هكذا هى قوانين الاحتراف الكروي، بصفقاتها وحساباتها وصراعاتها. ظروف كثيرة تتحكم فى الفوز والخسارة . كم هى قاسية لعبة كرة القدم! وكم هى غدارة علاقة نجم الكرة بجماهيره! جون واحد يرفعك فوق الاكتاف مصحوبا بالهتافات! و»إهدار» واحد يقذف بك ارضا ويدفع جماهيرك للهجوم عليك دون رحمة! ذاكرة الملعب قصيرة، وجمهور كرة القدم ليس له إلا ما يراه الآن، جمهور سريع الاشتعال يشتعل فرحا، ويشتعل غضبا، يشجع ناديه بعنف ويهاجمه بعنف، تسعده بفوز واحد، و»تعكنن» مزاجه ويومه بهزيمة واحدة، رغم أنه فى كل الأحوال ليس شريكا فى مكاسب الفوز ولا خسائر الهزيمة!! أقول هذا بمناسبة الأزمة والضغوط العنيفة التى يتعرض لها الآن نجمنا الأسطورة محمد صلاح، أشفق على صلاح من جماهيره، ومن المدرب الذى خذله وأجلسه على دكة البدلاء، ومن الضغوط والانتقادات التى تحاصره. تراجع عدد أهداف صلاح ليس معناه تراجع مستواه وانهياره فالملعب ليس صلاح فقط، الملعب 22 لاعبا، دفاع، وهجوم، وتكتيك، ومدرب وحكم، وضغوط، وفريق ليفربول الآن حالة خاصة جدا، فمعظمهم صفقات جديدة راهن عليها المدرب سلوت، ثمانية تعاقدات دفعة واحدة، كلفت النادى 511 مليون يورو، وهى المرة الأولى التى ينفق فيها ناد واحد أكثر من نصف مليار يورو فى فترة انتقالات واحدة. النادى ازدحم بالنجوم الجديدة، وعلى كل منهم اثبات كفاءته امام المدرب، والمدرب أيضا مطالب بإثبات صحة صفقاته أمام ناديه الذى تكلف الكثير. صلاح ببساطة ليس من صناعة سلوت، فهو نجم وأسطورة من قبل قدومه، وفوز ليفربول بالدورى الانجليزى العام الماضي، نسبه الكثيرون إلى صلاح هداف الدورى صاحب ال 29 هدفا، اكثر مما نسبوه للمدرب سلوت. وفى هذا الموسم يريد سلوت تغيير خططه وتجديد دماء الفريق، وصناعة نجوم جدد، فقرر وضع صلاح على دكة البدلاء لمنح «رجالته» الجدد فرص التسجيل والنجومية، وليثبت لإدارة ليفربول ان صفقاته كانت ناجحة وأنه لم يهدر أموال النادى. هكذا هى قوانين الاحتراف الكروي، بصفقاتها وحساباتها وصراعاتها. ظروف كثيرة تتحكم فى الفوز والخسارة، وكل هذه الظروف كانت وراء تراجع تسجيل صلاح، لكن الجماهير للأسف لا يعنيها كل ذلك، ولا تعترف الا باهتزاز الشبكة، وعدد الأهداف. الحقيقة المؤكدة ان جلوس صلاح على دكة البدلاء لم ينقص من قدره، فصلاح ليس مجرد لاعب عادى نحاسبه «بالجون»، أو بنتيجة مباراة أو اثنتين، بل هو مسيرة وتاريخ وإنجازات وأرقام لم يسبقه اليها احد. فى موسم سابق تراجعت اهدافه، لكنه استعاد بريقه بسرعة، وعاد افضل مما كان. صلاح قيمة رياضية وإنسانية، نجح فى كسب القلوب فى العالم كله، ليس فقط بمهاراته فى الملعب، بل أيضا بسلوكه الهادئ داخل الملعب وخارجه، وباحترامه لمدربيه وزملائه وخصومه، وبذكائه الذى يجعله يعرف متى يتكلم ومتى يصمت، وماذا يقول؟ وحتى باختياره لصوره وصور عائلته، التى أصبحت جزءًا من الصورة الذهنية التى بناها لنفسه. نجومية فريدة كسب بها حب واحترام العالم. فعشقته الجماهير، وغنّت له، ورسمت صوره على جدران مبانى ليفربول. ووصل الاعجاب به إلى القصور الملكية، حين طلبت العائلة المالكة البريطانية لقاءه ومصافحته. على مدى 8 سنوات، تعلمنا من هذا الشاب الصغير دروسا كثيرة، تعلمنا كيف يخطط بهدوء وكيف يتعامل مع الضغوط بصبر، ومع الهجوم بثبات، ومع الفشل بإصرار، تعلمنا منه كيف يخفى غضبه، ويحفظ لسانه، فيتحدث قليلا وقت الغضب، ويرسل رسائله الذكية بالإشارة فقط. فعل ذلك اثناء مفاوضات التجديد مع ليفربول، ويفعلها الآن فى مواجهة أزمته الجديدة، وآخر رسائله الذكية حذف صورته بقميص ليفربول من حسابه على منصة إكس، وهى رسالة تحمل منتهى الرفض والاعتراض، دون كلمة غضب واحدة تؤخذ عليه. أثق بأن صلاح سيستعيد بريقه وتوازنه سريعا، أثق بحكمته فى التعامل مع مدربه وجمهوره وحتى اعدائه، أثق فى قراراته، وقدرته على تجاوز الأزمة واستعادة أرقامه التهديفية لإرضاء جمهور الكرة الذى لا يرضى الا بلغة الأهداف .