فى لحظات السكون القاتل وسط مجازر دموية، وفى ظلال مشهد إنسانى لا يحتمل، خرجت الإدارة الأمريكية بما تسميه «خطة سلام جديدة للشرق الأوسط».. بطل المشهد هذه المرة ليس البيت الأبيض فقط، بل توقيت محمل برائحة الدم ودخان الصواريخ والقنابل، وأجساد الفلسطينيين التى لم تبرد بعد تحت أنقاض غزة.. فما معنى أن يتم طرح مشروع سلام بينما البنادق لا تزال ساخنة ؟!. والسؤال الذى يطرح نفسه، هل نحن أمام خطة لإنهاء الصراع، أم مجرد ورقة جديدة فى دفتر المناورات السياسية؟. إذا قرأنا خطة ترامب فى سياقها الكامل، وجدنا أن الهدف ليس إنهاء الصراع، بل إعادة تشكيله ليتناسب مع ميزان القوى الجديد فى المنطقة، فالحديث عن حل سلمى لا يكتسب شرعية إلا إذا جاء فى سياق العدالة.. لا فوق أكوام الجثث. فى الوقت الذى تحاصر فيه غزة منذ شهور بآلة تجويع ممنهجة، ويقتل الجميع دون تفرقة بين رضيع ومسن، يخرج ترامب بخطة يسميها «صفقة سلام تاريخية».. لكن ماذا تعنى هذه الخطة حين يتم عرضها فى ظل معادلة سياسية مختلة، حيث تمنح إسرائيل حق القتل، وتطلب من الضحية التفاوض على شروط دفن موتاها؟!. المفارقة الأشد قسوة، أن هذه الخطة جاءت متزامنة مع تهديد أمريكى واضح بمهلة، وكأن على الفلسطينيين أن يوقعوا صك الاستسلام كى لا يموتوا جوعًا أو قصفًا.. فهذا التوقيت لا يبشر بسلام، بل يدلل على أن الخطة الأمريكية ترى فى موت الفلسطينيين أداة ضغط وفى الحصار وقودًا لإجبارهم على القبول بالواقع الجديد.. الأخطر أن الخطة تتجاهل جوهر المأساة.. فالفلسطينيون ليسوا مجرد أطراف نزاع حدودى بل شعب مشرد، مسلوب الحقوق يقع تحت احتلال استيطانى توسعى.. وبالتالى أى خطة لا تبدأ من هذا الاعتراف فهى ليست خطة سلام، بل شرعنة الاحتلال. وأرى أن السلام لا يولد على الورق بل من رحم التوازن فلا يمكن أن يكون سلامًا ما لم يشعر به الطرف الأضعف، يشعر أنه لا يهين كرامته، ولا يصادر حقوقه.. أما خطة تأتى من قلب الحرب مدفوعة بدماء الغزيين ومسنودة بمهلة أمريكية لا يمكن أن تكون إلا امتدادًا للعدوان. وهنا تتضح الحقيقة المؤلمة ما لم تتغير موازين القوى، وما لم يتحرك العالم وعلى رأسهم العرب لتغيير شروط التفاوض فإن أى خطة سلام لن تكون إلا هدنة فى معركة أكبر.. معركة الوجود .