دون شك أصبحنا نحيا مع الصراعات المسلحة نوعا من الحروب يمكننا تسميته حروب القوى الناعمة، فعلى مدار خمس سنوات هزت أمريكا ثلاث حوادث اغتيال بدأت عام 1963باغتيال الرئيس جون كينيدى، وبعده بعامين كان اغتيال الزعيم الأسود الشهير مالكوم إكس عام 1965، ليعقبه عام 1968 اغتيال الزعيم التاريخى لحركة الحقوق المدنية وداعية حقوق الإنسان مارتن لوثر كنج. وفى نفس العام 1968 كان تشكيل لجنة أمريكية لبحث أسباب العنف والوقاية منه وعلاقة التليفزيون بذلك مع شيوع الأعمال الدرامية العنيفة وأفلام الكاوبوى وأفلام الإثارة المليئة بالجريمة والدم. وقاد عالم الاجتماع جورج جيربنر مجموعة من الباحثين وتوصل فى النهاية إلى أن تكرار تعرض المشاهدين بكثافة لمشاهد ورسائل ومضامين إعلامية مختلفة عن الواقع الاجتماعى من خلال وسائل الإعلام عامة والتليفزيون خاصة يؤدى فى النهاية إلى إدراك الجمهور لهذا الواقع المحرف على أنه الواقع الحقيقى، وهو وما تعارف عليه علماء الاجتماع بنظرية «الغرس الثقافى». وهو ما يجرى عليه إعلام وفنون القوى الكبرى الموجهة لمن يريدون السيطرة عليه. نعم لم تعد الحروب العصرية تعتمد فقط على الجيوش والأسلحة والتدمير المادى للبيوت والأخضر واليابس؛ لكنها صارت أولا وقبل كل شيء تعتمد على القدرة عن بعد على تدمير الإنسان من الداخل عقلا ووعيا ووجدانا، وقطع صلته بهويته وماضيه وربطها بواقع مصنوع مزيف، بغرض استمرار إحكام سيطرتها على مقدرات وقدرات مستعمراتها السابقة، فلا تترك لها الفرصة لاستعادة مجد قديم ولا الاستفادة من مواردها البشرية والطبيعية ولا ثرواتها التعدينية ومواقعها الجغرافية، ويكون شباب تلك الدول وصغارها هم هدف القصف عن بعد. ويبقى الصراع المسلح ضرورة للأهداف الكبيرة، وهو ما يستدعى انتباهنا واستمرار توعية الشباب والصغار بما يدور حولهم.