◄ عندما تنتشر الشائعات يبرز دور الإعلام في مكافحتها ◄ توفير معلومات صحيحة من الجهات الرسمية يقلل تأثير الشائعة الكلمة نار ونور، قد تسهم في البناء والتقدم، وقد تكون معولا للهدم، لذلك كانت «أمانة الكلمة» وستظل طوقا معلقا في أعناق الشرفاء يزينها، هذه الأمانة تسيطر على عقولهم، لأنهم يعرفون مقدار «الكلمة» ودورها في البناء، أو خطرها فى الهدم. الكلمة وأمانتها ودورها فى البناء أو الهدم نالت جزءا مهما من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الندوة التثقيفية الثانية والأربعين التى نظمتها القوات المسلحة المصرية بمناسة الاحتفال بالذكرى الثانية والخمسين لانتصارات السادس من أكتوبر 1973، فقد أكد الرئيس أن مصر مرت بظروف صعبة خلال العامين الماضيين، مشددًا على أهمية دور الإعلام والفن فى توعية الرأى العام، ونشر الحقائق، وصون الدولة من حملات التضليل. والحقيقة أن كلمات الرئيس أصابت كبد الحقيقة. فهناك أوطان صمدت بسبب أمانة الكلمة والوعى، وأوطان سقطت بسبب خيانة الكلمة وغياب الوعى، والأمثلة كثيرة على كلٍ منهما، وعندما نعود للتاريخ سنتعرف على بعض الوقائع التى كان للكلمة والشائعات دور كبير فى إشعال النيران ببعض الدول، فى محاولة لهدمها. ففى 17 فبراير 1917 حدثت ثورة فى روسيا نتيجة لانتشار شائعات تخص زيادة أزمة الخبز ونقص الغذاء وفساد السلطات، لتنطلق احتجاجات كبيرة تحوّلت سريعًا إلى إضرابات واسعة واحتجاجات شعبية، وحدثت حالات تمرد فى صفوف الحرس والجنود؛ وانتهى ذلك بتنحّى القيصر وإنهاء النظام القيصرى. واندلعت فى ديسمبر 1989 الاحتجاجات فى تيميشوارا ثم انتشرت إلى بوخارست «عاصمة رومانيا»، وخلال أيام انتشرت شائعات عن تحركات عسكرية، وعن مؤامرات داخل الحزب، وعن تدخلات أجنبية أو انشقاقات داخل الصفوف الأمنية، وساهمت هذه الشائعات - إلى جانب الأحداث العنيفة الحقيقية - فى إضعاف قدرة النظام على المناورة وإحداث شرخ بين القيادة والأجهزة الأمنية، مما سهّل سقوط الرئيس تشاوشيسكو واندلاع انقلاب شعبى عسكرى سريع. وفى بلدنا الحبيب مصر تم استغلال حادث وفاة خالد سعيد ليكون شرارة لثورة 25 يناير 2011، حيث تم نشر فيديو وصور ومعلومات متداولة على الإنترنت ومواقع التواصل جعلت الحادثة رمزًا لغضب شعبى كبير، حيث تم استغلالها من جهات خارجية من أجل تدمير مصر، عبر صفحات وحملات إلكترونية مثل صفحة «كلنا خالد سعيد»، مما أدى إلى تجمهر المواطنين بعد إطلاق دعوات الاحتجاج، بالإضافة لإطلاق شائعات ومعلومات متضاربة خلال الأيام الأولى، مما زاد من سخط الشارع وسرعة التجمُّع، وهو ما أدى لإسقاط حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتنحِّيه عن الحكم. لتمر مصر بعدها بسنوات صعبة، سواء بوصول جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية للحكم، ومحاولتهم السيطرة على جميع مفاصل الدولة، وتدهور الاقتصاد، وتوقف حركة السياح، وتدهور عمليات الإنتاج ، والانفلات الأمنى، وانهيار الاحتياطى النقدى الأجنبى، وارتفاع ديون الدولة داخليا وخارجيا، ويُمنى الاقتصاد المصرى بخسائر بمئات الملايين من الدولارات، ومازال الاقتصاد المصرى يعانى من تداعياتها حتى الآن. ومنذ عام 2013 تواصل جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية إطلاق الشائعات بهدف إسقاط الدولة، وضرب الاقتصاد المصرى، بهدف زعزعة ثقة المواطنين بل والأجانب فى الاقتصاد المصرى، فقد أطلقوا شائعات متكررة تتعلق بسعر صرف العملات الأجنبية، أو تدهور احتياطى النقد الأجنبى، أو قرارات اقتصادية مهمة، والهدف كما قلنا زعزعة ثقة المواطنين فى الاقتصاد، مما يدفع البعض إلى اكتناز الدولار أو الذهب خوفًا من انهيار الجنيه، بخلاف شائعاتهم المستمرة عن خفض جديد للجنيه أو نقص احتياطيات العملات الأجنبية، ما يتسبب فى خلق مضاربات غير واقعية فى السوق، وبالتالى ارتفاع سعر الصرف فى السوق الموازية، وما يتبعة من زيادة فى تكلفة الاستيراد، التى يترتب عليها ارتفاع مستمر فى الأسعار. كما أطلقوا شائعات عن تأميم شركات أو مشاريع أو فرض ضرائب جديدة أوحدوث أزمة سيولة، بهدف تجميد أو سحب الاستثمارات، خاصة أن المستثمرين، سواء مصريين أو أجانب، يأخذون قرار الاستثمار بناء على استقرار الظروف الاقتصادية والأمنية. وقد تضمن تقرير المركز الإعلامى لمجلس الوزراء السنوى «جهود مواجهة الشائعات على مدار عام 2024» أن أكثر الشائعات التى تعرضت لها مصر خلال العام كانت من نصيب قطاعى الاقتصاد والصحة الأكثر استهدافًا. ورصد التقرير نسبة الشائعات المتعلقة بالتداعيات السلبية للأزمات العالمية من إجمالى الشائعات كل عام، حيث جاءت النسبة الأعلى عام 2024 مسجلة 54٪، و53.8٪ فى عام 2023، و46٪ فى عام 2022، و18.3٪ فى عام 2021، و51.8٪ فى عام 2020. أما عن نسبة الشائعات المتعلقة بالجهود التنموية من إجمالى الشائعات كل عام، فقد ذكر التقرير أنها سجلت 32.5٪ عام 2024، و28٪ عام 2023، و25.6٪ عام 2022، و20.3٪ عام 2021، و14.5٪ عام 2020. وكشف التقرير عن أخطر الشائعات، التى شملت رصد حالات إصابة بسلالات جديدة من إنفلونزا الخنازير داخل مصر، وتداول منشور منسوب لوزارة الصحة يحذر المواطنين من ظهور متحور جديد لفيروس كورونا مميت وشديد الخطورة ويصعب اكتشاف أعراضه، بالإضافة إلى شائعة إصدار قرار بإغلاق المجال الجوى المصرى بشكل طارئ. كما تم تداول منشورات تزعم انتشار عصابات لتجارة الأعضاء تضم من بين أعضائها أطباء تقوم باستدراج الأطفال واختطافهم لبيع أعضائهم بعدد من محافظات الجمهورية، كما تم تداول مقطع صوتى يزعم اعتزام الحكومة بيع قناة السويس مقابل تريليون دولار، بالإضافة إلى تسرب فيروس تنفسى جديد إلى مصر عبر الوافدين من الخارج. كما استهدفت الشائعات خلال عام 2024 جهود الدولة التنموية، حيث روّجت أن مشروع تنمية مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالى بيع لأصول الدولة، علاوة على اعتزام الحكومة بيع المطارات المصرية لجهات أجنبية، فضلًا عن قيام صندوق النقد الدولى بإلغاء مناقشة الملف الخاص بمصر. كما تضمن العام 2024 شائعة اعتزام الحكومة بيع المستشفيات الحكومية، ووقف كافة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين بموجب قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، بالإضافة إلى شائعة انسحاب شركة سيمنز للطاقة من تشغيل أكبر محطتين للكهرباء فى مصر نتيجة تأخر مستحقاتها المالية. عندما تنتشر الشائعات يبرز دور الإعلام فى مكافحتها ودحضها، وتوعية الشعب، والمساهمة فى تشكيل وعيه، وتحصينه ضد المعلومات المغلوطة والمغرضة، ولكن ذلك يتطلب توفير معلومات صحيحة ودقيقة من الجهات الرسمية بسرعة للتقليل من تأثير الشائعة، كما يمكن للإعلام تثقيف المواطنين ورفع وعيهم فيما يخص القضايا الاقتصادية.