القانونية . أمام اللواء أشرف جاب الله، مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن القليوبية، عرض المتهم بعد استجوابه مبدأيًا. وخلال التحقيق، أقر فتحي. أ بارتكاب الواقعة، مدعيًا أن المجني عليه كان يستفزه دائمًا ويهدده، وأنه فقد السيطرة على نفسه وقت الحادث. قال في اعترافاته: "أنا ما كانش قصدي أموته، بس هو كان بيضايق قريبتنا وبيعاكسها في الشارع، وكذا مرة نبهناه يبطل التصرفات دي، وكان دايمًا يعمل مشاكل في المنطقة. يومها اتكلمت معاه بالعقل، لكنه شتمني قدام الناس ورفع صوته عليّ، وقتها اتخانقت معاه وطلعت الفرد الخرطوش اللي معايا وضربت طلقة عشان أخوفه، لكن الطلقة جت فيه." في صباح اليوم التالي، تحولت شوارع أم بيومي إلى ساحة حزن كبيرة. شيّع المئات من الأهالي جنازة الشاب محمد وسط دموع والدته وأشقائه، كان المشهد مؤلمًا؛ نعش ملفوف في كفن أبيض، وأصوات الدعاء ترتفع مع الهتافات المطالبة بالقصاص. شهادة الجيران قال أحد جيران القتيل بصوت مختنق: "عطية عبدالرحمن كان شابا طيبا.. مش بتاع مشاكل.. الحكاية كلها سوء تفاهم كبر وانتهى بجريمة." ونفى والد الشاب القتيل صحة ما تداوله البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول وجود خلاف أو تحرّش بفتاة قبل الحادث، مؤكدًا أن هذه الأقاويل لا تمت للحقيقة بصلة. وأشار إلى أن نجله كان يتمتع بسمعة طيبة وسلوك مستقيم، وعمل سائقًا كما شدد على ثقته في مسار العدالة قائلاً: "ابني مات وهو بيحاول يفصل خناقة، مش بلطجي ولا بتاع مشاكل، وأنا واثق إن حقه هيرجع." اقرأ أيضا: العدالة تنصف طفلة قليوب وتقضى بالسجن المشدد 10 سنوات لمُعتديها استمرت النيابة في التحقيق، واستدعت شهودًا جدد من بينهم صاحب محل مجاور أكد أنه شاهد المتهم يعود بعد دقائق من المشاجرة ممسكًا بسلاح الخرطوش. كما أظهرت الكاميرات المثبتة على أحد المحال لحظات ما قبل الحادث، إذ ظهر المتهم وهو يدخل الزقاق مسرعًا ثم يخرج بعد ثوانٍ يحمل السلاح موجهًا نحو القتيل. أمرت النيابة بحبس المتهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات، مع التحفظ على السلاح المستخدم، وطلب تقرير مفصل من الطب الشرعي حول نوع المقذوفات التي استقرت في جسد المجني عليه. في النهاية، تبقى القصة درسًا مؤلمًا عن لحظة غضب واحدة قادرة على تدمير حياتين في آن واحد: شاب فقد حياته، وآخر فقد مستقبله وراء القضبان. أما في بيت القتيل، فما زالت الأم تنتظر عودة ابنها، غير مصدقة أن الرصاصة أنهت الحكاية للأبد.