في عام 1902، وُلد صرح حضاري جديد على ضفاف نهر النيل في قلب القاهرة، ليصبح شاهدًا خالدًا على تاريخ مصر الممتد لآلاف السنين. إنه "المتحف المصري"، الذي فتح أبوابه في ميدان التحرير ليضم بين جدرانه أعظم كنوز الحضارة الفرعونية، وليكون أول متحف وطني في العالم مخصص بالكامل لحضارة واحدة. اقرأ أيضا | صور| اللمسات النهائية لمعرض المتحف المصري الكبير ببرلين قبل افتتاحه غداً ومنذ لحظة افتتاحه، زُينت قاعة مدخله وأتريومه بتماثيل ضخمة لملوك الفراعنة، في مشهد لا يزال يثير الدهشة ويُلهم الأجيال. - بداية متحف لا يشبه سواه بُني المتحف المصري على يد المعماري الفرنسي "مارسيل دورغنون" بأسلوب معماري كلاسيكي مهيب، يجمع بين البساطة والتأثير. وافتُتح رسميًا في عام 1902، ليكون بمثابة بيت دائم للآثار المصرية التي كانت متناثرة في مخازن، أو معرّضة للنهب في العراء. أصبحت قاعة المدخل الكبرى، منذ اللحظة الأولى، واجهة الحضارة أمام العالم، حيث احتضنت التماثيل الضخمة التي تجسد عظمة ملوك وملكات مصر القديمة، مثل رمسيس الثاني وسنوسرت الأول. هذا الفضاء الواسع كان وما يزال أول ما يراه الزائر عند دخوله، فيشعر بأنه أمام ملوك لا تُمحى آثارهم. - الأتريوم... قلب المتحف النابض الأتريوم، أو البهو الرئيسي، كان تحفة في حد ذاته. بنوافذه العالية وقبابه المصممة بعناية، سمح بدخول الضوء الطبيعي الذي ينساب على التماثيل العملاقة ليُبرز ملامحها الدقيقة وظلالها العميقة. في هذا المكان، تمتزج رهبة التاريخ بجمال الفن، ويشعر الزائر أنه دخل عالماً من الأسرار الملكية والروعة المعمارية. ولعل أعظم ما يميز الأتريوم، هو ذلك الإحساس بالوقوف وجهاً لوجه مع الزمن. تماثيل من الجرانيت والبازلت والحجر الرملي، شُيّدت منذ آلاف السنين، تقف شامخة بلا كلمات، لكنها تقول كل شيء عن القوة، والإيمان، والفن، والهوية المصرية الخالدة. - المتحف بين الماضي والحاضر على مر العقود، شهد المتحف المصري أحداثًا محورية في تاريخ مصر. من الاحتلال البريطاني، إلى ثورة 1919، إلى مظاهرات ميدان التحرير، ظل المتحف شامخًا، وكأنه حارس للذاكرة الوطنية. كما شهد عمليات تطوير محدودة، دون المساس بروحه الأصلية، إلى أن تم افتتاح المتحف المصري الكبير بالجيزة، ليُخفف عبء الكنوز الهائل عنه، ولكن دون أن ينتقص من هيبته التاريخية. ورغم نقل العديد من القطع الأثرية إلى متاحف أخرى، فإن المتحف المصري ظل يحتفظ برونقه، واحتفظت قاعة مدخله وأتريومه بجمالها الساحر، كما لو كانت بوابة عبور إلى مملكة الأسرار. - إرث لا يُنسى اليوم، عندما تنظر إلى صورة نادرة للمتحف في عام 1902، وتحديدًا لقاعة مدخله المهيبة، ترى كيف حافظت هذه المؤسسة العريقة على طابعها وهيبتها رغم تغير الأزمنة. إن التماثيل الضخمة التي استُقبل بها الزائر منذ أكثر من قرن لا تزال تقف في مكانها، مذكرّة كل من يمر بها بأن الحضارة لا تموت، وأن المصريين قد كتبوا على جدران التاريخ قصتهم بحروف من نور وحجر.