«هابى بيرث داى» لسارة جوهر الذى فاز بجائزة سينما من أجل الإنسانية بعدما افتتح مهرجان الجونة الثامن فى هدوء مثلما كان الحال مع كثير من الأفلام الرائعة المنتقاة من المهرجانات الدولية العريقة التى عرضت فى المهرجان وسحب البساط من تحتها لقطات الريد كاربت وفساتين النجوم ومواقفهم الطريفة أو السخيفة على حد سواء! الفيلم سيمثل مصر بعد محاولات بائسة للسينما المصرية على أعتاب مسابقة أفضل فيلم روائى دولى بالأوسكار 98، ربما يكون له حظ وافر هذه المرة فى الصعود إلى القائمة المختصرة التى ستعلن فى 16 ديسمبر المقبل وتضم 15 فيلمًا يختارها ناخبو الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما بعد عملية التدقيق والمراجعة لكل الأفلام المتقدمة للمسابقة الأكثر ثراء وقوة ويفترض أن يتنافس فيها أفضل أفلام العام من كل دول العالم، وبعد التصفية الأولى يتم اختيار قائمة الخمسة المرشحين للجائزة وتعلن فى 22 يناير 2026، بينما تعلن الجوائز فى حفل الأوسكار المنتظر والذى يقام فى 16 مارس 2026. اقرأ أيضًا | «هابي بيرث داي» يكتب فصلًا جديدًا في نجاح السينما المصرية حصد الفيلم ثلاث جوائز من مهرجان تريبيكا الرابع والعشرين أفضل فيلم روائى عالمى وأفضل سيناريو وأفضل مخرج، وهو يتناول قضية إنسانية عابرة للحدود، لكن أحداثها تقع فى مصر... عمالة الأطفال واستغلالهم من قبل أسرهم أولًا ثم من أصحاب الأعمال، قضية مؤلمة فى عالم بلا رحمة أو ضمير، ورغم جهود مكثفة لمواجهة هذه الظاهرة لم يتمكن العالم من القضاء عليها، حيث تشير بيانات رسمية أعلنتها منظمة العمل الدولية واليونيسيف هذا العام فى اليوم العالمى لمكافحة عمل الأطفال (12 يونيو) إلى وجود حوالى 138 مليون طفل يتم استغلالهم فى أعمال مختلفة منها أعمال خطيرة تهدد سلامتهم! تحية (ضحى رمضان) بطلة فيلم «هابى بيرث داى» الطفلة الموهوبة التى تشع ذكاء وبراءة، واحدة من ملايين الأطفال المحرومين من حقهم فى التعليم والاستمتاع بطفولتهم، ضحت بها أسرتها الفقيرة وقدمتها لسوق العمل كخادمة فى بيت أسرة ثرية بالقاهرة، لتستطيع الأم المسكينة (حنان مطاوع) مواجهة حياتها القاسية وإعالة أطفالها بعد رحيل الزوج. تعيش تحية مع مخدوميها وهى أسرة من الطبقة المتوسطة، ثلاثة أجيال من النساء، الأم وتلعب دورها حنان يوسف والابنة تلعب دورها نيللى كريم والحفيدة (خديجة أحمد)، والزوج غائب، نعرف من الحوار أنه متهم بالخيانة، ولذلك تم الانفصال تمهيدًا للطلاق، الذى ترفضه الجدة وتحث ابنتها للتغاضى عن خطايا الزوج والسعى للصلح من أجل طفلتها نيللى التى تأثرت نفسيًا بغياب الأب ومن أجل نيللى ومحاولة لجذب اهتمام الزوج الغائب، ترتب الأسرة لإقامة عيد ميلاد نيللى ودعوة الزوج لحضوره... بعد نزول نيللى إلى مدرستها، تتداخل الطفلة الخادمة مع الأسرة فى كل التفاصيل رغم تحذيرات الجدة الصارمة، تتمنى تحية أو توحة كما ينادونها أن يقام حفل عيد ميلاد قد يسعد نيللى التى تعتقد أنها صديقتها، وتبذل قصارى جهدها لإتمام هذا الحفل، تخرج مع أم نيللى لشراء مستلزمات عيد الميلاد، وتستخدم ذكاءها الفطرى للتحايل على الموقف وإقناع بائع الحلوى بصناعة كيكة عيد الميلاد لنيللى، تتركها مخدومتها خارج محلات التسوق لتشترى فستانًا، فتنطلق بعيدًا كطائر حر، تقفز وتلهو بين الأطفال محلقة فى السماء وأماكن اللعب، وتتوه فى عالم غريب عنها، تكتشف مخدومتها أنه لا مفر من اصطحابها وهى تختار فستان عيد الميلاد لنيللى، لتقيس الفستان بدلًا من نيللى الغائبة، وهنا تصدمها البائعة بنظرة طبقية قاسية وترفض أن تضع «الخادمة» الفستان على جسدها! تطل الازدواجية فى شخصية الأم مخدومة توحة حين ترفض التعامل مع هذا المتجر الذى تعامل باستعلاء وطبقية مع توحة رغم أنها شريك أساسى فى هذه الجريمة... تتفق الأم مع الجدة على إخفاء جريمتهما باستغلال توحة خوفًا من موقف الزوج تجاهها وأيضا من شكل توحة أمام المدعوين الأثرياء، فتقرران التخلص منها مؤقتا، وتطلبان من أم توحة أن تأخذ ابنتها يوم عيد الميلاد رغم تفانى توحة فى الإعداد للحفل، تنفذ أم توحة الأمر، وترسل اختها الكبرى لتأخذها، وهناك نكتشف عالم الأم المعدمة المعيلة لخمسة أطفال تركهم الأب الذى لم يبق منه سوى ملابسه يرتديها خيال المآتة! يصدمنا الفارق الطبقى الكبير بين العالمين، الأسرتين، واقع مرير صورته المخرجة الموهوبة ببراعة، وتألقت فى مواجهته الطفلة ضحى رمضان (توحة) التى ترفض الاستسلام وتتطلع لعالم آخر ترفض أن تصدق أنها ليست منه، تقاتل من أجل الهروب وتحقيق حلمها، حضور عيد الميلاد، بذكائها الفطريّ تجد حلًا، وتطير للعالم الذى تمنته، لكن أحلامها تنتهى بصدمة قاسية! «هابى بيرث داى» فيلم إنسانى روعته فى بساطته وأداء الطفلة الموهوبة، التى نافست نجوم الفيلم وتفوقت عليهم رغم الأداء الرائع لحنان مطاوع فى دور الأم الفقيرة المعيلة، وموضوع يجد صدى كبيرًا لدى الأجانب، فهى قضية عالمية يعانى منها بشدة نصف العالم الفقير، وسيناريو مكتوب بمهارة وواقعية... شارك محمد دياب زوجته سارة جوهر كتابة السيناريو لأول أفلامها الذى أكد موهبتها كمخرجة تمتلك حسًا «إنسانيًا وفنيًا كبيرين، وتمتلك رؤية فكرية وبصرية وبراعة فى إدارة الممثل. من عوامل قوة الفيلم تناغم فريق العمل والعناصر كلها، الموسيقى التصويرية وتصميم الملابس والماكياج الذى أضفى واقعية على الشخصيات والحالة... التصوير الرائع لمحمد مختار، الذى عمق إحساسنا بالتضاد بين العالمين وخلق مع نور الدين بكار مدير الإضاءة تباينًا مدهشًا.