تُقدّر مصادر أمنية إسرائيلية أن حماس تسعى لإثبات قيادتها واستعادة سيطرتها على قطاع غزة، بعد أن ضعفت قوتها العسكرية فى الأحاديث الجانبية بعد اتفاق شرم الشيخ لوقف القتال فى غزة، فرض نفسه جدل حول منهجية حركة حماس فى التخلص من الخونة والعملاء الذين تعاونوا مع الاحتلال الإسرائيلى أثناء الحرب. ولا سيما بعد أن أولت إسرائيل ظهرها لبعض المتعاونين معها، ولم تقدم لهم الحماية التى انتظروها منها، وكأنها ألقت بهم كالرمم فى البيداء، أو أنها سلمتهم تسليم أهالى لحماس. وقبل يومين فقط من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وقع أكبر اشتباك حتى الآن بين حماس ومسلحين من عشيرة المجايدة فى خان يونس جنوب قطاع غزة. ومع انتهاء الحرب، خاضت حماس المزيد من الاشتباكات العنيفة مع عشيرة دغمش جنوب مدينة غزة، وواصلت مطاردة الجماعات المسلحة التى تعمل بحماية إسرائيلية. أثار الموقف الإسرائيلى بالتخلى عن المتعاونين شماتة البعض ودهشة البعض الآخر. إلا أن الدهشة لم تكن مبررة، ولا سيما أن إسرائيل هى التى قامت كعادتها بفضح المتعاونين معها وإعلان سعيها بعد السابع من أكتوبر لتجنيد بعض عائلات غزة وعشائرها الإجرامية لتقويض حكم حماس فى القطاع. وقبل أكثر من شهر كشف رئيس «حزب إسرائيل بيتنا» أفيجدور ليبرمان مثلًا عن حقيقة تسليح إسرائيل لميليشيا أبو شباب، وبعد النشر، لم يكن أمام الرقيب على الإعلام العبرى خيار سوى السماح بنشر بعض التفاصيل. وعلق رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لاحقًا على هذا الأمر، مُعلنًا أن هذه الخطوة جاءت بناءً على نصيحة مسئولين أمنيين. وتساءل نتانياهو: «ما العيب فى ذلك؟ إنه أمرٌ جيدٌ، إنه يُنقذ أرواح جنود الجيش الإسرائيلى فحسب». تُقدّر مصادر أمنية إسرائيلية أن حماس تسعى لإثبات قيادتها واستعادة سيطرتها على قطاع غزة، بعد أن ضعفت قوتها العسكرية بشكل ملحوظ خلال الحرب ضد إسرائيل خلال العامين الماضيين. وحسب هذه المصادر، تعمل حركة حماس بالفعل على القضاء على مراكز القوة العشائرية التى تحدتها خلال القتال. وتتفق الدكتورة دينا ليسنانسكي، وهى باحثة بارزة فى شئون المنظمات الإسلامية المتطرفة فى مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، بالقول: «الآن ومع ضعف حماس، برزت فرصة جديدة، وكان أول من انضم إليها أعضاء من جماعة أبو شباب، الذين يرون أنفسهم قادرين على أن يصبحوا قوة محلية بديلة للحركة». كانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قد كشفت عن أن ميليشيا أبو شباب ليست مجرد قوة تعمل ضد حماس فى قطاع غزة، بل جماعة مسلحة لها سجل حافل بالنشاط الإرهابى ضد إسرائيل، وارتباطات بتنظيم داعش، وسجل إجرامي. كما كشفت عن السيرة الشخصية لياسر أبو شباب، وقالت إن أبو شباب هو ابن عائلة بدوية فقيرة فى شرق رفح، فى الثلاثينيات من عمره، أسس ما يسمى ب «القوات الشعبية» فى القطاع، وهو تاجر مخدرات سابق أطلق رجاله صواريخ على إسرائيل منذ سنوات، كما نهب مساعدات إنسانية كان من المفترض أن يحصل عليها سكان غزة، ونجا من محاولة اغتيال فى خان يونس. وتشير التقديرات إلى أن عصابة أبو الشباب متورطة بشكل رئيسى فى تجارة المخدرات. مؤخرًا احتجت السلطة الفلسطينية على مقتل بعض المنتمين اليها ضمن حملة حركة حماس لتصفية الحسابات مع المتعاونين مع الاحتلال. تكشف هذه الصراعات عن سلسلة من التصدعات العميقة فى بنية السلطة الداخلية فى القطاع. والخوف فعلًا هو أنه إذا استمر هذا التوجه وتصاعد، فقد يُشعل موجة من العنف العشائري، تتطور إلى اقتتال ممنهج فى جميع أنحاء غزة، بل وتتدهور إلى حرب أهلية شاملة. وهذا ما تأمله إسرائيل.