في الصغر، كان يقال لنا أن الكذاب طريقه إلى النار، ومرت السنون وأدركنا أن الكذب آفة من آفات العصر، كم أهلك ضحايا، وكم أثر في بشر، كذبة واحدة كانت كفيلة لإغراق أمم في ويلات الحرب، وكذبة واحدة كانت كفيلة في إدخال أبرياء إلى السجن، وبالقياس على ذلك، سنجد العديد والعديد من الجرائم، والتي إن تغيرت مسمياتها، لكن العامل المشترك فيها هو الكذب، لذلك، سنحاول أن نتطرق إلى إشكالية الكذب في القانون المصري، كيف يتم التعامل معه وما هي تطبيقاته؟!، وهل تختلف توصيفاته باختلاف الوقائع؟!، كل هذه الأسئلة وأكثر سنحاول أن نجيب عنها مع أساتذة القانون الجنائي، في السطور التالية. كان السؤال الأهم الذي يلوح في الأفق، كيف يكون الكذب جريمة؟، وهل الكذب معناه فقط أن يأتي شخص ويدعي زورًا على آخر ما ليس فيه؟!، أم أن الكذب له تطبيقات مختلفة، ويختلف باختلافها، كل حسب وصف الواقعة ومسماها؟! تطبيقات الكذب في حديثه ل«أخبار الحوادث»، أوضح الدكتور أسامة حسنين عبيد، أستاذ القانون الجنائي وعضو لجنة قانون الإجراءات الجنائية:أن الكذب له العديد من التطبيقات التي يجرمها في قانون العقوبات المصري، وهنا يمكن تقسيم الكذب إلى ثلاث صور، سواءً كان الكذب عبارة عن قول، أو فعل، أو كتابة. وأشار أستاذ القانون الجنائي، إلى أن الجرائم التي تقوم على الكذب قولا، هي جريمة الحنث باليمين، أو جريمة الشهادة الزور، وهي جرائم يعاقب عليها القانون تحت وصف الجنحة، مضيفًا: "فمثلا، جريمة الشهادة الزور لو اقترنت بجريمة رشوة، فتصبح عقوبتها أشد، ويعاقب عليها بعقوبة جريمة الرشوة، وأن الشهادة الزور أحيانا، لو ترتب عليها توقيع عقوبة الإعدام، هنا تصبح عقوبتها مشددة، وتصل إلى المؤبد أو الإعدام، في حال نفذت العقوبة في الشخص الذي كانت ضده شهادة الزور". كذب الفعل والكتابة واستكمل عضو لجنة الإجراءات الجنائية، حديثه قائلا: "النقطة الثانية من تطبيقات الكذب، في القانون، هو الكذب في الفعل، وأهم تطبيقات الكذب هنا هي جريمة النصب؛ فجريمة النصب تقوم في الأساس على مظاهر خارجة عن القانون، وأفعال احتيالية، عبارة عن إيهام الضحية بوضع غير حقيقي، عن طريق سلوك معين، يخدع به الشخص شخصًا آخر، ويسلم له ماله، وبالتالي ليس من الضرورة أن يكون الكذب عبارة عن قول فقط، فالكذب أيضا عبارة عن أفعال، كأن يتخذ الشخص اسما كاذبًا أو صفة غير صحيحة، أو أظهر وسائل احتيالية معينة من شأنها أن يخدع بها طرفًا آخر، وتحت تأثيرها يقع هذا الطرف ضحية للنصب". واستطرد "د.عبيد" قائلا: "أيضا من تطبيقات الكذب في القانون هو الكذبة كتابةً، وأهم تطبيقاته تكمن في جريمة التزوير، لأنه كذب عن طريق الكتابة، أو كذب في المحررات، وهنا عبارة على تصوير واقعة على غير الحقيقة، وهنا يكون مكتوبًا وليس قولًا أو فعلًا، وهو ما يتم تداركه عن طريق الحواس أو بسبل كثيرة ترصد مثل هذه السلوكيات الإجرامية، وأيضا هناك حالات تزوير يصعب رصدها، وكشف ماهيتها، وهو التزوير المرئي، الذي يكون عبارة عن تصوير واقعة على أساس كونها حقيقة وصحيحة، وهي في الأصل واقعة كاذبة، أو تصوير واقعة غير معترف بها على أساس أنها معترف بها، كالبلاغ الكاذب مثلا، كل هذه التطبيقات هي تطبيقات للكذب في قانون العقوبات، بالتالي الكذب في القانون لا يقتصر فقط على الحنث باليمين أو شهادة الزور، فالنصب والتزوير، هي جرائم، تندرج تحت جريمة الكذب". حماية الثقة في ذات السياق، قال الدكتور مصطفى سعداوي، أستاذ القانون الجنائي بجامعة المنيا: إنه ما بين المباح والمحظور، رسم المشرع الجنائي المصري خطا فاصلا، مقدرًا بعض المصالح الجديرة بالحماية، ففرض على المخاطبين بأحكامه، الالتزام بأوامره والانتهاء عند نواهيه، وبقدر أهمية المصلحة تكون الحماية المفروضة، ومن هذه المصالح، حماية الثقة والاعتبار، ولذا جرم المشرع المصري بعض الصور من الجرائم، التي تخل بالثقة، مثل شهادة الزور، والبلاغ الكاذب، واليمين الكاذبة، وبث الشائعات. وتابع "د.سعداوي" قائلًا: "أولا، فيما يتعلق بالكذب، فهو من العلائق التي نهت عنها الشريعة الإسلامية ابتداءً، ثم جاء القانون وفرض في المادة 305 من قانون العقوبات المصري حظرًا، ونص على أنه من أخبر بأمر كاذب، مع سوء القصد، يستحق العقوبة، ولو لم يحصل منه إشاعة غير الأخبار المذكورة، ولو لم تقم به دعوى، أي أنه تطبيقا لهذا النص، يعد كاذبًا كل من أبلغ كذبًا بعد أن أيقن سلفا بكذب بلاغه، منتويًا السوء والإضرار، دون مساس بالحق في الشكوى الذي كفله المشرع المصري الإجرائي في قانون الإجراءات، كحق للمضرور من الجريمة أو المجني عليه منها، لذا، في التنظيم الجنائي المصري البلاغ الكاذب، يشترط أن يكون المبلغ يعلم بكذب البلاغ، وأن ينتوي السوء والإضرار، ممن أسند إليه الوقائع الكاذبة". العقوبات واستطرد أستاذ القانون الجنائي بجامعة المنيا قائلا: "هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، جاء المشرع المصري في الباب السادس، من قانون العقوبات، والذي عنوانه شهادة الزور، وفرض عدة صور لهذه الجرائم، إذ نص في المادة 294 على أنه كل من شاهد زورًا لمتهم الجناية أو عليه، يعاقب بالحبس، ثم فرض ظرفًا مشددًا، ألا إنه إذا ترتب على هذه الشهادة، وفقًا لما نصت المادة 295، الحكم على المتهم بالسجن المشدد، يعاقب من شهد عليه زورًا بالسجن المشدد أيضًا، وإذا كانت العقوبة التي بنيت على الشهادة هي الإعدام، ونفذت فيمن شُهد عليه زورًا، فإن شاهد الزور يعاقب هو الأخر بالإعدام". وأوضح "سعداوي"؛ أن في هذه المسألة، هناك قيد، وهي أنه إذا شهد شاهد الزور على شخص في جريمة عقوبتها الإعدام، ونفذت في هذا الشخص عقوبة الإعدام، فإن شاهد الزور ليس عليه عقوبة إلا الإعدام". واستكمل حديثه قائلا: "ثم جاء المشرع المصري، وفرض نصًا خاصًا، في المادة 297، وقرر أنه من شهد زورًا في دعوى مدنية، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين، والشهادة الزور، تفترض بطبيعة الحال، أن لها أحكام خاصة في التطبيق القضائي، وهي تفترض أن يقر أمام مجلس القضاء، وأن يتمسك بشهادته حتى قفل باب المرافعة". وأعرب "سعداوي"، أنه من زاوية أخرى، جرم المشرع المصري بث الشائعات، أو الترويج للأخبار الكاذبة أو المغلوطة، بأن فرض عقوبة الحبس، على من يقوم بنشر الشائعات، وأن المشرع المصري هنا، انتبه إلى هذه الإشكالية، وتصدى لها، في محاولة لضبط الأداء الحركي للمجتمع، ومواجهة بعض الصور التي تنتقص من ما يجب أن تكون عليه الأخلاق الحميدة في المجتمع". واختتم أستاذ القانون الجنائي حديثه قائلا: "يتبقى لي أن أقول لك، أن هذه الخطة التشريعية، التي جاء بها المشرع المصري، كانت منذ أكثر من 89 سنة، وتحديدًا منذ سنة 1937، سواء فيما يتعلق البلاغ الكاذب، أو الشهادة الزور، أو بث الشائعات". اقرأ أيضا: مجازاة سكرتير مدينة حرر محضر كاذب بتراخيص بناء لمواطنين تعدوا علي الأراضي الزراعية