نمط جديد من العنف السياسي وسلسلة من التحذيرات صارت تتعالى مؤخرا عبر كافة وسائل الاعلام الأمريكية، لم يعد الامر مجرد حوادث عارضة أو تحذيرات بوقوع سيناريوهات محتملة وإنما تحقق أخطر السيناريوهات بواقعة اغتيال السياسي الشهير شارلي كيرك أثناء إلقائه خطاب في الحرم الجامعي بولاية يوتا في 10 سبتمبر الماضي. مازالت أصداء الحادث مستمرة وسط تعزيز السلطات الأمريكية إجراءاتها الأمنية في أعقاب مقتل كيرك، وأصدرت شرطة نيويورك تقييمًا للتهديدات يحذر من احتمال تعرض قادة الأعمال والشخصيات السياسية وغيرهم من الشخصيات العامة لخطر متزايد بالاغتيال في الوقت الذي طلبت فيه إدارة ترامب من الكونجرس الاسبوع الماضي ما يقرب من 60 مليون دولار لتمويل إضافي لتأمين السلطتين التنفيذية والقضائية وسط تهديدات محتملة بتكرار حوادث الاغتيال. ثقافة الاغتيال يسلط الإعلام الأمريكي الضوء على تحذيرات السياسيين والخبراء الأمنيين والغريب في الامر أن شارلي كيرك نفسه اصدر منشورًا مطولا قبل أشهر من اغتياله وتحديدا في 7 ابريل الماضي، حذر فيه من انتشار «ثقافة الاغتيال بين جماعات اليسار»، واستشهد كيرك في تحذيره ببيانات استطلاع رأي لدراسة وطنية أجراها معهد أبحاث الشبكات (NCRI)، والتي وجدت أن 38% من المشاركين برروا إمكانية اغتيال الرئيس دونالد ترامب، و31% قالوا الشيء نفسه عن إيلون ماسك، وترتفع النسبة عند احتساب المشاركين ذوي الميول اليسارية فقط فمنهم 55% برروا إمكانية اغتيال ترامب و48% لإيلون ماسك، ويُفسر كيرك تلك النتائج كنتيجة طبيعية لثقافة الاحتجاج اليسارية والتي تتسامح مع ثقافة العنف والفوضى مؤكدا أن هناك مسئولين أسهموا في تحويل اليسار إلى قنابل موقوتة. اصدر شارلي كيرك منشوره الذي يحذر فيه من حوادث الاغتيال دون أن يعلم انه سيكون اشهر ضحايا تلك الحوادث حتى تلك اللحظة، فهو ناشط سياسي أمريكي جمهوري محافظ، ومؤسس منظمة «نقطة تحول امريكا» Turning Point USA، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تعزيز المبادئ المحافظة بين طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في الولاياتالمتحدة، ويشتهر بدعمه الكامل للرئيس السابق دونالد ترامب، وكان من أبرز الأصوات المحافظة الشابة خلال فترة حكم ترامب ومن اكثر منتقدي جماعات اليسار التابعة للحزب الديمقراطي. موجات عنف نعود إلى منشور كيرك الذي حذر فيه من خطر جماعات اليسار، استعان بنموذج لحادث اغتيال الرئيس التنفيذي لشركة الرعاية الصحية «يونايتد هيلثكير»، برايان تومسون والذي وقع في كاليفورنيا في ديسمبر 2024، وتحول فيها القاتل لويجي مانجيوني إلى بطل في نظر الكثيرين ممن دافعوا عنه لأنه ارتكب الحادث بدافع غضبه من قوانين الرعاية الصحية ومؤسسات التأمين الصحي التي ترفض منح العلاج والرعاية الصحية لمشتركيها. تحققت نبوءات كيرك بمخاطر جماعات اليسار المتطرفة بوقوع حادث اغتياله ليتبعه عاصفة من التحذيرات من تكرار حوادث الاغتيال السياسي وهو ما اكده جريج روجرز، احد خبراء مكتب التحقيقات الفيدرالي على مدار 30 عامًا وأستاذ العدالة الجنائية في جامعة يوتا، مؤكدا أن أهداف العنف السياسي ومرتكبيه لا تقتصر على السياسيين المعروفين على المستوى الوطني بعد مقتل شارلي كيرك في الحرم الجامعي، ولكن هناك موجة جديدة من العنف السياسي تستهدف بشكل متزايد المواطنين العاديين، وليس فقط الشخصيات السياسية، ويسرد جريج سلسلة حوادث العنف التي وقعت بداية هذا العام، واستهدفت ايلون ماسك ومالكي سيارات تيسلا ومعارضها ومحطات شحنها، والجمهوريين بشكل عام، وتسبب هذا الامر في إلغاء بعض المشرعين الجمهوريين إلى فعاليات عامة، ومنهم النائبة الجمهورية عن ولاية وايومنج، هارييت هاجمان، التي قررت إلغاء احدى مؤتمراتها بعد حادث لاحقها فيها أحد الحضور وهددها، وتسبب في مشاجرة مع موظفيها، مما استدعى تدخل الشرطة في النهاية وكذلك تعرض عدد من الناشطين لاعتداءات جسدية هذا العام واحدهم تعرض للكمة من قبل أحد الأشخاص أثناء مناقشة سياسية. اغتيالات الماضي يشير جريج روجرز، الذي قضى فترة خدمته كقناص في فرقة التدخل السريع التابعة للشرطة الفيدرالية إلى أن واقعة إطلاق النار في كنيسة مينيابوليس، وتصاعد الاحداث إلى حد إطلاق النار على تشارلي كيرك، تدخل ضمن وقائع الاغتيال أو القتل لأسباب سياسية واصبحت تحدث بوتيرة متزايدة مؤخرًا تعيد إلى الاذهان حوادث الاغتيالات السياسية من الماضي وحتى العصر الحديث، ومنها اغتيال جون كينيدي في دالاس، بتكساس، في نوفمبر 1963، وبعد خمس سنوات اغتيل شقيقه روبرت كينيدي، وكان مرشحًا رئاسيًا بارزا عندما أطلق عليه سرحان سرحان النار، وكذلك اغتيل الرئيس رونالد ريجان الذي قُتل بالرصاص، بالإضافة إلى المواطنين العاديين الذين يُمارسون حياتهم الشخصية، ويُقتلون بسبب آرائهم السياسية. جماعات يسارية وقع حادث اغتيال شارلي كيرك، 31 عاما، وهو اب لطفلين، أثناء فعالية في جامعة يوتا فالي واثناء اجابة كيرك، على أسئلة الحاضرين في حوالي الثانية عشر ظهرا فوجئ الجميع بإطلاق رصاصة قاتلة من مسافة بعيدة من مبنى قريب اخترقت عنقه، وقعت حالة من الصدمة والذعر بين الحضور، وتم نقل كيرك إلى المستشفى في حالة حرجة، وفي نفس اليوم أعلن وفاته. شنت السلطات الأمريكية سلسلة تحقيقات واعتقالات واسعة انتهت بالافراج عن معتقلين لعدم وجود صلة مباشرة لهم بالحادث، وفي مساء اليوم التالي تم تحديد السلاح المستخدم وإيجاد بعض الأدلة المادية «طلقات رصاص، بصمات، أدلة تصويرية» بالقرب من موقع الحادث، وبعد حوالي 33 ساعة من وقوع الحادث سلم الجاني تايلر روبنسون، 22 عاما، نفسه لشرطة مقاطعة واشنطن بولاية يوتا، وكشفت التقارير المزيد من المعلومات عن المتهم وهو متدرب كهربائي انفصل عن عائلته وأصبح أكثر ميلًا للسياسة على مدار العام الماضي واشارت والدته الى ميوله السياسية المتطرفة في الفترة الاخيرة وانتمائه لجماعات اليسار المتطرف. تهم فيدرالية يواجه روبنسون تهمًا تشمل القتل المشدد، الذي قد تصل عقوبته إلى الإعدام في ولاية يوتا، وقد يواجه أيضا اتهامات فيدرالية منها استخدام السلاح، عرقلة العدالة، والتأثير على الشهود، واعترف المتهم روبنسون بالجريمة في رسالة إلى صديقه المقرب وحاول تفسيرها ليتهم ضحيته السياسي كيرك ببث الكراهية قائلا « لقد سئمت من كراهيته، بعض الكراهية لا يمكن التغاضي عنها بالتفاوض». أصدر معهد أبحاث عدوى الشبكات ومختبر الإدراك الاجتماعي بجامعة روتجرز تقريرًا استخباراتيًا محذرًا من الحرائق المتعمدة التي استهدفت سيارات تسلا وفكرة «قتل المليارديرات والسياسيين التي أصبحت رمزًا للعنف السياسي لدى بعض الجماعات وخاصة بين أقصى اليسار، وحذر باحثون من أن العنف السياسي الذي يستهدف دونالد ترامب وابرز مؤيديه أصبح أمرًا طبيعيًا بشكل متزايد»، مشيرين إلى محاولة اغتيال ترامب خلال تجمع انتخابي العام الماضي، وأضاف: «بعد محاولة اغتيال الرئيس ترامب في 13 يوليو 2024، تضاعفت الدعوات للعنف السياسي، لاسيما بين شرائح المجتمع ذات التوجهات السياسية اليسارية»، وحذرت من أن المنصات عبر الإنترنت تساعد في نشر «الأفكار المتطرفة». اغتيال مشابه في أواخر الشهر الماضي وقبل اغتيال شارلي كيرك حذر المدعون الفيدراليون من أن المتهم لويجي مانجيوني بحادث اغتيال راح ضحيته الرئيس التنفيذي لشركة UnitedHealthcare «براين تومسون» في احد شوارع مدينة نيويورك قد يكون دافعًا لمزيد من عمليات القتل السياسية، وتعالت الأصوات حين أسقط القاضي تهمة الإرهاب الموجهة إلى لويجي مانجيوني، وفي نفس الوقت حذرت الشرطة قادة الأعمال من تزايد مخاطر الاغتيال، كما كتب المدعون الفيدراليون في مذكرة إلى المحكمة بتاريخ 27 أغسطس للتحذير من تلك الحوادث، في مسرح الجريمة ، عثرت الشرطة على أغلفة رصاصات كُتبت عليها كلمات تهديد وهو نفس الامر الذي حدث مع قاتل شارلي كيرك حيث كتب عبارات تهديد على اغلفة رصاصاته ليشير إلى ارتباط القتلة بنفس الافكار المتطرفة. منصات التطرف تحذير آخر اجتمع عليه عدد من الخبراء ممن وجهوا الانتباه نحو تطبيق التواصل للألعاب Discord، والذي يسمح بالدردشة النصية والصوتية والفيديو، واعترف عليه روبنسون بجريمته، ويحذر الخبراء من ازدهار جماعات التطرف عبر تطبيقات مثل ديسكورد. يشير العميل الفيدرالي روجرز، الذي قضى سنوات في العمل متخفيًا ومتسللا للجماعات المتطرفة والميليشيات، واشار إلى دور غرف تطبيقات الانترنت التي تحولت إلى غرف جذب الشباب للتطرف، قائلا «عملت على عدد من القضايا السرية، عندما كنت أختلط برجال الميليشيات وغيرهم من دعاة العنصرية وتفوق العرق الأبيض، تدخل إلى هذه المواقع او المنصات، وتقضي ساعات طويلة يوميا في التحدث مع أشخاص يشاركونك الرأي، ويصبح الأمر واقعًا حقيقيًا لتطبيق الارهاب والتطرف، يعتقدون أن افكارهم حقيقية ويصبح هذا واقعهم، وما يؤمنون به، ويطبقون افكارهم المتطرفة على ارض الواقع»، وبالفعل سار روبنسون قاتل شارلي كيرك على نفس السيناريو وهو ما دفع والدته للقلق بشأنه وشرح حالته للمحققين بعد ميله للمتطرفين اليساريين بشكل مخيف، ونصح العميل الفيدرالي روجرز الآباء يجب أن يراقبوا أنشطة الأبناء عبر الإنترنت لمواجهة تأثيرات غرف التطرف المحتملة. اقرأ أيضا: مقتل تشارلي كيرك.. يدق طبول الحرب الأهلية في أمريكا