في مثل هذه الأيام من كل عام تعود بنا الذاكرة إلى أعظم انتصارات مصر والأمة العربية في العصر الحديث، وهو نصر أكتوبر 1973.. وبين سطور التاريخ تقف مجلة "آخر ساعة" شاهدًا خفيًا على واحدة من أبرز الشهادات التي وثّقت وقائع الحرب، شهادة القائد العسكري الكبير المشير عبدالغني الجمسي (1921-2003). في عام 1989 أصدر الجمسي كتابه الشهير "مذكرات الجمسي"، الذي يعد من أهم المراجع العسكرية عن حرب أكتوبر المجيدة وما سبقها وما تلاها من أحداث. غير أن ما قد لا يعرفه الكثيرون الدافع المباشر وراء كتابة هذه المذكرات لم يكن قرارًا عفويًا، بل كان نتيجة لمقال صحفي نُشر على صفحات مجلة "آخر ساعة" وتحديدًا في عام 1988، بقلم الكاتب الكبير حلمي سلام حمل عنوان: "رسالة إلى المشير الجمسي.. السكوت ليس دائمًا من ذهب". الجمسي نفسه أشار في مقدمة مذكراته إلى أن هذا المقال كان الشرارة التي دفعته إلى كسر صمته الطويل وتسجيل شهادته للتاريخ، ربما إدراكًا منه أن ما عاشه وخبره في قلب غرفة العمليات لا يجوز أن يظل طي الكتمان. وهكذا، كان ل"أميرة المجلات" دور غير مباشر لكنه بالغ الأهمية في خروج هذه المذكرات إلى النور، باعتبارها المرجع الذي فتح للباحثين والدارسين نافذة نادرة على خبايا القرار العسكري والسياسي في أخطر لحظات الأمة. ◄ اقرأ أيضًا | اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة واليوم، ونحن نحيي الذكرى ال52 لحرب أكتوبر المجيدة، يبقى هذا الموقف شاهدًا على قيمة الصحافة المصرية، وكيف أن مقالًا واحدًا في مجلة تحظى بشعبية واسعة مثل "آخر ساعة" كان كفيلًا بأن يغيّر مجرى التوثيق التاريخي، ويمنح الأجيال القادمة كتابًا يعد بمثابة "الوثيقة الأم" لشهادة قائد أركان حرب أكتوبر. وفي مقدمة كتابه، قال الجمسي نصًا: تحفظت كثيرًا وتأخرت طويلًا قبل نشر هذا الكتاب رغم مرور واحد وعشرين عامًا على حرب يونيو 1967 وستة عشر عامًا على حرب أكتوبر 1973، إلى أن وجه الكاتب الكبير الأستاذ حلمي سلام رسالة على صفحات مجلة (آخر ساعة) بعنوان (رسالة إلى المشير الجمسي.. السكوت ليس دائمًا من ذهب) جاء فيها: "يبدو أنك مؤمن إيمانًا شديدًا بالمثل القائل: إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب.. وعلى مدى تلك السنوات تكلم عن هذه الحرب حرب أكتوبر من يعرف ومن لا يعرف.. من عاش الحرب يومًا بيوم واكتوى بنارها ولظاها، ومن كان بين المتفرجين عليها.. كل هؤلاء تكلموا عن تلك الحرب إلا أنت.. إن الشيء الذي لا يجوز أن تسقطه من حسابك، هو أنك لا تملك حق الزهد في الكلام.. ذلك أن الكلام عن مسار وأسرار هذه الحرب المجيدة التي هزمنا بها الهزيمة، ورفعنا بها الرايات بعد تنكسيها، وأحيينا بها الأنفس بعد مواتها، إنما هو حق للتاريخ عليك.. مثلما هو حق للجيل الذي عاش هذه الحرب، ولكل الأجيال القادمة على الطريق من بعده. وبقي أن تقول لنا أنت بالأمانة كلها كيف حدث ذلك؟ وكيف جاء أبناء مصر بهذا النصر من وراء الأهوال؟".