محمد عز الدين لم تكن حرب أكتوبر 1973 مجرد معركة عسكرية بين جيشين، بل كانت ملحمة شارك فيها الشعب بأكمله، رجالاً ونساءً، جنوداً وفنانين. وإذا كان التاريخ قد سجل بطولة المقاتلين على الجبهة، فإن للفنانات المصريات نصيباً من هذه البطولة، فقد جسّدن فى حرب أكتوبر صورة المرأة المقاتلة بطريقتها الخاصة، وكنّ جنديات غير مرئيات فى ملحمة الانتصار.. لم يقتصر الدور على الغناء والتمثيل؛ بل شاركت بعض الفنانات في العمل التطوعي بالمستشفيات لمساعدة الجرحى، ومنهن من تحركت إلى خط النار لتقديم الدعم المعنوي لجنودنا البواسل، وأخريات تبرعن بمقتنيات شخصية ومبالغ مالية دعماً للمجهود الحربي، في وقت كان الوطن يحتاج لكل يد تبني وتساند. أم كلثوم .. دعم المجهود الحربي دعم أم كلثوم لحرب أكتوبر 1973 كان كبيرًا ومؤثرًا جدًا، من خلال حملة "الفن من أجل المجهود الحربي"، حيث أقامت حفلات داخل مصر وخارجها وجمعت تبرعات هائلة لتسليح الجيش ورفع الروح المعنوية.. فبعد نكسة 1967، وحتى ما بعد انتصار أكتوبر 1973، أقامت أم كلثوم سلسلة من الحفلات داخل مصر وخارجها، ووجهت كامل إيراداتها لصالح المجهود الحربي، وقد قامت بجولة فنية خارج مصر، في باريس، لندن، الكويت، وغنّت لجاليات عربية ومصرية، وكانت كل إيرادات هذه الحفلات موجهة لصالح صندوق دعم المجهود الحربي، وقد وصلت التذاكر في بعض الحفلات لأسعار عالية جدًا، والجمهور كان يقبل عليها بحماس لأنها كانت لصالح مصر. قدرت التبرعات التي جمعتها من حفلاتها الخارجية بما يعادل ملايين الجنيهات في ذلك الوقت (تقديرات تقترب من 5 ملايين جنيه، وهو رقم ضخم جدًا وقتها).. يقال إنها أحيت حفلا بالإسكندرية و وصل إيراداته إلى 100 ألف جنيه، كما أحيت حفلا بدمنهور وكان إيراده 39 ألف جنيه، وأحيت حفلات في باريس، وقيل إنها جمعت 3 ملايين دولار، والذي كان يعتبر مبلغا كبيراً في ذلك الوقت. حفلاتها بالخارج لم تكن مجرد موسيقى وجمع تبرعات فقط، بل أيضًا وسيلة دبلوماسية شعبية، حيث التعبير عن صمود مصر ودعم القضية المصرية سياسيًا وفنيًا، ورسالة للعالم عن وحدة المصريين والتفافهم حول جيشهم. وقد غطت الصحافة العالمية حفلاتها بإعجاب، واعتبرتها "سفيرة مصر الأولى". مجرد وقوف أم كلثوم على المسرح وقت الحرب كان له أثر كبير في رفع المعنويات، لأنها كانت تُعتبر "صوت مصر" ورمزًا وطنيًا لا مثيل له، والحضور الجماهيري الضخم في الحفلات جعل صوتها بمثابة تعبئة معنوية للشعب والجيش، حيث أعادت الحياة للأغاني الوطنية القديمة التي ارتبط بها الشعب وكانت تبث بكثافة خلال الحرب وبعدها مثل "مصر التي في خاطري" و"والله زمان يا سلاحي"، والتي كانت تُلهب حماس الجماهير والجنود. تحية كاريوكا.. تمريض الجرحى فى عنبر 21 النجمة الراحلة تحية كاريوكا كانت معروفة بمشاركتها في القضايا الوطنية قبل حرب أكتوبر، حيث ساعدت الفدائيين في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، وخلال حرب أكتوبر، تطوعت للعمل في الهلال الأحمر ككبيرة ممرضين في مستشفى قصر العيني، حيث أمضت شهوراً في عنبر 21 لخدمة الجرحى والمصابين، كما شاركت في حملات لجمع التبرعات والمجوهرات للمجهود الحربي، وتبرعت بمجوهراتها لدعم الجيش. نادية لطفي .. أركان حرب الفن أما النجمة الراحلة نادية لطفي، فقد أدت دورًا وطنيًا بارزًا خلال حرب أكتوبر، من خلال زيارتها للمستشفيات العسكرية لمساعدة الجرحى، وشاركت في فريق المتطوعات لأعمال التمريض بمستشفى المعادي العسكري والقصر العيني، حتى إنها شاركت في أعمال التنظيف، ومسح أرضية المستشفى التي كانت تمرض الجرحى بها، وقامت بكتابة خطابات الجنود للعائلات، وتوثيق شهاداتهم في الفيلم التسجيلي "جيوش الشمس" مع شادي عبد السلام، وهو يحتوي على مشاهد حقيقية من أحداث حرب أكتوبر 1973، وسجلت خلاله النجمة المناضلة شهادات الجنود المصابين والجرحى عن الحرب داخل مستشفى قصر العيني. كما شاركت نادية في تنظيم زيارات لدعم المصابين مع مجموعة من الفنانين والأدباء مثل المخرج فطين عبد الوهاب، والنجمين فؤاد المهندس وجورج سيدهم، بالإضافة إلى الأدباء نجيب محفوظ، يوسف السباعي، ويوسف إدريس، ما أكسبها لقب "أركان حرب الفن"، وهو اللقب الذي أطلقه عليها الكاتب الكبير يوسف إدريس نظرًا لمواقفها الوطنية البارزة ودورها الفاعل على الجبهة وفي دعم رجال الجيش المصري خلال الحرب. فاتن حمامة.. كتابة الخطابات لأهالي المصابين النجمة الراحلة فاتن حمامة أيضًا لعبت دورًا هامًا خلال حرب أكتوبر، حيث كانت من أوائل المتعاونين مع أعضاء جمعية الهلال الأحمر، وتلقت التدريب اللازم لتمريض المصابين والجرحى. وقامت بزيارات ميدانية للمستشفيات لتقديم الدعم المعنوي لأبطال الحرب من الجنود المصريين، كما شاركت في قراءة الجرائد لهم وكتابة الخطابات لأهالي المصابين. ساهمت فاتن حمامة أيضا في حملات تبرع لجمع الدعم المالي، خاصة من نجوم الفن، لدعم المجهود الحربي وتجهيز الجيش. زيارة إلى الجبهة هناك قائمة طويلة تضم عدد من الفنانات اللاتي قمن بزيارة إلى جبهة القتال كنوع من المشاركة ورفع الروح المعنوية للجنود المقاتلين، منهن سهير البابلي، حيث شاركت مع فرقة مسرحية وقدمت عروضًا مباشرة للجنود على الجبهة، وسهير المرشدي، التي كانت ضمن فرقة المسرح الحديث التي زارت الجبهة وقدمت مسرحيات قصيرة للجنود، أما نيللي فقد رافقت وفود فنية إلى الجبهة لتقديم فقرات ترفيهية للجنود، وكذلك مديحة كامل التي قامت بزيارة الجنود في الجبهة، وزارت أيضا المستشفيات الميدانية لدعم المصابين، وماجدة الخطيب شاركت أيضا في زيارات فنية للجنود على الجبهة، وكذلك رجاء الجداوي التي زارت مواقع الجنود وقدمت لهم الدعم النفسي، بينما سافرت الفنانة صفاء أبو السعود إلى الجبهة، لتشارك في العروض الميدانية أمام الجنود. اقرأ أيضا: شاهد.. لماذا رفضت فاتن حمامة مساعدة ابنة اخيها الصحفية في بداية حياتها؟