اختلف مع المقاومة الفلسطينية كما تشاء حملها مسئولية مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين ، قل أنها السبب في حجم دمار غير مسبوق شهده القطاع يحتاج إعماره وإعادة بنائه عقودا ولكن عليك أن تعترف في ذات الوقت أنها قامت منذ عامين في مثل هذا اليوم بعمل استثنائيً بكل المقاييس ساهم في تغيير شكل المنطقة بصورة جذرية فقد نالت قوات المقاومة وهي محدودة الإمكانيات والقدرات بهجومها علي مناطق غلاف غزة من نظرية الردع الإسرائيلي التي ينفذها واحد من أكبر الجيوش علي مستوي العالم حيث كشفت عن ثغرات مهمة في نظام (القبة الحديدية) التي تفتخر به اسرائيل ولعل ذلك كان وراء حالة عدم الاستقرار الداخلي الذي تعيشه اسرائيل وتوقعات ببدء الحساب مع اليوم التالي لوقف العدوان والتي قد تطيح برؤوس كبيرة علي المستوي السياسي والعسكري وتحميلهم مسئولية هذا الاخفاق الكبير ولعل المرشح الأول هو بنيامين نتانياهو بعد أن أثبتت التحقيقات الأولية فشلا ذريعا من كافة الأجهزة ولعل ذلك قد يفسر في بعض جوانبه حرصه علي استمرار العدوان هروبا من تلك المحاكمة والمساءلة لم يقتصر الأمر علي التأثيرات في الداخل الإسرائيلي بل امتد إلي المحيط الاقليمي والدولي حيث دخلت ساحات أخري إلي دائرة الصراع وامتدت المواجهات إلي دول مثل لبنان والعراق وحتي اليمن ووصلت الي مواجهة غير مسبوقة واستمرت 12 يوما بين ايران من جانب وكل من واشنطن وتل ابيب ناهيك عن اختلاف مواقف مجموعات دولية وازنة ،مثل المجموعة الأوروبية علي خلفية استمرار العدوان أكثر من عامين وتحوله إلي مخطط للابادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الانسانية من تبني كامل للرواية الاسرائيلية التي لم تنجح في الاستمرار فيها عن قتل أطفال وقطع رؤوس واغتصاب نساء إلي التفكير في فرض عقوبات اقتصادية وحصار سياسي وتظل القاهرة هي النقطة المضيئة في هذه الماساة والتي امتد دورها المحوري علي أكثر من صعيد مساعدات انسانية ودعم سياسي والأهم افشال مخطط التهجير وهذه محاولة للاقتراب من المشهد بعد عامين. لا تحتاج تل أبيب إلى لجنة تحقيقات لإثبات مدى فشلها فى 7 أكتوبر 2023، فقبل أن يضع عدوان ال600 يوم أوزاره فى قطاع غزة، طاردت لجان تحقيق (ثانوية) حكومة وأجهزة نتنياهو، ما اضطر رئيس الأركان إيال زامير إلى إرجاء «يوم الحساب»، بداعى التركيز فى القتال، والحيلولة دون التشويش على رءوس حربة العدوان. وبينما تحرر المسئولون من واقع مأزوم عبر فيض الاستقالات، كممت حكومة اليمين المتطرف كل صوت، يطالبها أو أيا من المحسوبين عليها فى الأجهزة الأمنية بتسديد فاتورة «السبت الأسود»، وفقًا للتعبير الشائع فى إسرائيل. وإلى جانب تقرير المراقب العام متنياهو أنجلمان، الذى أكد فشل الأجهزة الإسرائيلية، بما فى ذلك هيئة أركان الجيش فى تأمين جبهة إسرائيل الداخلية فى 7 أكتوبر 2023، أطل تقرير «لجنة ترجمان»، الذى وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بقنبلة موقوتة فى خزينة رئيس الأركان الإسرائيلي؛ فقرر الأخير تجميد التعاطى مع استنتاجات اللجنة، التى شكلها وكلفها بنفسه، للتحقيق فى إخفاقات أجهزة إسرائيل الأمنية. وبينما ألقت «ترجمان» أوجه القصور على المستوى السياسي، بالإضافة إلى قائد غرفة عمليات هيئة الاستخبارات العسكرية (أمان) شلومى بايندر، تدخلت فى نتائجها حسابات سياسية، ومورست ضغوط للتحرر من قيودها، وإلقاء المسئولية على الجيش الإسرائيلى بمفرده فى نهاية المطاف. ربما عكس هذا الواقع صراعًا مكتومًا بين المستوى السياسى من جهة، والمؤسستين العسكرية والأمنية من جهة أخرى، وحين اعترف رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) المقال رونين بار بإبلاغ مكتب نتنياهو بمؤشرات «حدث أمنى كبير» على خط التماس مع قطاع غزة، أنكر رئيس الوزراء الإسرائيلى التحذيرات؛ وبضغط من اليمين المتطرف، تمت إقالة رونين بار، وتعيين ديفيد زينى خلفًا له. رغم ذلك، أعلن بار تحمله جزءًا من المسئولية عن يوم 7 أكتوبر 2023، لكنه لم يعف فى الوقت نفسه بنيامين نتنياهو. وفى تقرير مطول، كتب يقول: «لو تصرفنا بشكل مختلف، لكنا تفادينا يوم 7 أكتوبر»، لكن قناة «أخبار 12»، العبرية فنَّدت تعميم بار مسئولية القصور، مشيرة إلى تفادى الأخير الاعتراف باعتماده على السياج الفاصل والجيش الإسرائيلى فى الدفاع عن مستوطنات غلاف قطاع غزة. اقرأ أيضًا | عامان على طوفان الأقصي |مصر.. حائط صد منيع أمام مخطط التهجير لكن رئيس جهاز الأمن العام السابق، ركز فى تقريره على مسئولية نتنياهو عن السماح بتمويل حماس على مدار عدة عقود، بالإضافة إلى إطلاق يد تيار ائتلافه المتطرف فى مداهمات المسجد الأقصى؛ علاوة على منح وزير الأمن القومى إيتمار بن جافير ضوءًا أخضر لانتهاك أبسط حقوق السجناء الفلسطينيين لدى إسرائيل، وآخرها فرض «عقاب تجويع» السجناء داخل السجون الإسرائيلية. ولا يمكن تجاهل تجميد نتنياهو عديد المبادرات السياسية والأمنية، التى كان يمكنها تسكين أو حتى إرجاء حالة الغضب لدى الفلسطينيين. وإلى جانب تقرير رئيس جهاز الأمن العام السابق، كشف تحقيق أجرته هيئة الاستخبارات العسكرية (أمان) عن إخفاقات شعبة الأبحاث التابعة للهيئة، وفشلها فى تحقيق مهمتها الأساسية، وهى التحذير من ترتيبات حماس فى قطاع غزة. وأزاح التحقيق الستار عن استمرار ثقافة «الشعور الزائف بأننا نعرف كل شيء»، والسعى وراء تبريرات تجافى المنطق مع كل إشارة مشبوهة، وهو ما أسفر عن فشل استخباراتى يتجاوز فشل الشعبة ذاتها فى حرب 6 أكتوبر 1973. وفى توضيح لفشل الشعبة الاستخباراتية، أفاد التحقيق بأنه كانت هناك عديد الشواهد، التى تثبت اعتزام حماس تنفيذ «حدث أمنى جلل» فى العمق الإسرائيلي؛ ولاح ذلك من وثائق جمعها جنود الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة خلال عملية عسكرية عام 2016؛ وشملت الوثائق ما يُعرف بخطة «جدار أريحا»، وهدفت إلى حشد 6 كتائب من عناصر حماس لغزو إسرائيل فى عملية نوعية تضاهى 7 أكتوبر 2023. حينها، أخفت شعبة الأبحاث الاستخباراتية الخطة، ولم تظهرها إلا بعد عامين (2018)، لاعتقادها بأن الفكرة غير واقعية، وتزيد كثيرًا عن قدرات حماس. وتوصل التحقيق إلى أن حدة خداع حماس الاستراتيجى زادت خلال العامين السابقين ليوم 7 أكتوبر، حيث اكتفت الحركة بجولات تصعيد مع إسرائيل، تاركة حركة الجهاد الإسلامى وحيدة فى المشهد. وساد الاعتقاد فى غزة حينئذ بأن مايو 2022 هو الوقت المناسب لإطلاق خطة الهجوم، ولذلك ينبغى على حماس المبادرة لتحقيق أحد الأهداف الثلاثة: تغيير ميزان الردع مع إسرائيل، أو تحرير الضفة الغربية، أو تدمير إسرائيل كدولة إذا انضم الحلفاء بقيادة حزب الله إلى الهجوم. وأظهر تحليل النتائج، فى إطار دراسة بحثية شاملة، أن ما يوصف فى إسرائيل بقانون «الإصلاحات القضائية»، والاحتجاجات التى أعقبت طرحه، لم يُشكّلا اعتبارًا لدى حماس فى تحديد ساعة صفر الغزو. وفى ليلة 6 إبريل 2023 (قبل 7 أكتوبر ب6 أشهر) أقام رئيس الأركان السابق هارتسى هاليفي، وخلد إلى النوم فى إحدى غرف موقع «كسوفيم»، وهى ذات الغرفة التى سقط فيها جنود الجيش الإسرائيلى فى 7 أكتوبر 2023! وأشار التحقيق أيضًا إلى تجاهل شعبة الأبحاث ما لا يقل عن 10 مؤشرات تحذيرية خلال العامين السابقين ل7 أكتوبر. على سبيل المثال، لم تتعاط الشعبة بإيجابية مع مؤشرات الهجوم، ولم ترصد على سبيل المثال، تأجيل حماس موعد الهجوم مرتين، رغم أن سبب التأجيل عاد إلى رغبة حماس فى تعزيز قدرات قوات «النهضة» التابعة للحركة فى اللحظة الأخيرة. أدركت حماس أنها جاهزة بنسبة 85% لعملية الغزو أواخر عام 2022 وطوال عام 2023، وأشارت الوثائق التى تم العثور عليها فى قطاع غزة إلى أن الحركة كانت تعتزم تنفيذ خطة «جدار أريحا» فى أكتوبر 2022، واعتبرت هذا التوقيت بمثابة «فرصة عظيمة»، إلا أن ذلك كان جزءًا من المناورة. ولتفعيل خداعها الاستراتيجى بشكل أكبر، جددت حماس احتجاجاتها على السياج. وقبل يوم من الاجتياح، خيم الصمت على الحدود، دون أى إخلال بالنظام، ولم تتوخ الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الحذر، ولم تدرك أن هذه الحالة غير مألوفة، حسب التحقيق. وخلص معطيات التحقيق إلى أن «جوهر فشل شعبة الأبحاث فى مهمتها المتمثلة فى التحذير من حرب استباقية، يكمن فى اتساع الفجوة بين فهم الواقع وما حدث بالفعل»، إذ لم تكن مسألة مفاجأة حماس عنصرًا فى معادلة حسابات شعبة الأبحاث، إلى جانب العوامل السياسية والعسكرية التى تسببت فى منظومة كاملة من المفاهيم الخاطئة. وتقاعست الشعبة الاستخباراتية عن مساعدة صناع القرار؛ ولم يكن ذلك، بحسب معدى نتائج التحقيقات، نتيجة «بجعة سوداء»، بل كان نتيجة حتمية للاستخفاف بقدرات حماس. ورغم أن نتائج التحقيق التى عرضتها الجهات المعنية فى إسرائيل على الصحفيين، ركزت فقط على فشل شعبة الأبحاث الاستخباراتية، لكنها تجاهلت فى المقابل فشل الوحدة 8200، المحصنة ضد النقد أو حتى المساءلة؛ فالوحدة المصنفة بين الوحدات الاستخباراتية الأكثر احترافًا وخبرة على مستوى العالم، فشلت حتى فى مراقبة الاتصالات الهاتفية والعمليات الإذاعية التى تتناقلها كوادر حماس فى قطاع غزة. وزاد عمى الوحدة ذاتها فى اليوم السابق للهجوم، واستمر حتى ليلة 7 أكتوبر 2023. تعد نتائج هذه اللجان ثانوية قياسًا بتشكيل لجنة رسمية، تضاهى فى هيكلها وتحقيقاتها «لجنة أجرانات»، التى حققت فى قصور إسرائيل العسكرى والأمنى خلال حرب أكتوبر 1973، ويعد تشكيل مثل هذه اللجنة «كابوس نتنياهو الأكبر»، وفقًا لتعبير صحيفة «يديعوت أحرونوت»، التى أشارت إلى أنه من المتوقع تشكيل اللجنة، والاستماع من خلالها إلى شهادات رؤساء سابقين لجهاز الأمن العام (الشاباك) مثل: نيدف أرجمان، ويوارم كوهين، ويوفال ديسكن، ومن المتوقع أن يقر هؤلاء بأن سياسة نتنياهو على مدار الحكومات التى تولى رئاستها، كانت سببًا مباشرًا فى الفشل والإخفاق أمام يوم 7 أكتوبر 2023.