محمد كمال لحن النصر هو اللحن الأعظم في تاريخ الأمم، الموسيقى التي تخرج من قلوب شجاعة وتصيغها أرواح باسلة ، نغمات يؤلفها المبدعون وهم يعيشون نشوة العبور والذكريات . وإذا كان الجنود المصريون قد عزفوا أنغام البطولة في ساحة المعركة، برع الموسيقيون المصريون في التعبير عن هذه الملاحم البطولية بألحان خالدة في موسيقى بطعم الانتصارات، لتتحول هذه الأعمال إلى رموز صوتية تعبّر عن هوية وطنية كاملة ستظل راسخة في الآذان على مدار العقود. نغمات شكّلت معاني ما حققه الجيش المصري في حرب أكتوبر الباسلة التي تمرّ هذا الأسبوع ذكراها ال53، وبعد مرور أكثر من نصف قرن ما زالت تلك النغمات تنغرس في وجدان المصريين، أعمال دوّنت التاريخ المصري العظيم ورسّخت معاني النصر، وشكّلت وعي الأمة المصرية، موسيقى نتعرف عليها منذ اللحظة الأولى، نحفظها عن ظهر قلب، ودائمًا نعيش معها أجواء العزة والفخر والكرامة. ومع استمرار احتفالات «أخبار النجوم» بذكرى حرب أكتوبر المجيدة، نرصد في هذا التقرير أبرز هذه النغمات الخالدة العالقة في الوجدان. عمار الشريعي.. انقلاب في الصناعة أكثر هذه النغمات شهرة كان تتر مسلسل "رأفت الهجان" بأجزائه الثلاثة، ذلك البطل الأشهر في تاريخ الجاسوسية، ليس فقط المصرية بل العالمية، الرجل المصري الذي عاش في إسرائيل لما يقرب من 22 عامًا، والذي اخترق المجتمع الإسرائيلي ووصل بعلاقاته إلى بن جوريون ووزير الدفاع وقتها موشيه ديان، إنه البطل "رفعت الجمال" الذي قُدّم في الدراما المصرية في مسلسل حمل اسم "رأفت الهجان"، قام ببطولته محمود عبد العزيز ويوسف شعبان ومحمد وفيق ونبيل الحلفاوي، ومن تأليف صالح مرسي وإخراج يحيى العلمي، وقدم الجزء الأول عام 1987. لحن الموسيقار الراحل عمار الشريعي في مسلسل "رأفت الهجان" الذي يُعتبر انقلابًا في صناعة الموسيقى، فالمعروف عن اللحن العادي القصير أنه لا يزيد عن ثلاث موازير، لكن لحن تتر رأفت الهجان ارتكز على 16 مازورة، تنقسم إلى جملتين موسيقيتين واضحتين تتكرران على مدار الحلقات مع تعديلات خفيفة في التوزيعات الموسيقية. بدأت الموسيقى الخاطفة بخط كمنجات "صولو" مصحوب بعد ذلك بالآلات النحاسية، وهذه الجملة الموسيقية هي التي تتكرر في اللحظات التي تتوتر فيها الأحداث، مع وجود جملة موسيقية أخرى على نفس اللحن في المشاهد الهادئة حيث الاعتماد على خط الكمنجات مع آلة القانون. قسّم الشريعي نفس الجملة اللحنية إلى شكلين موسيقيين آخرين خلال الحلقات، فعندما تدور الأحداث في مصر يكون المزج بين آلات العود والناي والقانون، أما المشاهد الخاصة بإسرائيل فالارتكاز يكون على آلتي الأورج والساكسفون. كما أعاد الشريعي برمجة آلة "الأورج" لتتمكن من عزف الربع نغمة بدقة، وهذه الخطوة التقنية سمحت له بمزج الآلات الغربية بالإحساس الشرقي دون أن يفقد أحد العنصرين خصائصه. موسيقى مسلسل "رأفت الهجان" تُعزف في العديد من الحفلات ودور الأوبرا على مستوى العالم، ومن أشهر الموسيقيين الذين قدموها كان الأمريكي ديفيد نيومان الذي قام بعزفها في أوبرا فيينا. وقدّم أيضًا عمار الشريعي ملحمة أخرى قبل "رأفت الهجان" بسبعة أعوام، عام 1980، وكانت الموسيقى التصويرية لمسلسل "دموع في عيون وقحة" مع نفس فريق العمل: المؤلف صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي. وتدور أحداث المسلسل حول شخصية البطل المصري أحمد عبد الرحمن الهوان الذي تم تجنيده من قبل المخابرات المصرية ليعمل جاسوسًا مزدوجًا ضد الموساد الإسرائيلي، وتم تغيير اسم البطل في المسلسل إلى جمعة الشوان، الذي قدم دوره عادل إمام. أما الموسيقى التصويرية للمسلسل لعمار الشريعي فقد ارتكزت في بدايتها أيضًا على خط الكمنجات مع جملة لحنية تتكرر على مدار اللحن، ثم في الجملة التالية المزج مع البركشن والطبول، وفي الفواصل طعّم الشريعي اللحن بالآلات النحاسية بتوظيف مختلف عن "رأفت الهجان". ياسر عبد الرحمن.. نصيب الأسد ويحمل الموسيقار ياسر عبد الرحمن نصيب الأسد من خلال تقديم الموسيقى التصويرية للأعمال الوطنية التي تحتفل بانتصارات أكتوبر أو حتى تقترب منها، حيث قدم خمسة أعمال دفعة واحدة. البداية كانت عام 1992 من خلال الفيلم التليفزيوني "حكايات الغريب" المأخوذ عن قصة جمال الغيطاني، وكتب له السيناريو والحوار محمد حلمي هلال، ومن إخراج إنعام محمد علي، وبطولة محمود الجندي وشريف منير ومحمد منير. وتدور أحداثه بين هزيمة 1967 وحرب أكتوبر 1973، حيث يشعر المواطن عبد الرحمن بروح من الانهزامية واليأس الناتج عن هزيمة وطنه أمام العدو، والتغيرات التي حدثت لجموع الشعب المصري بقرار العبور ومشاركة العديد من المواطنين لقواتهم المسلحة لمواجهة الاحتلال واسترداد الأرض والكرامة. وجنح ياسر عبد الرحمن في موسيقى الفيلم إلى الخلط بين الموسيقى الهادئة الخاصة بآثار الهزيمة والإحباط، حيث الآلات النحاسية والبيانو، وموسيقى أخرى أكثر ابتهاجًا للتعبير عن الأمل في خوض المعركة والحلم بالنصر من خلال المزج بين آلات العود والكمنجات والبركشن والرق. العمل الثاني لياسر عبد الرحمن كان فيلم "الطريق إلى إيلات" الذي أُنتج عام 1994، ويسرد إحدى بطولات البحرية المصرية وفريق الضفادع البشرية من خلال تفجير ميناء إيلات في إسرائيل بعد هزيمة 67، تلك العملية التي أعادت التوازن للجانب المصري بعض الشيء وفتحت الطريق أمام بسالة المصريين خلال حرب الاستنزاف. الفيلم من تأليف فايز غالي وإخراج إنعام محمد علي، وبطولة عزت العلايلي ونبيل الحلفاوي، واعتمد عبد الرحمن على الموسيقى الملحمية الأوبرالية ليضفي الشعور بالفخر والاعتزاز على البطولة المصرية في هذا العمل وفى الفواصل ارتكزت الموسيقى شكل أساسي على آلة الهارمونيكا. أما العمل الثالث فكان مسلسل "السقوط في بئر سبع" الذي أُنتج عام 1995، من تأليف عبد الرحمن فهمي وسامي غنيم، وإخراج نور الدمرداش، وبطولة سعيد صالح وإسعاد يونس وحنان ترك وخالد محمود وطارق الدسوقي، ويدور حول تجنيد مصري وزوجته للتجسس لصالح إسرائيل قبل أن تكشفهما المخابرات المصرية. ورابع أعمال ياسر عبد الرحمن كانت الموسيقى التصويرية لفيلم "أيام السادات" الذي قام ببطولته أحمد زكي، ومن تأليف أحمد بهجت وإخراج محمد خان وأُنتج عام 2001، ولم يكن الفيلم نفسه عن الحرب بل عن الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل الحرب. أما العمل الخامس لياسر عبد الرحمن فكان موسيقى فيلم "فخ الجواسيس" الذي أُنتج عام 1992، ومن بطولة محمود عبد العزيز وإخراج أشرف فهمي. عمر خيرت.. أعمال لا تنسى أما الموسيقار عمر خيرت فله أربعة أعمال أيضًا تتلامس مع نغمات أكتوبر، في مقدمتها موسيقى فيلم "إعدام ميت" من تأليف إبراهيم مسعود وإخراج علي عبد الخالق، وبطولة محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني وفريد شوقي، وأُنتج عام 1985، حيث يُحكم بالإعدام على جاسوس مصري من سيناء، ويتم تكليف ضابط مخابرات مصري بالذهاب إلى سيناء بدلًا منه للحصول على معلومات خاصة بمفاعل ديمونة وقدرة إسرائيل على صنع القنبلة النووية. ويستهل عمر خيرت موسيقاه بآلة الترومبيت الممزوجة بخط من الكمنجات والطبول، لكن البطل الأساسي للموسيقى كانت آلة البيانو. العمل الثاني لعمر خيرت هو مسلسل "العميل 1001" الذي جاء على النقيض من معظم الأعمال الموسيقية الوطنية، حيث البداية الهادئة من خلال الاعتماد على آلة البيانو وخط وتريات بسيط، قبل أن تتحول إلى موسيقى أقرب للمارشات العسكرية العالية والصاخبة. المسلسل أُنتج عام 2005، ومن تأليف الدكتور نبيل فاروق وإخراج شيرين عادل، وبطولة مصطفى شعبان ونور ونيللي كريم وطارق لطفي، ويحكي عن عمرو طلبة، جاسوس مصري استطاع أن يتغلغل في الجيش والمجتمع الإسرائيلي قبل أن ينفذ مهمته الأساسية من داخل حدود خط بارليف. العمل الثالث كان يتعلّق باستمرار الصراع المصري الإسرائيلي حتى اليوم، وكانت الموسيقى التصويرية لفيلم "ولاد العم" عام 2009، من بطولة كريم عبد العزيز ومنى زكي وشريف منير، ومن تأليف عمرو سمير عاطف وإخراج شريف عرفة. أما العمل الرابع، وهو آخر الأعمال السينمائية التي جسدت بطولات الشعب المصري في حرب أكتوبر، فكان فيلم "الممر" من تأليف وإخراج شريف عرفة وبطولة أحمد عز وأحمد رزق ومحمد فراج، وأُنتج عام 2019، وقدّم أيضًا خيرت الموسيقى الخاصة بالأغنية الدعائية للفيلم التي غناها محمد الشرنوبي، وكتب كلماتها الشاعر أمير طعيمة. عمر خورشيد.. العمر لحظة وقدّم الموسيقار عمر خورشيد أيضًا عملين لهما علاقة بانتصارات أكتوبر؛ الأول هو "العمر لحظة" عام 1978 من إخراج محمد راضي وبطولة ماجدة وأحمد مظهر، والثاني هو فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" الذي أُنتج عام 1974 وأخرجه حسن الدين مصطفى، وشارك في بطولته محمود ياسين وحسين فهمي ونجوى إبراهيم. واعتمد خورشيد في اللحنين على تقديم موسيقى مبهجة مرتكزة على الطبول والبركشن الإيقاعي، وكانت الآلة الرئيسية في العملين الجيتار الإلكتروني. وكان هناك أيضًا الموسيقار العراقي رعد خلف الذي قدّم عملين لهما علاقة بانتصارات أكتوبر؛ الأول الموسيقى التصويرية لمسلسل "حرب الجواسيس" الذي أُنتج عام 2009 وشارك في بطولته منة شلبي وشريف سلامة وهشام سليم، ويحكي عن الفتاة المصرية سامية فهمي التي يسعى الموساد لتجنيدها لكنها تقوم بإبلاغ المخابرات المصرية وتقرر التعاون معهم. المسلسل من تأليف صالح مرسي وكتب له السيناريو والحوار بشير الديك وإخراج نادر جلال. أما المسلسل الثاني الذي أُنتج عام 2011 وحمل اسم "عابد كرمان"، فهو أيضًا من تأليف بشير الديك وإخراج نادر جلال، وبطولة تيم حسن وريم البارودي، ويحكي عن عبد الحميد قرمان الذي يتعاون مع المخابرات المصرية كعميل داخل إسرائيل لمدة ثلاث سنوات، حتى أصبح صديقًا شخصيًا لوزير الدفاع وقت الحرب موشيه ديان. اقرأ أيضا: «هنا القاهرة».. كيف وثقت الإذاعة لحظة العبور العظيم؟