يتضمن الحديث عن الربيع الأمريكى مقارنة هزلية، بين ربيعين حلّا فى غير أوانهما. أحدهما هبط على شتاء منطقتنا قبل سنوات، وآخر تجدّد فى خريف الولاياتالمتحدة قبل ساعات. الفارق أن الأول عشناه على أرض الواقع وتداخلت معنا أحداثه ونتائجه، بينما نتابع الثانى عبر البث المباشر، وكأننا نشاهد أحد أفلام السينما دون أن نستطيع توقّع مشهد النهاية. فى الحالتين يظل الربيع فصلا تتلاعب به «خماسين» التحليلات المتضاربة. استعادة الماضى تستنزف طاقة الحنين، وتستهلك كثيرا من حبرٍ لم تعد الأوراق تتحمّله، لهذا أعتبر الحاضر أحلى، لأنه يمنح المستائين من انحيازات ترامب مساحة للأمل، فها هو يواجه ثورة وليدة، تمتد لأكثر من 2600 مدينة وبلدة كبرى، وتُجدّد تظاهرات يونيو الماضى، يقوم بها الخائفون على الديمقراطية الأمريكية، من ممارسات تهدّد بتحويل بلد الأحلام إلى «كمباوند» ضخم للكوابيس، يطرد المهاجرين والمعارضين وكل ثقلاء الظل. المشكلة أن قناعات ترامب الفردية تتحول إلى إجراءات واقعية، وتتسلل تدريجيا إلى أفراد معسكره، حتى أن المتحدثة باسم البيت الأبيض تُهين ببساطة صحفيا يساريا، سأل عمن اختار بودابست لاستضافة قمة الرئيسين الأمريكى والروسى. لم تكتف المتحدثة بالعبارة التى انتشرت عالميا: «أمك فعلت ذلك»، بل أخذت توبّخ الصحفى وتُشكك فى مهنيته! الاستعلاء سلوك بشرى، وكذلك التنمر، لكن منصات السياسة والدبلوماسية ظلت بعيدة عنهما ولو ظاهريا، أما الكواليس فتمتلئ بتجاوزات تنتظر تسريبات تفضحها، والجديد حاليا أن ممارسة الاستعلاء صارت علنية، مما دفع 200 منظمة أمريكية إلى أن تنتفض، وترفع فى مظاهراتها شعار «لا ملوك»، بعد أن رأت أن رئيس بلدها أصبح ملكيا أكثر من ملوك العصور الوسطى، بمواجهاته المتتابعة مع عدد من حكام الولايات ورؤساء المحاكم ووسائل الإعلام. بالتأكيد ما يحدث فى أمريكا شأن داخلى، لكن الدولة العظمى فرضتْ نفسها على الجميع منذ سنوات طويلة، واعتقدت أنها وصيّة على العالم وسلوكياته، وهكذا صار من حق كل أعضاء جمعية عمومية الكوكب أن يتابعوا ويُنظّروا، ويبتهجوا ولو من منطلق التشفّى المؤقت!