المطالبة بتوفير مترجمى الإشارة فى الجهات الخدمية تطبيق نسبة ال 5% لضمان دخل ثابت للصم تطوير المدارس وافتتاح أقسام متخصصة مبادرات الكشف المبكر أنقذت ملايين الأطفال إدماج لغة الإشارة فى الفعاليات الرسمية وفتح أبواب الجامعات وسوق العمل أمام ضعاف السمع لم يكن صمتهم ريحًا عابرة ، بل كان عاصفة غبراء أغلقت عليهم عالم السامعين ، وفتحت لهم أبواباً لعالم خاص تتحرك فيه الشفاه بلا صوت ، وتتحدث فيه الأصابع بدلاً من الألسنة ، عالم لا يُسمع فيه ضجيج الحياة ، ولا ضحكات الأهل.. إنهم الصم الذين يعيشون بيننا، لكن عالمهم يظل مختلفًا، يحتاج إلى جسر يصل بين صمتهم وصوت المجتمع، ورغم أنهم يواجهون عوائق فى التعليم والعمل والتواصل اليومي، إلا أنهم لا يتوقفون عن إثبات أن الإعاقة ليست نهاية، بل بداية لصياغة طريق خاص مليء بالعزيمة والإبداع.. اقرأ أيضًا| «الداخلية» تحتفل باليوم العالمي للصم ولغات الإشارة بعدد من المبادرات المجتمعية اليوم لم يعد هذا الملف هامشيًا، فالدولة جعلت من قضية الإعاقة السمعية أولوية وطنية، بداية من مبادرات الكشف المبكر التى أنقذت ملايين الأطفال من مصير الصمم الدائم، إلى إدماج لغة الإشارة فى الفعاليات الرسمية، وفتح أبواب الجامعات وسوق العمل أمام ضعاف السمع لدمجهم بالمجتمع، ومع ذلك فإن الطريق لا يزال طويلًا، إذ يواجه الصم تحدياتٍ قاسية تبدأ من التعليم فى الصغر وحتى التوظيف والتعامل مع المجتمع.. «الأخبار» تفتح هذا الملف لتلقى الضوء فى يومهم العالمى على عالم لا يُسمع صوته بالقدر الكافى وتبرز الخدمات المُقدمة، والإنجازات المُحققة، وكذلك التحديات العالقة التى رويت بأصوات أصحابها. شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بالصم، تجسد فى اهتمام الدولة بلغة الإشارة إضافة إلى مبادرات تهدف إلى دمجهم فى المجتمع وتمكينهم من حقوقهم، ورغم هذه الجهود التى لا يمكن إنكارها، فإن الكثير من الصم لا يزالون يواجهون واقعًا قاسيًا مليئًا بالتحديات يبدأ من مقاعد الدراسة التى لم تُهيأ بعد بالشكل الكافي، ويمتد إلى التعليم الجامعي، مرورًا بالخدمات الصحية التى تفتقر إلى مترجمين دائمين، وصولًا إلى سوق العمل الذى لم يطبق بعد بصورة فعالة نسب التوظيف المقررة لهم. اقرأ أيضًا| إطلاق مبادرة تأهيل الدعاة بلغة الإشارة لخدمة ذوي الإعاقة حيث تعكس شهادات الصم صورة واضحة عن حجم ما تحقق، وحجم ما تبقى من مسئوليات، وتحول حقوقهم من نصوص إلى واقع ملموس يضمن لهم حياة كريمة متكاملة، وفيما يلى تنقل الأخبار عدداً من أصوات الصم التى لا تُسمع تطوير المدارس ضرورة يقول أحمد عاطف مدرب كرة قدم للصم :»التحاقى بمدرسة الأمل للصم وضعاف السمع كان بالنسبة إليّ حلمًا جميلاً فى بدايته، إذ توقعت أن أجد بيئة تعليمية مناسبة تراعى احتياجاتى وتساعدنى على أن أنمو علميًا ومعرفيًا مثل أقرانى من الأطفال السامعين، غير أن الواقع كان مغايرًا تمامًا، فقد اصطدمت منذ السنوات الأولى بمشكلات متعددة، لعل أبرزها أن المعلمين لم يكونوا جميعًا مُهيئين للتعامل مع الطلاب الصم. بعضهم كان يفتقد المهارات اللازمة للتواصل بلغة الإشارة، وآخرون كانوا يعتمدون فى الشرح على الطرق التقليدية التى تناسب الطلاب السامعين فقط، دون أى تكييف أو تبسيط خاص بنا. كنت أعود إلى البيت كثيرًا وأنا عاجز عن فهم ما تمت دراسته، وأشعر بأننى أبذل جهدًا مُضاعفًا فقط كى أستوعب جزءًا يسيرًا من المنهج. المواد التى تحتاج إلى توضيح ورؤية عملية مثل: العلوم والرياضيات كانت الأكثر صعوبة، إذ لم تكن هناك وسائل تعليمية مرئية أو مقاطع فيديو مُترجمة بالإشارة يمكن أن تساعدنا. هذا الواقع جعل سنوات دراستى مليئة بالإحباط والتحديات، وشعرت أحيانًا أننى أتعلم بنفسى أكثر مما أتعلم من مدرستي. التعليم فى الطفولة يُفترض أن يكون اللبنة الأساسية التى تُبنى عليها شخصية الإنسان ومستقبله، لكننا كصم عشنا هذه المرحلة ونحن نكافح كى نحصل على أبسط حقوقنا فى المعرفة.» ومع الوقت خضت التجربة ذاتها مع ابنتى ولكن مع تحديات أقل قسوة وذلك بدءاً من توافر الكشف المبكر عن إعاقتها والذى سمح لنا بإجراء جراحة زرع قوقعة لها ، ولم يعد سمعها بالكامل لكنها صارت من ضعاف السمع وأكملنا الطريق بالسماعة ، ثم أننى لاحظت تقدماً ملحوظاً فى مدارس الصم عن توقيتي.. الأمر الذى جعلنى أشعر ببصيص من الأمل أن الأوضاع تتحسن حتى لو كانت تسير ببطء. اقرأ أيضًا| رحيل ميرفت زعزع أيقونة الاستعراضات المسرحية تجربة غيرت حياتى ومن جانبه يقول محمود عبد الله مدرس للصم بإحدى الجامعات السعودية:» حين أنهيت مرحلتى المدرسية، كنت أعتقد أن أكبر العقبات قد زالت، وأن الطريق أمامى سيفتح أبوابه نحو الجامعة، لكننى فوجئت بواقع أشد قسوة، الجامعات فى مصر والعالم العربى بأكمله تكاد تخلو من أى برامج أو أقسام مخصصة للطلاب الصم وقتها، ولم أجد مترجم إشارة يرافق المحاضرات، ولم أجد أساتذة مُدربين على كيفية التعامل مع طالب أصم، ولم أجد حتى مواد تعليمية مهيأة أو مقررات مُترجمة بلغة الإشارة». لقد شعرت أننى أقف أمام جدار عازل يفصلنى عن حلمى الأكاديمي، كنت أرغب فى أن أتعلم وأتخصص، ولكن البيئة التعليمية الجامعية ببساطة لم تعترف بوجودي. وبعد بحث طويل، عرفت أن هناك جامعة وحيدة فى العالم مُخصصة للصم، وهى جامعة جاليوديت بالولايات المتحدة، قررت أن أخوض المغامرة، وسافرت إليها، وهناك عشت تجربة غيرت حياتى بالكامل. فى جاليوديت، كل شيء مُصمم لخدمة مجتمع الصم، القاعات مُجهزة، المترجمون متواجدون، المناهج مُعدلة لتناسبنا، والتواصل كان طبيعيًا ومفتوحًا بين الجميع. لم أشعر هناك أننى مختلف، بل شعرت أننى جزء من مجتمع كامل، وأن لديّ الحق فى التعلم والنقاش والإبداع. التجربة فتحت أمامى آفاقًا جديدة، وكونت صداقاتٍ واسعة، وأثرت أفكارى وحياتي. اليوم، موجود بعض أقسام لتعليم ذوى الإعاقة السمعية بالجامعات ولكنى ما زلت أتمنى أن أرى فى مصر جامعة أو كلية أو على الأقل تحمل برنامجًا جامعياً خاصًا بالصم، لأن التعليم الجامعى حق أصيل لنا، وليس امتيازًا أو رفاهية.» مترجم بالمستشفيات أما منى رسامة صماء فتقول :»تجربتى فى المستشفيات والمراكز الصحية كانت من أصعب اللحظات التى مررت بها فى حياتي، تخيل أن تكون مريضًا، أو فى حالة طارئة، وتجد نفسك عاجزًا عن توصيل أبسط المعلومات إلى الطبيب. لا أحد من الطاقم الطبى يفهم لغة الإشارة، ولا يوجد مترجم يساعدك». فى إحدى المرات، كنت فى حالة صحية طارئة وذهبت إلى قسم الاستقبال بالمستشفى، وحاولت مرارًا أن أشرح للطبيب ما أشعر به، لكن دون جدوى. كانوا يتحدثون بسرعة، وأنا لا أفهم شيئًا، وهم لا يفهمونني. فى تلك اللحظة شعرت أننى غريبة عن العالم ، وكأننى أعيش فى عالمين متوازيين لا يلتقيان. الأمر لم يكن مجرد تجربة عابرة، بل أصبح كابوسًا يتكرر فى كل زيارة إلى مستشفى أو مصلحة حكومية أو بنك. هذا الحرمان من التواصل جعلنى فى وقت من الأوقات أتجنب النزول إلى الشارع أو الذهاب إلى أى مؤسسة، حتى لا أتعرض مرة أخرى لهذا الإحساس بالعجز. نحن كصم لا نطلب المستحيل، نحتاج فقط إلى مترجم إشارة متواجد فى المستشفيات وأماكن الخدمات العامة بشكل مستمر، حتى نشعر أننا جزء من هذا المجتمع، لا غرباء عنه.» التحديات فى التوظيف ويضيف خالد منصور عامل أصم : « سوق العمل بالنسبة إلينا، نحن الصم، مليء بالعقبات والحواجز، صحيح أن القانون المصرى ينص على إلزام أصحاب الشركات بتعيين نسبة 5% من ذوى الإعاقة، لكن هذا القانون فى الغالب لا يُطبق. الجهات الرقابية لا تتابع، وأصحاب العمل لا يلتزمون». الكثير من زملائى لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم بسبب الصعوبات التى واجهوها فى المراحل الدراسية، وبالتالى لم يحصلوا على مؤهلات قوية تتيح لهم المنافسة فى سوق العمل. حتى الذين أكملوا تعليمهم يجدون أنفسهم فى مواجهة تحيزات أصحاب العمل الذين يظنون أن الشخص الأصم عبء على المؤسسة وليس إضافة لها. شخصيًا، تقدمت إلى عشرات الوظائف، وفى كل مرة كنت أواجه الرفض غير المُعلن. كنت أقرأ فى عيونهم السؤال: كيف سيتواصل هذا الشاب؟ كيف سيؤدى عمله؟ ولا أحد يفكر أن يمنحنى الفرصة ليختبر قدراتي. نحتاج إلى سياسات واضحة للتأهيل والتوظيف، وإلى متابعة حقيقية لتنفيذ القوانين. نحتاج إلى أن ينظر إلينا المجتمع باعتبارنا أفرادًا قادرين على العمل والإنتاج، وليس مجرد حالات استثنائية.» نقص مترجمى الإشارة أما سارة مصممة أزياء صماء فتقول: «من أكبر التحديات التى تواجه مجتمع الصم هو النقص الحاد فى عدد مترجمى الإشارة، وعدم تواجدهم فى الأماكن التى نحتاج إليهم فيها بالفعل، المُفترض أن يكون المترجمون جسرًا للتواصل بيننا وبين المجتمع، لكن الواقع مختلف، المترجمون قليلون جدًا، وأجورهم مرتفعة بشكل مُبالغ فيه، وكأن الأمر تحول إلى مجال للربح فقط. الأسوأ أن بعض المترجمين أصبحوا يستحوذون على فرص وظيفية مُخصصة للصم أنفسهم، بحجة أنهم يقدمون خدمة لا غنى عنها. لكن هذا قلب المعادلة؛ فوجود المترجمين لم يكن يومًا بديلاً عن الصم، بل وسيلة لمساعدتهم. اليوم أشعر أن بعض المترجمين ينافسوننا على أبسط حقوقنا، بدلاً من أن يكونوا سندًا لنا. نحن بحاجة إلى تنظيم هذه المهنة، وإلى تواجد مترجمى الإشارة فى المستشفيات، المحاكم، الجامعات، وأماكن الخدمات العامة، وأن تكون أجورهم فى متناول اليد أو تتحملها الدولة كجزء من التزاماتها تجاهنا. عندها فقط يمكن أن نتعامل مع المجتمع بسهولة ويسر، مثل أى مواطن آخر. الكشف المبكر.. خط الدفاع الأول يمثل الكشف المبكر عن الإعاقة السمعية للأطفال حديثى الولادة حجر الزاوية فى جهود الدولة لمكافحة الصمم وتقليل آثاره السلبية على النمو والتواصل. فقد أطلقت وزارة الصحة والسكان مبادرة موسعة للفحص السمعى الإلزامى لكل المواليد منذ عام 2019، كجزء من المبادرات الرئاسية للكشف المبكر عن الأمراض، حيث يخضع الطفل للفحص خلال الأيام الأولى من ولادته فى الوحدات الصحية والمستشفيات على مستوى الجمهورية. ووفقًا لبيانات وزارة الصحة، فقد تم حتى الآن فحص أكثر من 7.9 مليون طفل ضمن المبادرة، حيث يتم إجراء الفحص السمعى للأطفال فى عمر مبكر قبل بلوغهم 28 يومًا من الولادة لضمان استمرار تطور مهارات التواصل لدى الطفل. تفاصيل المبادرة: ومن بين هؤلاء، تم تحويل نحو 425 ألف طفل لإعادة الفحص بعد أسبوع من الكشف الأول، للتأكد من دقة النتائج. وبعد الفحص الثاني، تم تحويل ما يقرب من 54 ألف طفل إلى مستشفيات ومراكز الإحالة لاستكمال التشخيص وتقديم التدخلات الطبية اللازمة، سواء من خلال تركيب سماعات أو البدء فى خطوات زراعة القوقعة. وقد توسعت الدولة فى شبكة الخدمات المُقدمة، حيث ارتفع عدد مراكز الإحالة السمعية من 30 إلى 34 مركزًا مجهزاً على مستوى الجمهورية، لضمان وصول الخدمة إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال، بما فى ذلك فى المناطق النائية والريفية، فضلًا عن دور القوافل الطبية التى تجوب القرى لتغطية الفحص. ويؤكد الأطباء أن السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل هى الفترة الذهبية لاكتساب اللغة والتواصل، وبالتالى فإن التشخيص المبكر والتدخل العلاجى السريع يمنح الطفل فرصة للنمو الطبيعى والاندماج فى التعليم والمجتمع، ويمنع تحوله لاحقًا إلى حالة صمم دائمة قد تؤدى إلى عزلة اجتماعية وتعليمية. وأشارت وزارة الصحة إلى أنه يمكن للمواطنين الحصول على استفسارات حول المبادرة عبر الخط الساخن 15335 الخاص بحملة «100 مليون صحة». يُذكر أن الكشف المبكر عن الإعاقة السمعية يمثل استثمارًا حقيقيًا فى مستقبل الأطفال، ويعكس توجهًا واضحًا لدى الدولة نحو تحويل الرعاية الصحية من العلاج إلى الوقاية، بما يضمن جيلاً أكثر صحة وقدرة على التعلم والمشاركة فى بناء المجتمع. رئيس المؤسسة العربية: يواجهون تحديات كبيرة من التعليم إلى التوظيف فى هذا الإطار تحدثت الدكتورة حنان محسن، رئيس المؤسسة العربية لذوى الإعاقة السمعية وخبير تعليم الصم عن تحديات الصم قائلة : « إن الصم ما زالوا يواجهون أزمات عميقة، تبدأ من التعليم الذى يحرم الغالبية منهم من تعلم القراءة والكتابة بشكل سليم، بسبب قصور المناهج وضعف طرق التدريس. وأوضحت أن هذه الفجوة التعليمية تجعلهم غير قادرين على الوصول إلى المعلومة بأنفسهم، وتدفعهم للاعتماد الكامل على مترجمى لغة الإشارة. لكنها انتقدت فى الوقت نفسه غياب هؤلاء المترجمين عن المبادرات الفعلية المُوجهة للصم، إذ لا يظهرون عادة إلا فى الفعاليات الحكومية أو الدولية التى تمنح مقابلًا ماليًا كبيرًا، وهو ما يحرم الصم من فرص حقيقية للتعلم والعمل. أزمة المترجمين وترى رئيس المؤسسة العربية للصم: « أن ما يُقدَّم للصم اليوم لا يؤدى إلى تكوين أفراد مستقلين، بل يكرّس ثقافة الاعتماد، مؤكدة أن المترجمين لا يعملون إلا بأجر مادى مرتفع مما يخلق أزمة تعيق استمرارية الخدمة. هذا الواقع بحسب قولها، يفاقم عزلة الصم ويزيد من تهميشهم. وأضافت أن الأندية الرياضية ومراكز الشباب فى مصر ترفض استقبال الرياضيين من الصم، مما يحرمهم من ممارسة النشاط البدنى والاندماج المجتمعي. كما أشارت إلى أن بعض مترجمى لغة الإشارة فى وسائل الإعلام لا ينقلون المعنى بدقة، بينما يلجأ آخرون إلى ابتكار إشارات خاصة بهم، الأمر الذى أضر بلغة الإشارة الأصلية وأدى إلى حالة من الفوضى اللغوية، جعلت التواصل أصعب والمعلومة أقل وضوحًا. واعتبرت أن المعضلة الأهم تكمن فى استبعاد الصم أنفسهم من النقاشات التى تخصهم، حيث يستفيد الجميع من قضيتهم باستثنائهم هم». تهميش فى الفعاليات كما سلطت الخبيرة فى تعليم الصم ولغة الإشارة الضوء على ما وصفته بالتهميش داخل الفعاليات الرسمية التى تنظمها بعض مؤسسات الدولة أو الكيانات الكبرى. وأكدت أن التهميش يبدأ منذ لحظة تنظيم الحدث، إذ يحرص بعض المنسقين على دعوة فئات من ذوى الإعاقات الأخرى أو المجموعات المصاحبة لمترجمى الإشارة، بينما يُطلب من الصم الذين يحضرون من دون مترجم الجلوس فى المقاعد الخلفية، بحجة أن الصفوف الأمامية مخصصة للمسئولين. وتابعت موضحة: «أخبرت القائمين على الفعاليات مرارًا أن الصم يعتمدون على العين لا الأذن، وأن مكانهم الطبيعى يجب أن يكون فى الصفوف الأولى ليتمكنوا من متابعة الشاشات وحركة شفاه المتحدثين. أما المكفوفون فيمكنهم الاستماع من أى موقع داخل القاعة.» وشددت على أن تجاهل هذا الاحتياج البسيط يعكس غياب الوعى بطبيعة الإعاقة السمعية، ويؤدى إلى مزيد من العزلة بدلًا من الدمج. تفاصيل صغيرة وأضافت أن الدمج الحقيقى يبدأ من احترام هذه التفاصيل الصغيرة، بعيدًا عن هيمنة بعض مترجمى لغة الإشارة الذين باتوا يتحكمون فى المشهد، مما يحصر المشاركة فى نطاق مجموعاتهم فقط. وبيّنت أن الصم لا يحتاجون سوى لتسهيلاتٍ بسيطة للمشاركة الكاملة فى الفعاليات، مثل: السماح لهم بالجلوس فى الصفوف الأمامية أو إرفاق العروض المرئية بنصوص مكتوبة، مؤكدة أن تحقيق ذلك أمر سهل إذا توافرت الإرادة الحقيقية لخدمتهم. د. إيمان كريم المشرف العام على المجلس القومى لذوى الإعاقة: الصم ضمن أولويات الدولة ونقدم لهم خدمات متنوعة يُعد المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة هو الجهة الحكومية المعنية بوضع وتنفيذ السياسات الداعمة لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة فى مصر، ومن بينهم: الأشخاص من ذوى الإعاقة السمعية من الصم وضعاف السمع وعلى مدار السنوات الماضية، عمل المجلس بالتعاون مع الوزارات والهيئات المعنية على إرساء منظومة متكاملة من الخدمات التى تمس حياة هذه الفئة فى التعليم والصحة والعدالة والإعلام والاتصالات والتشغيل والرياضة، بهدف دمجهم فى المجتمع وإزالة الحواجز التى تحول دون مشاركتهم الكاملة، ورغم ما تحقق من إنجازات بارزة، إلا أن التحديات ما زالت قائمة وتحتاج إلى جهد أكبر لضمان وصول الصم وضعاف السمع إلى كامل حقوقهم. وفى إطار اهتمام الدولة المتزايد بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، وتماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ورؤية مصر 2030، تفتح « الأخبار « فى هذا الحوار مع الدكتورة إيمان كريم، المشرف العام على المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، ملف الصم وضعاف السمع فى مصر حيث نتناول بالتفصيل حجم الخدمات المُقدمة لهم، ونرصد الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع، وكذلك التحديات التى ما زالت تواجه هذه الفئة المهمة من أبناء المجتمع. ارتفاع الأمية بين هذه الفئة يكشف صعوبات التعليم منذ الصغر ما أبرز الخدمات التى يقدمها المجلس للصم؟ المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة يُولى اهتماماً كبيراً باستقبال شكاوى المواطنين من الصم وضعاف السمع ، حيث يتيح لهم التواصل المباشر من خلال مترجمى لغة الإشارة الذين يتواجدون بشكل دائم لهذا الغرض، كما يوفّر المجلس مترجمى إشارة فى كافة الندوات والمؤتمرات التى ينظمها بنفسه أو تتم دعوته إليها وذلك بشكل مجانى لضمان إتاحة المعلومات للصم ومشاركتهم الفعالة فى كل الفعاليات المجتمعية. وماذا عن الخدمات المُقدمة فى مجال الصحة؟ فى مجال الصحة قام المجلس بتدريب موظفى هيئة الرعاية الصحية والتأمين الصحى الشامل على التحدث بلغة الإشارة وتعليمهم آداب التعامل مع الأشخاص الصم حتى يتمكنوا من فهم احتياجات المرضى بشكل صحيح ، كما عقد المجلس بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر ورشة عمل توعوية عن الإسعافات الأولية خُصصت للسيدات من الصم وضعاف السمع .. وعلى مدار سنتين متتاليتين شارك المجلس فى المؤتمر العالمى للصحة والسكان من خلال ندوات توعوية وتثقيفية تمت ترجمتها بلغة الإشارة ، إضافة إلى ذلك وبموجب بروتوكول التعاون مع «جمعية اتزان الطب السمعى العالمي» ينظم المجلس ورشاً توعوية عن أهمية السمع وطرق حمايته.. ويتم تنفيذ هذه الورش فى الأيام العالمية لذوى الإعاقة السمعية .. كذلك يستقبل المجلس شكاوى المواطنين فى هذا المجال سواء بالحضور المباشر أو عبر الفيديو كول ثم يرفعها على منظومة الشكاوى.. كما نظم المجلس ورشة تدريبية استمرت يومين خُصصت للتوعية بالصحة الإنجابية للسيدات من الصم. ■ وما الدور الذى يقوم به المجلس فى مجال التعليم؟ المجلس يلعب دوراً بارزاً فى دعم العملية التعليمية لهذه الفئة ، فهو يستقبل شكاواهم سواء من خلال الفيديو كول أو بالحضور المباشر ويقوم برفعها للجهات المختصة .. كذلك سعى المجلس لفتح أبواب الجامعات أمام الطلاب من ذوى الإعاقة السمعية وتم بالفعل إدماجهم فى كليات التربية النوعية مع توفير مترجمى لغة إشارة تتحمل وزارة التضامن تكلفتهم .. كما يهتم المجلس بتكريم المتفوقين من الصم فى احتفالات كبرى يقدم فيها الهدايا والتشجيع لمواصلة نجاحهم .. وفى إطار بناء القدرات تم تدريب أعضاء هيئة التدريس والإداريين فى جامعات الإسكندرية والقاهرة والجامعة البريطانية على لغة الإشارة لتسهيل التواصل مع هؤلاء الطلاب. وكيف يتعامل المجلس مع الجانب القانونى للصم ؟ المجلس يخصص خدمة لاستقبال الشكاوى القانونية بحضور مترجم لغة الإشارة ثم تحويلها للمسئول القانونى داخل المجلس ، كما يوفّر مترجمى إشارة فى الجلسات التى تضم متهمين من الصم وضعاف السمع فى محاكم مثل: زينهم والأميرية والشرابية ويقدم نفس الخدمة فى تحقيقات النيابة مثل: نيابة هيئة النقل العام وأيضاً فى مكاتب الشهر العقارى عندما يحتاج الصم لعمل توكيلات فى أماكن مثل: الزيتون وعين شمس والنزهة ، إضافة إلى ذلك قام المجلس بتدريب موظفى الشهر العقارى على لغة الإشارة لتسهيل التواصل مع المواطنين ، كما نظم ورشاً توعوية لوكلاء النيابة عن آداب التعامل مع الصم .. وامتد التدريب ليشمل موظفى المكاتب الأمامية بالمحاكم وخبراء وزارة العدل من محاسبين ومهندسين وزراعيين وموظفى الطب الشرعى وأيضاً موظفى مكاتب تسوية المنازعات الأسرية وكل ذلك لضمان تيسير الإجراءات القانونية لذوى الإعاقة السمعية. وما دور المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة فى المجال السياسي؟ فى المجال السياسى يعمل المجلس على تيسير مشاركة الأشخاص الصم فى الحياة العامة ، فقد نظم المجلس ورش عمل توعوية خُصصت لتعريف الصم وضعاف السمع بحقوقهم السياسية والدستورية مع توفير مترجمى لغة إشارة بشكل دائم داخل هذه الفعاليات .. كما حرص المجلس على إشراكهم فى المنتديات الوطنية مثل: منتدى شباب العالم الذى يُعقد تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث تمت ترجمة الجلسات إلى لغة الإشارة بشكل كامل.. هذه الخطوات أسهمت فى دمج الأشخاص الصم فى الحياة السياسية وتأكيد حقهم فى المشاركة وصنع القرار. وماذا عن جهود المجلس للصم فى مجال النقل والمواصلات؟ أولى المجلس قطاع النقل اهتماماً خاصاً ، فقد نظّم ورش عمل لقيادات وزارة النقل وموظفيها لتعريفهم بكيفية التعامل مع الأشخاص الصم إلى جانب تدريبهم على لغة الإشارة .. كما وُضع نظام للتواصل المرئى عبر شاشات داخل بعض المكاتب الخدمية التابعة للوزارة لتسهيل الحصول على الخدمات ، بالإضافة إلى ذلك قام المجلس بالتنسيق مع هيئة مترو الأنفاق وهيئة السكك الحديدية لتخصيص شبابيك تذاكر مُخصصة لخدمة الصم وضعاف السمع مع توفير مترجمين عند الحاجة .. والهدف من ذلك هو كسر الحواجز وتمكينهم من الاعتماد على أنفسهم بشكل كامل فى التنقل. وما الأنشطة التى قام بها المجلس فى المجال الاقتصادى والشمول المالي؟ المجلس عمل بجهد كبير على تعزيز الشمول المالى للأشخاص ذوى الإعاقة السمعية ، فقد عقد بروتوكولات تعاون مع البنك المركزى وعدد من البنوك الحكومية والخاصة بهدف تدريب موظفى الفروع على لغة الإشارة وتخصيص شبابيك خدمية للصم وضعاف السمع .. كما أطلق المجلس بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى ندوات للتوعية المالية بهدف تعريفهم بكيفية فتح الحسابات البنكية واستخدام بطاقات الصراف الآلى والاستفادة من الخدمات المصرفية الرقمية ، بالإضافة لذلك تم تنظيم ورش عمل تعريفية بحقوق الأشخاص الصم فى القوانين الاقتصادية وبرامج التمويل متناهى الصغر لدعم المشروعات الصغيرة. وهل هناك إسهامات للمجلس فى مجال السياحة والآثار للصم ؟ فى قطاع السياحة يسعى المجلس إلى تمكين الأشخاص الصم من الاستمتاع بحقهم فى الترفيه والمعرفة ، فقد نسق المجلس مع وزارة السياحة والآثار لإعداد جولات سياحية مُخصصة يتم فيها استخدام مترجمى لغة الإشارة لشرح تاريخ المعالم والمناطق الأثرية .. كما تمت تجربة تطبيقات إلكترونية مُترجمة بلغة الإشارة داخل بعض المتاحف .. وعلى جانب آخر حرص المجلس على تنظيم رحلات ترفيهية للصم وضعاف السمع لعدد من المناطق السياحية كجزء من دمجهم المجتمعى .. وأيضاً للتأكيد على أن السياحة حق للجميع دون تمييز. وكيف يدعم المجلس الأشخاص الصم فى المجال الرياضي؟ الرياضة من المجالات التى يركز عليها المجلس بشكل كبير لدعم الصم وضعاف السمع ، فقد قام المجلس بتوفير مترجمى لغة إشارة فى البطولات المحلية والدولية التى يشارك فيها الرياضيون الصم لضمان تواصلهم الكامل مع المدربين والحكام .. كما عمل المجلس بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة على تخصيص مراكز شبابية وأندية مُجهزة لاستقبال الرياضيين من ذوى الإعاقة السمعية .. كذلك ينظم المجلس فعاليات رياضية دورية ومسابقات داخلية بين الفرق السمعية لتشجيع المواهب الرياضية ، بالإضافة إلى تكريم المتميزين منهم على مستوى البطولات القارية والعالمية فى محاولة لدفعهم إلى المزيد من الإنجازات. وكيف ساهم المجلس فى توفير السكن الملائم للأشخاص الصم ؟ المجلس لم يغفل ملف الإسكان حيث تعاون مع وزارة الإسكان وصندوق تطوير العشوائيات لتخصيص نسبة من الوحدات السكنية فى المشروعات القومية للصم ، كما حرص المجلس على أن تكون هذه الوحدات مُجهزة بخدمات تراعى سهولة التواصل مثل: تركيب أجراس ضوئية بدلاً من الصوتية وأنظمة إنذار مرئية داخل الشقق .. وأطلق المجلس حملات توعية للمقاولين والمهندسين حول أهمية التصميم الشامل الذى يضمن وصول الأشخاص ذوى الإعاقة إلى السكن والخدمات العامة بسهولة .. هذا جعل قضية السكن جزءاً من حقوقهم وليس مجرد منحة. ما تطبيق واصل الذى أطلقه المجلس وكيف يعمل لخدمة الأشخاص الصم؟ تطبيق واصل يُعد من أبرز المبادرات الرقمية للمجلس فى مجال تسهيل التواصل مع الأشخاص الصم ، حيث صُمم خصيصا ليمكن الأشخاص الصم وضعاف السمع من التواصل المباشر مع المجلس والجهات الحكومية المختلفة .. ويعتمد التطبيق على الفيديو كول بلغة الإشارة ، بحيث يمكن للمستخدم تقديم شكواه أو استفساره ويتم ترجمتها فوراً إلى اللغة العربية من خلال مترجمى المجلس المتواجدين على مدار اليوم.. كما يتيح التطبيق إرسال شكاوى مكتوبة أو مرفقة بالصور والوثائق مع متابعة مسار الشكوى لحظة بلحظة .. ومن خلال واصل تم ربط الأشخاص ذوى الإعاقة بالجهات الحكومية والخدمية المختلفة مثل: مكاتب التموين ووحدات المرور ومكاتب البريد والهيئات الصحية ، مما سهل وصولهم إلى الخدمات التى كان يصعب عليهم الاستفادة منها سابقاً بسبب عائق التواصل .. والتطبيق لا يقتصر على الشكاوى فقط بل يقدم خدمات إرشادية مثل: توجيه المواطنين إلى حقوقهم القانونية والإجراءات المطلوبة للحصول على بطاقات الخدمات المتكاملة ، بالإضافة إلى الإبلاغ عن أى انتهاكات يتعرضون لها. ولكن رغم النجاحات التى حققها المجلس فى هذا المجال، إلا أن هناك عدة تحديات ما زالت قائمة أهمها: ضعف الوعى المجتمعى حيث إن كثيراً من الأشخاص ذوى الإعاقة أو أسرهم لا يعرفون بوجود التطبيق أو لا يجيدون استخدامه بالشكل الأمثل .. والفجوة الرقمية ، حيث إن هناك نسبة من الصم خاصة فى القرى والمناطق النائية لا تتوافر لديهم هواتف ذكية أو إنترنت قوى يمكنهم من الاستفادة من تطبيق واصل.. وكذلك نقص الكوادر المتخصصة ، حيث إن تشغيل خدمة الفيديو كول يتطلب وجود مترجمى لغة إشارة بشكل دائم وهو ما يمثل تحدياً فى بعض الأوقات بسبب قلة عدد المترجمين المُدربين. وما أبرز التحديات التى تواجه الصم فى مجال التعليم؟ بالرغم من أننا ذكرنا المجهودات التى تقوم بها وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، إلا أن الصم نسبة الأمية بهم عالية وهذا يرجع لعدة أسباب منها: عدم تأهيل معلمى مدارس الأمل للصم على لغة الإشارة مما يُفقد لغة التواصل بين الطالب والمعلم وعدم وجود شاشات ذكية فى كل المدارس حتى يتسنى لهم عرض المناهج التى تم إتاحتها بلغة الإشارة من قبِل وزارة التربية والتعليم ، بالإضافة إلى أن المناهج غير مناسبة للصم لأن المحتوى الأكاديمى غالبًا ما يكون مُصمماً للطلاب الأسوياء الذين يعتمدون على التواصل الشفهى وهذا يعد تحديًا كبيرًا خاصة فى المواد التى تتطلب شرحًا معقدًا أو مشاركة شفهية .. والامتحانات أيضًا قد تكون مُصممة بطريقة لا تراعى احتياجات الطلاب الصم ، مما يصعب عليهم فهم الأسئلة أو التعبير عن إجاباتهم بشكل كامل .. وهناك أيضًا نقص فى الأدوات التعليمية ، حيث إن العديد من المدارس تفتقر إلى الأدوات التكنولوجية التى تسهل التعلم على الصم مثل: شاشات العرض التفاعلية أو مقاطع الفيديو المُترجمة بلغة الإشارة أو البرامج التعليمية البصرية .. ومن بين العقبات الكبيرة أن المدارس تركز على تعليم الأصم الحرف اليدوية أكثر من التركيز على تعليمه القراءة والكتابة فيتخرج غير قادر على القراءة والكتابة ثم يذهب إلى الجامعة فتواجهه نفس المشكلة هناك .. كذلك غياب مترجمى لغة الإشارة فى معظم المدارس العادية مما يضع حاجزًا كبيرًا بين الطالب والمعلم. وما أبرز التحديات التى يواجهها الصم فى مجال التوظيف؟ هناك بعض الاعتقادات الخاطئة والصور النمطية السلبية لدى أصحاب العمل تجاه قدرات الأشخاص الصم حيث يعتقد البعض أنهم غير قادرين على الإنتاجية أو التواصل الفعال .. وهذا يؤدى إلى التمييز ضدهم فى التوظيف أما البيئة نفسها فهى غير مُجهزة فقد لا تتوافر أنظمة إنذار مرئية فى حالة الطوارئ أو وسائل تواصل مكتوبة أما فى مسألة الترقيات والتقدم الوظيفى فقد يواجه ذوو الإعاقة السمعية صعوبة فى الحصول على ترقية أو مناصب قيادية بسبب حواجز التواصل أو نقص الثقة من قبِل الإدارة فى قدراتهم .. وعلى الجانب القانونى والإدارى بالرغم من وجود قوانين تلزم الشركات بتوظيف ذوى الإعاقة مثل نسبة ال 5% فى مصر إلا أن بعض الشركات لا تلتزم بها بالكامل .. ولا توجد آليات كافية لمتابعة التنفيذ بشكل فعال كما أن هناك نقصًا فى الجهود المبذولة للتوفيق بين مهارات الأشخاص الصم والوظائف المناسبة ، مما يؤدى إلى توظيفهم فى وظائف لا تتناسب مع قدراتهم أو مؤهلاتهم.