■ بقلم: هويدا حافظ فلنحتفل بأكتوبر لا كذكرى مضت، ولكنها رسالة متجددة تقول للأجيال القادمة مادامت هناك إرادة وإخلاص سيبقى الأمل، وسيلوح النصر، وأننا قادرون على النهوض مهما سقطنا، وعلى الانتصار مهما كانت المعركة صعبة وطويلة، ولنرفع جميعا رايات أكتوبر. كلما أطل أكتوبر تهتز فى القلب أوتار الذاكرة، فهو شهر لا يمر عابرًا، بل يعود إلينا كضوء الفجر، يحمل فى طياته حكايات البطولة ممزوجة بعبق الانتصارات ورائحة العزة والكرامة.. هو الشهر الذى سطر فيه أبطالنا على ضفاف القناة ملحمة السادس من أكتوبر، فكتبوا من رمال الصحراء سطورا من المجد، وعبروا جدار المستحيل واستعادوا الأرض والحرية والكرامة، وحولوا الهزيمة إلى نصر خالد خلود التاريخ، يأتى أكتوبر ليذكرنا دائما أن النصر لم يكن مجرد معركة عسكرية، بل كان انتصارا للروح المصرية الكامنة فى كل منا، والتى لا تعرف اليأس أو الاستسلام، يذكرنا أكتوبر أيضا بأن النصر لا يأتى أبدا صدفة، بل هو ثمرة تخطيط وصبر وإصرار وعزيمة لا تلين أو تنكسر، ذلك الانتصار كان درسا للعالم كله بأن الإيمان بالوطن وعدالة القضية قوة تفوق أى عدو وأى سلاح، وبينما ترفرف رايات النصر فى سماء الوطن، تضىء رايات وردية فى العالم كله، تذكرنا بانتصارات أخرى لا تقل شرفا عن أى حرب على أرض المعركة.. انتصار الأمل على الألم.. والشفاء على المرض.. والحياة على الموت. في أكتوبر الوردي نضىء العالم بلون الأمل دعما لمحاربات سرطان الثدى، والذى أحمل وساما على صدرى أن جعلنى الله من بينهن، فنحن نخوض معركة من نوع آخر، نتخذ فيها من الإيمان سيفا ومن الصبر والشجاعة درعا. قد يبدو للوهلة الأولى أنه لا علاقة بين معركة أكتوبر والمعركة «الوردية»، لكن الحقيقة أن الرابط عميق جدا، فكلتاهما تحكى عن قوة الإنسان عندما يقرر أن ينتصر فى مواجهة الاحتلال الخبيث الذى يحتل الأرض ويستبيح العرض، كما يحتل السرطان خلايا الجسم ويستبيح الروح، فكما انتصر جنودنا على العدو فى معركة الوطن، ننتصر نحن أيضا فى معركة البقاء، على هذا الخبيث الذى يتسلل مثل العدو، لنتذكر أن الجسد قد يضعف أحيانا، ولكن الروح لا تهزم أبدا، وهكذا أصبح أكتوبر رمزا لكل الانتصارات.. انتصار الأرض.. وانتصار الحياة، ليؤكد لنا أن كل هزيمة ليست نهاية الحكاية، وان النصر الحقيقى فى المعارك لا يقاس فقط بما نستعيده من أرض، بل بما نستعيده من أمل.. فمصر التى عبرت القناة، لا تزال تعبر كل يوم أزمات الحياة بنفس الروح.. روح الصبر والنصر، والأمل والعمل. صار أكتوبر يجمع بين انتصار الوطن وانتصار الجسد والروح.. صار رمزا لكل من يرفض الهزيمة مهما كانت المعركة صعبة، والعدو غاشما، فكل امرأة تواجه المرض هى جندى من جنود الحياة، وكل ناجية ترفع رايتها الوردية هى قصة نصر جديدة تخبرنا أن الحياة تستحق القتال، وأن القوة تكمن فى قلب ناعم، ولكنه صلب كالصخر فى مواجهة أى ظروف، و أن خيوط الفجر تلوح من قلب الظلام، وأن الورود تزهر فى أقسى الفصول، وكأن قدر هذا الشهر أن يكون شاهدا على انتصارات العزة فى كل زمان ومكان، فهناك فى شوارع وأزقة غزة الجريحة الصامدة، يعبر أهلها أنهار النار والحصار نحو الأمل، مسلحين بالإيمان والصبر.. ونساء غزة يشبهن محاربات السرطان، فهن يقاومن المحتل الخبيث بالأمل رغم الدمار، كما أن أطفال غزة ورود تزهر بأحلامهم الوردية الصغيرة، على جدران الألم واليأس. فالنصر له وجوه كثيرة، وجه جندى يحمل السلاح، ووجه امرأة بشَعر متساقط وعينين لامعتين بالأمل، ووجه طفل فى غزة يبتسم رغم الدمار، هؤلاء جميعًا ينسجون خريطة إنسانية واحدة، خريطةٌ اسمها «الصمود». وهكذا.. من ملحمة أكتوبر، تلك المعجزة العسكرية المصرية،إلى الانتصارات الوردية، إلى أزقة غزة وشوارعها، تمتد خيوط من ضوء لا ينقطع، خيط اسمه الإيمان وخيط آخر اسمه الكرامة، وثالث اسمه الأمل.. الأبطال مختلفون والمواقف تتغير، لكن الجوهر واحد، هو الإنسان حين يقرر ألا يهزم . كل هذا يؤكد لنا أن الانتصار ليس حدثا فى كتب التاريخ فقط، بل هو شعلة تنير الطريق بسطور من نور للأجيال القادمة، وتقول إن الايمان بالحياة أقوى من الموت، وإن القوة ليست غياب الخوف بل القدرة على تجاوزه بشجاعة، وإن الشجاعة ليست إنكارا للضعف،بل السير بثبات رغم وجوده، وإنه كلما اشتدت المعركة، فهناك دائما ضوء فى نهاية النفق. سيظل أكتوبر شهرا لا يشبه سائر شهور العام.. فكل يوم فيه يحكى قصة صمود وانتصار.. فيه نحتفل بانتصارات الوطن التى تتوالى عاما بعد عام فى كل المجالات ، وفيه نتعلم أن العبور يتكرر فى كل تحد نخوضه، وفى كل نجاح نحققه. فلنحتفل بأكتوبر لا كذكرى مضت، ولكنها رسالة متجددة تقول للأجيال القادمة مادامت هناك إرادة وإخلاص سيبقى الأمل، وسيلوح النصر، وأننا قادرون على النهوض مهما سقطنا، وعلى الانتصار مهما كانت المعركة صعبة وطويلة، ولنرفع جميعا رايات اكتوبر.. رايتنا المصرية الخفاقة فخرا بالنصر فى كل مجال، وراية صمود الشعب الفلسطينى والدور المصري في قمة شرم الشيخ لإنقاذ أهل غزة من حرب الإبادة، وكذلك الراية الوردية التى ترفعها نساء مصر والعالم حبا للحياة. وأخيرا تبقى كلمة شكر وتقدير مستحق للزميل الفاضل الكاتب الصحفي أحمد هاشم رئيس تحرير آخر ساعة، على دعوته الكريمة لمشاركتكم هذه السطور على صفحات المجلة العريقة، بعد أن حمل الراية من زوجي العزيز الكاتب الصحفي عصام السباعي رئيس تحرير المجلة السابق، وهو بالمناسبة من مواليد عشية النصر، لتستمر راياتنا كلها عالية خفاقة، جيلا بعد جيل.. ومن نصر لنصر.. تحيا مصر.