في العادة، لا تُحل الجرائم من خلال كوابيس أو منشورات عبر الفيس بوك مجهولة المصدر، لكن حكاية «سامح» السائق البسيط، كتبت فصلًا جديدًا في دفتر العجائب.. رجل غادر بيته في صباح عادي للعمل، لكنه لم يعد واختفى وكأن الأرض انشقت وابتلعته.. بعد شهور من اختفائه، لم يكن أحد يتوقع أن كابوسًا قدّ مضجع أحد المتهمين، ثم منشور غامض على حساب وهمي عبر الفيس بوك، سيكونان الخيط الذي قاد العائلة ورجال المباحث لكشف تفاصيل جريمة بشعة راح ضحيتها سامح بعدما قتله سبعة متهمين ومثلوا بجثته.. ولأن الأجهزة الأمنية لا تتجاهل المنشورات على الفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي بل تهتم بكل تفصيلة قد تؤدي إلى كشف جرائم غامضة وتعيد الحق المسلوب لأصحابه؛ تعاملت مع هذا المنشور بجدية لتتوالى بعدها المفاجآت، وللقصة تفاصيل مثيرة ومأساوية. سامح واحد من هؤلاء الذين يعملون في صمت، رجل في الأربعينيات من عمره، عرفه جيرانه بالجدية والكفاح، يخرج فجرًا ويعود متأخرًا، عمله في مجال النقل جعله يحمل على كتفيه مسئوليات ثقيلة، ليس فقط في شحن البضائع، بل في حمل الأمانة التي يودعها أصحاب العمل بين يديه.. سامح لم يكن رجلًا استثنائيًا في المظاهر، لكنه كان استثنائيًا في صبره وقناعته، يعمل باليومية، لا يملك رأس مال ولا تجارة، بل يملك فقط سمعته وعرقه، في مدينة قباء، عرفه الناس ب»سامح الطيب»؛ ذلك اللقب الذي كان يصف أخلاقه وجدعنته. في أحد أيام شهر 12 سنة 2024، ذهب سامح ليسلم بضائع لأحد العملاء وتحصل منه على مبلغ 76 ألف جنيه لتسليمها لأصحاب العمل الذين يعمل لديهم سائق على سيارة نقل، وفي منتصف الطريق، اتصل سامح بأصحاب العمل بصوت مرتبك، يخبرهم أن سيدتين استوقفتاه، طلبتا الركوب معه، ثم سرقتا الأموال وهربتا.. رواية بدت غير مقنعة بالنسبة لهم.. الغضب والشك غلب على عقولهم، فقرروا أن يواجهوه بطريقتهم، فأخذوه إلى عقار تحت الإنشاء، وهناك بدأت رحلة العذاب؛ عُذب بلا رحمة، تحت وطأة الاتهامات، حتى وصل الأمر لإجباره على تناول حبوب منومة، جسده لم يحتمل، وسقط صريعًا بين أيديهم.. لحظة موت لم يكن يتخيلها السائق ابدًا: «خرج للعمل، ليعود جثة بلا روح». في محاولة لإخفاء فعلتهم، قرروا أن يدفنوا السر مع جثته، حفروا، وألقوا بجثمانه، ثم صبوا فوقه عمودًا خرسانيًا، اعتقدوا أن الخرسانة ستخفي الجريمة، وأن الأرض ستمتص الصرخة الأخيرة لسامح، لكن الحقيقة لا تموت، ولا توجد جريمة كاملة. أحد المتهمين، شاب لم يحتمل ثِقل الجريمة على ضميره، كل ليلة كان سامح يزوره في المنام: وجهه المرهق، نظراته المستغيثة، صوته وهو يردد «أنا مظلوم.. سيبوني حرام عليكم.. كفاية تعذيب».. الكوابيس تكررت حتى تحولت إلى لعنة.. النوم صار عذابًا، واليقظة أشد. لم يجد المتهم حلا سوى الهروب من القاهرة بأكملها، متجهًا نحو منطقة جبلية بعيدًا عن الأعين، لكن الهروب لم يمحُ الذنب. البوست الغامض! هناك، في عزلته، فتح المتهم هاتفه، وصنع حسابًا وهميًا على «الفيس بوك»، كتب تفاصيل الجريمة كما لو كان يفضفض مع مجهول، أو كأن روحه تريد أن تتطهر بالاعتراف.. الكلمات خرجت متقطعة، لكنها كافية لتشير إلى الكارثة: «شير في الخير، لكل من يهمه الأمر أنا صاحب محل أدوات منزلية بمدينة قباء، كان يعمل معي شاب في منتصف العمر بالأجر اليومي واسمه سامح الغلبان كان يساعدني على تخزين البضاعة بالمخازن ولم يكن يعمل معي فقط كان يعمل مع الكثير من التجار والأهالي بمدينة قباء واختفى منذ حوالي خمسة أشهر وفي هذه المدة كنت اسأل عليه باستمرار لكي اعرف أين هو ولماذا اختفى بهذه الصورة، منذ قليل تحدث معي بالهاتف شاب من عائلة، وصرح لي سبب اختفاء سامح الطيب كما يقول البعض حيث قال لي إن عائلة «...» ماضي هي المتسببة في اختفائه وسبب ذلك انه أخذ مبلغا من المال من زوجة المدعو «أ. م» ولم يرد المبلغ فضربوه بشدة و اختطف وعذب حتى الموت وأكد لي هذا الشاب أنهم قتلوه عمدًا مع سبق الإصرار والترصد وذكر لي هذا الشاب بعض الأسماء التي ساعدت المدعو «أ.م» وزوجته على قتل المجني عليه سامح»، ثم ذكر أسماء باقي المتهمين، الذين بمجرد رؤيتهم للمنشور علموا أن سرهم اتفضح، لم يجدوا حلًا سوى التخلص من الدليل النهائي: جثة سامح. لم يتوقفوا عند الدفن، بل أقدموا على أبشع خطوة؛ استخرجوا الجثمان، ومزقوه، ووضعوه داخل 3 أجولة وألقوا أشلاءه في الترعة.. مشهد أقسى من أن يُحتمل، لكنه لم ينجح في إخفاء الحقيقة. البلاغ ما بين آلاف المنشورات التي تعج بها مواقع التواصل، وقعت عينا هناء شقيقة سامح، على ذلك البوست.. قلبها ارتجف، شعرت أن الرسالة تخصها.. الكلمات بدت كأنها موجهة لها مباشرة.. لم تتردد، توجهت إلى قسم الشرطة وقدمت البلاغ، وهي تحمل بداخلها يقينًا أن روح أخيها هي من دفعتها لهذا الاكتشاف. من فورها تحركت الأجهزة الأمنية ونجحوا في إلقاء القبض على المتهمين الذين اعترفوا بتفاصيل جريمتهم، ومازالت النيابة تباشر تحقيقاتها... لكن الجرح الأكبر ما زال في قلب أسرة سامح؛ الذين كانوا ينتظرون عودته، يترقبون أي خبر عنه، حتى جاءهم الخبر كالصاعقة: أخوهم لم يعد فقط ميتًا، بل قُتل غدرًا، وعُذب بلا رحمة، وتقطعت جثته. تواصلنا مع شقيقة المجني عليه لتكشف لنا تفاصيل أكثر عن الجريمة، فقالت: «آخر مرة شوفته فيها كان في شهر 10 سنة 2024، وقالي أنه أخد شقة في «أبو زعبل» وهينقل فيها، وبعدها بحوالي شهرين كلمني كان بيقول لي إنه اتسرق منه فلوس الشغل، وأنه رايح يعمل محضر، ذهبت مسرعة للقسم ولكن هناك عرفت أنه محضرش، رحت للي كان شغال معاهم قالولي يمكن هرب بالفلوس، عمري ما اتخيلت يقتلوا أخويا». صمتت قليلا وكأنها تتذكر تفاصيل ذلك اليوم الذي عرفت فيه الحقيقة، ثم قالت بصوت حزين: «لما شفت البوست حسيت إن روحه بتكلمني.. جريت بلّغت، وكنت متأكدة إن الحق هيظهر، بس ماكنتش عارفة إني هدفن أشلاء من جسده.. قتلوه بسبب ظنون كاذبة وكل اللي انا منتظراه دلوقتي هو حق شقيقي حتى يرتاح قلبي». اقرأ أيضا: بسبب منشور على الفيس بوك.. جامعة المنصورة تحيل أستاذ الطب للتحقيق