يعتبر المتحف المصرى الكبير الذى يفتتح بعد أسبوع إنجازا حضاريا يستحضر الماضى ليضعه أمام الحاضر، ليس حاضر مصر فقط، ولكنه حاضر العالم كله الذى سوف يهرع إلى مشاهدة هذا الإنجاز الرائع، فالأرض المصرية طبقا لتقديرات العلماء تحوى فى باطنها ثلث آثار العالم، ومنها ما اعتبر من عجائب الدنيا وهو ما يعكس أنه على دلتا النيل نشأت أعظم واقدس حضارة فى التاريخ، ذلك يؤكد أن الخلود كان غاية الإنسان المصرى منذ فجر التاريخ. وكم كنت أتمنى أن يطلق على المتحف الكبير اسم «متحف الخلود» لكى يشير الاسم إلى المضمون الصحيح، لقد حضر ملوك مصر فى أكفانهم الذهبية وتماثيلهم الفارهة التى تعكس عظمة الحضارة المصرية منذ بداية التاريخ. لقد أنشأ المصرى القديم التقويم وقسم دورة العام إلى أيام وشهور وبذلك تحركت الحضارة بإيقاع سريع على ضفاف النيل، ولأن النيل جبار يحتاج إلى ترويض ولأن نقل مياه النيل إلى الأماكن البعيدة يقتضى وجود سلطة مركزية تقوم بالعمل وتضع القوانين لتنظيم حياة الناس لذلك نشأت فى مصر أقدم سلطة للدولة. المتحف المصرى الكبير أكبر متحف فى العالم مخصص لحضارة واحدة هى الحضارة المصرية القديمة ومن أبرز ما يميزه عرض كنوز الملك توت عنخ آمون مجمعة لأول مرة فى التاريخ حيث تعرض أكثر من 5000 قطعة من كنوزه التى عثر عليها فى مقبرته، بما فى ذلك القناع الذهبى الأشهر والعربات الحربية والمجوهرات هذه المجموعة الكاملة ستقدم للزائر رحلة شاملة لاكتشاف حياة أشهر فراعنة العالم، المتحف المصرى الكبير ليس مجرد مبنى يضاف إلى خريطة العالم السياحية، لكنه صرح ثقافى حضارى يروى قصة حضارة شكلت ضمير الإنسانية وإنجاز يليق بعظمة مصر سيغير وجه السياحة والثقافة فى مصر والعالم، وأعظم هدية تقدمها مصر للإنسانية فى القرن الحالي. لعل افتتاح المتحف المصرى الكبير الجديد الذى يستحضر الماضى أمامنا وأمام كل دول العالم أن يكون باعثا لنا على إعادة تنظيم أنفسنا واللحاق بزماننا لعله يكون بداية جديدة تنقذنا وتدفعنا إلى مزيد من العمل والجد والإخلاص لمصر وتعيد لنا مجدنا الغابر. كل التحية والتقدير لكل من ساهم وشارك فى إقامة هذا الصرح والإنجاز التاريخى الإنسانى وكل من مد يد العون وأزال العقبات وقدم التيسيرات حتى وصلنا إلى تحقيق الحلم الكبير.