تتجه أنظار العالم الليلة إلى مصر، أرض الحضارات ومهد التاريخ، لمتابعة الحدث الثقافى الأهم فى القرن الحادى والعشرين، افتتاح المتحف المصرى الكبير هدية مصر للإنسانية، وبعد سنوات طويلة من العمل والجهد المتواصل، تستعد مصر لأن تُبهر العالم وتؤكد مكانتها كحاضنة لأعظم تراث عرفته البشرية. منذ أكثر من قرن ظل المتحف المصرى فى ميدان التحرير هو الحارس الأمين لآثار الفراعنة، يحتضن آلاف القطع النادرة التى تحكى قصة الإنسان المصرى القديم، إلا أن ضيق مساحته وتزايد الاكتشافات الأثرية جعل الحاجة ملحّة لإنشاء صرح جديد يتناسب مع حجم الحضارة المصرية وعراقتها، ومن هنا وُلدت الفكرة الطموحة لإنشاء المتحف المصرى الكبير، بالقرب من أهرامات الجيزة، ليكون الأكبر فى العالم المخصص لحضارة واحدة، وليجسد رؤية مصر الحديثة فى الجمع بين عبق الماضى وروح المستقبل. رحلة بناء هذا المتحف لم تكن سهلة وامتدت لأكثر من عشرين عامًا من العمل الدؤوب والتخطيط الدقيق، وشارك فيها آلاف المهندسين والعلماء والعمال المصريون، الذين أبدعوا فى تصميم وتنفيذ مشروع هو الأضخم من نوعه فى تاريخ المتاحف. ويتميز المتحف بتصميم معمارى فريد ينسجم مع عظمة موقعه المطل على الأهرامات، ويضم قاعات عرض ضخمة وأجنحة متطورة مزودة بأحدث تقنيات العرض والإضاءة والتفاعل الرقمى، ليعيش الزائر تجربة لا تُنسى تأخذه فى رحلة عبر الزمن إلى قلب الحضارة المصرية القديمة. وكل زاوية فى المتحف تحاور العالم بلغة الفن وتذكر الإنسانية بجذورها الأولى، حين كانت مصر مركز الضوء والتفكير والإبداع، وحين يقف الزائر أمام تمثال أو بردية أو قطعة فريدة، سيشعر أنه لا يرى الماضى فقط، بل يرى معنى الإنسان. يوم الافتتاح حدث استثنائى ويشهد العالم ميلاد وجهة ثقافية جديدة تضع مصر فى صدارة المشهد الحضارى الدولى، والمتحف لا يمثل مجرد مبنى يعرض الآثار، بل هو مركز متكامل للتاريخ والبحث والتعليم والسياحة، وواجهة تعكس قدرة المصريين على الإبداع والإنجاز، تمامًا كما فعلوا فى احتفالية نقل المومياوات الملكية التى أبهرت العالم قبل أعوام. ويأتى المتحف المصرى الكبير كركيزة أساسية فى رؤية مصر 2030 التى تهدف إلى جعل الثقافة والسياحة قاطرتين للتنمية المستدامة، مع استهداف جذب 40 مليون سائح سنويًا، فالمتحف بما يحتويه من أكثر من مائة ألف قطعة أثرية، بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، سيكون قبلة عشاق التاريخ وعشاق الجمال من كل أنحاء العالم. ويقف المتحف المصرى الكبير شاهدًا على قدرة مصر على أن تجمع بين أمجاد وإنجازات الحاضر، ورمزًا لنهضة ثقافية جديدة تتجذر فى تراب التاريخ وتزهر بروح العصر، ومصر التى شيّدت الأهرامات قبل آلاف السنين، تثبت اليوم أنها ما زالت قادرة على البناء والإبهار، وتفتح أبوابها للعالم لتقدم فصلًا جديدًا فى قصة الحضارة الإنسانية، مكتوبًا بحروف من نور على جدران المتحف المصرى الكبير.