- دفن العملات في الأساسات لجلب الحظ.. والرصاص للحماية من الشر!! - عادة يونانية ومصرية قديمة تناقلت بين الأجيال - عرض المكتشفات في معرض خاص خلال الأسابيع المقبلة ..واستكمال أعمال الحفر في قلب الإسكندرية..حيث كانت تجرى أعمال حفائر على يد بعثة أثرية مصرية بحي وسط، كانت هناك مفاجأة مميزة تنتظر الجميع.. فالبعثة التي بدأت لاستكمال تراخيص البناء بدت على موعد مع كشف تاريخي جديد .. فتلك المدينة التي يمتزج أساسها بآثار الحضارات المختلطة وبصمات الجاليات مازالت تهمس بالكثير.. لتكشف هدية مخبأة داخل أحد أساسات الحجرية أسفل الأرض لمبنى قديم . ..فظهرت كبسولة رصاصية ضخمة مصمتة.. كخزانة زمنية صغيرة.. يندهش أعضاء البعثة للوهلة الأولى .. فتُفتح من أعلاها بعناية ليكشفوا سرها.. ليظهر بداخلها عملات نادرة من عصر الملكية.. فهذه كانت العادات القديمة التي توارثتها بعض الأجيال من مصر واليونان وغيرها من الدول..فهنا في الإسكندرية قد تتحول أعمال الحفر الروتينية إلى حكايات لا تنسى..فهي مدينة التاريخ. فالبعثة المتميزة التي أشرف عليها إبراهيم مصطفي إبراهيم مدير اثار حي وسط الإسكندرية برئاسة العربي إبراهيم ومشاركة مفتشا الآثار محمد علي صالح ومحمد عبد السلام عثرت داخل الكبسولة على ثلاث عشرة قطعة نقدية من فئات مختلفة تراوحت بين المليمات والعملات الذهبية من فئة 100 قرش ترجع إلى عهدي السلطان حسين كامل والملك فؤاد الأول من بينها ثلاث عملات ذهبية من فئات 20، 50، 100 قرش للملك فؤاد الأول، وهي من أندر الإصدارات في تاريخ المسكوكات المصرية الحديثة..ورغم هذا الاكتشاف الهام فمازالت البعثة تواصل عملها لتسجيل المزيد من الاكتشافات خلال الفتر المقبلة. وتاريخيا يكشف إبراهيم مصطفى مدير آثار حي وسط بالإسكندرية"لبوابة أخبار اليوم" أن عادة دفن العملات في أساسات البناء عند اليونانيين كانت وسيلة لاسترضاء الآلهة والأرواح الأرضية وضمان الحظ والازدهار وظل هذا الموروث يتطور عبر العصور حتى وصل إلى اليونان المعاصرة في شكل عادات شعبية. ويوضح مصطفى أن استخدام الرصاص في ودائع الأساس لم يكن مجرد اختيار مادي، بل كان يمثل رمز لعدة نقاط من بينها يرمز إلى الثبات ، وربط المبنى بالعالم السفلي ويُرضي الأرواح الكامنة في الأرض، كما كان يحمل بعدًا فلكيًا اسطوريًا بارتباطه بكوكب زحل إله الزمن والدوام بجانبه استخدامه كوعاء مانع وحامٍ لحفظ التمائم أو العملات أو النصوص. في المقابل فقد شهدت مصر القديمة عادة وضع تمائم أو أوانٍ صغيرة في أساسات المعابد والمنازل لضمان البركة والحماية بينما انتشر في العصور الوسطى في أوروبا دفن عملة أو ميدالية أو حتى عظام حيوانات صغيرة في الأساس لجلب الحظ أو حماية البناء.. كما ظهر في الشرق الإسلامي عادة دفن نقود فضية أو نحاسية مع حجر الأساس، كرمز للبركة والرزق وهي شبيهة بعادة ذبح الذبائح عند افتتاح المباني. أما في مصر الحديثة فعند وضع حجر الأساس لمبانٍ كبرى (مدارس، مستشفيات، مساجد)، فقد جرت العادة أن توضع عملة معدنية من عصر داخل صندوق معدني أو زجاجة، وتُدفن في الأساسات..وكانت هذه العادة شبه رسمية منذ عهد الخديوي إسماعيل وحتى عصر الملك فاروق، لإظهار تاريخ الافتتاح وربطه بالحقبة الزمنية..أما في بعض القرى والبيوت الشعبية، فالناس أحيانًا يلقون عملات صغيرة أو حبوب أو ملح في الأساس طلبًا للبركة والرزق. وقد وُجد خلال بعض الحفائر في القاهرةوالإسكندرية، على عملات عثمانية ومحلية مدفونة في أساسات مبانٍ سكنية من القرن 18–19 ويضيف أنه حتى اليوم، فإن بعض المهندسين أو العمال الشعبيين يضعون جنيهًا معدنيًا أو عملة صغيرة تحت أول حجر أساس للتفاؤل وجلب الحظ وتفسر ملكية الفيلا سر الكبسولة فهي مملوكة لعائلة سلفاغو، إحدى أبرز العائلات اليونانية التي لعبت دورًا محوريًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمدينة الإسكندرية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ويبدو أنها احتفظت بعادات بلدها القديم والتي سجلها المؤرخون كما أوضح الاستاذ محمد عبد البديع رئيس قطاع الآثار المصرية.. ولم تحوي الكبسولة الرصاصية فقط على العملات فقد كان بداخلها وثيقة مكتوبة باللغة اليونانية على الآلة الكاتبة، ملحقة بتوقيعات ودعوات بخط اليد. . وهي تسجّل أن وضع حجر الأساس للفيلا تم في الأول من مايو 1937، على يد قسطنطين م. سلفاغو، بدعم من والدته جوليا ك. سلفاغو، وتحت إشراف المعماري الفرنسي جان والتر وهو مايكشف عن طقوس الجالية اليونانية في توثيق لحظات تأسيس منازلهم الكبرى وربطها بموروثهم الثقافي والديني وكما أوضح شريف فتحي وزير السياحة والآثار فإنه سوف يتم عرض العملات المكتشفة لاحقًا ضمن معرض خاص في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، ليكون شاهدًا حيًا على هذا الفصل الفريد من تاريخ المدينة. لافتًا إلى هذا الاكتشاف يظهر حرص وزارة السياحة والآثار والمجلس الأعلى للآثار على تسجيل وتوثيق كافة عناصر التراث المادي بمختلف فتراته، وإبراز إسهامات جميع مكونات المجتمع المصري تاريخيًا، بما فيها الجاليات التي أسهمت في تشكيل هوية الإسكندرية كمدينة كوزموبوليتانية.