يثير اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير جدلا واسعا بعد إدراجه في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في غزة، حيث يراه البعض رجل التسويات السياسية وصاحب الخبرة الطويلة في الشرق الأوسط، فيما يعتبره آخرون شخصية مثيرة للانقسام بسبب دوره في غزو العراق عام 2003. خطة ترامب تتضمن خطة ترامب للسلام، المؤلفة من عشرين نقطة، إنشاء هيئة انتقالية دولية تشرف على حكم غزة بعد الحرب. ومن المقرر أن يرأس ترامب "مجلس السلام" الذي سيكون بلير، البالغ من العمر 72 عاما، عضوا فيه. لم يكن إدراج اسم بلير في هذا المجلس مفاجئا، إذ شارك خلال الأشهر الماضية في صياغة مقترحات السلام الخاصة بغزة، بالتعاون مع جاريد كوشنر صهر ترامب، ورون ديرمر المستشار الرئيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وفي أغسطس الماضي، حضر بلير اجتماعا رفيع المستوى في البيت الأبيض مع ترامب لمناقشة استراتيجية ما بعد الحرب للقطاع، كما عقد لقاء آخر قبل ذلك بشهر مع المبعوث الرئيسي للرئيس ستيف ويتكوف. أشاد بلير بخطة ترامب واعتبرها "جريئة وذكية"، مؤكدا أنها أفضل فرصة لإنهاء عامين من الحرب والمعاناة، ومشددا على أنها تتيح إمكانية بناء تحالف إقليمي ودولي لمواجهة التطرف وتعزيز السلام والازدهار. سجل بلير منذ توليه رئاسة الوزراء عام 1997، دعم بلير جهود إدارة بيل كلينتون لتحقيق السلام في المنطقة، وفي اليوم الذي غادر فيه منصبه عام 2007، تم تعيينه مبعوثا خاصا للجنة الرباعية التي تضم الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو الدور الذي استمر فيه حتى عام 2015. ويؤكد أنصاره أن مهمته في الرباعية كانت تركز على التنمية الاقتصادية، بينما كان مستبعدا من العملية السياسية المباشرة، لكن خبرته الطويلة وشبكة علاقاته في الشرق الأوسط مكّنته من البقاء فاعلا في القضايا الإقليمية عبر أعماله ومعهده للتغيير العالمي. جدل حوله رغم إشادة البعض بخبرته، فإن بلير يواجه إرثا ثقيلا يتعلق بدوره في غزو العراق عام 2003، استنادا إلى تقارير عن أسلحة دمار شامل تبين لاحقا أنها غير صحيحة، هذا القرار ما زال يشوه صورته في المنطقة، ويدفع منتقديه إلى اتهامه بارتكاب جرائم حرب. وعبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز عن رفضها القاطع لأي دور لبلير في غزة، وكتبت عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "توني بلير؟ لا، لا. ارفعوا أيديكم عن فلسطين. هل نلتقي في لاهاي ربما؟". أما وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش فقد اعتبر أي دور لبلير تهديدا، بينما قال حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إنه يجب محاكمة بلير على خلفية غزو العراق، معتبرا أن أي خطة مرتبطة باسمه "نذير شؤم". وفي بريطانيا، أشار السير سايمون فريزر، الرئيس السابق لوزارة الخارجية، إلى أن بلير كان موضع ثقة في واشنطن وإسرائيل والخليج، لكنه أكد أن "الشارع العربي لم ينس العراق". مواقف الفلسطينيين يرى كثير من الفلسطينيين أن بلير كان دائما أقرب إلى المواقف الأمريكية والإسرائيلية، وأنه فشل في دعم قيام دولة فلسطينية أو مواجهة الاستيطان وعنف المستوطنين خلال فترة عمله مبعوثا للرباعية. وقال المفاوض الدولي السابق نومي بار يعقوب إن الفلسطينيين لا يثقون ببلير مطلقا، واعتبره "فشلا ذريعا" في مهمته السابقة. حتى رئيس الوزراء البريطاني الحالي كير ستارمر، الذي أثنى في خطابه الأخير على خطة ترامب للسلام، تجنب الإشارة إلى أي دور محتمل لبلير. فرص النجاح رغم خبرة بلير ومهاراته التفاوضية التي ساهمت سابقا في التوصل إلى اتفاقية الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية، إلا أن مشاركته في غزة قد تصطدم برفض الفلسطينيين وتشكيك الشارع العربي. وقال وزير الصحة البريطاني ويس ستريتنج إن الدور المحتمل لبلير "سيسبب الدهشة" نظرا لحرب العراق، لكنه أشار إلى أن بلير يمتلك "إرثا رائعا" في أيرلندا الشمالية، وإذا استطاع توظيف هذه الخبرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فسيكون ذلك مكسبا. مع ذلك، يرى محللون أن دور بلير يبقى ثانويا، وأن نجاح خطته مرهون بحل الخلافات الجوهرية بين الجانبين وبالتفاصيل التي لم يحسمها البيت الأبيض بعد. وقالت سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس، إن التركيز على شخصية بلير وإرثه في العراق يخفي التحديات الحقيقية أمام خطة السلام، معتبرة أنها "تفتقر للتفاصيل والجداول الزمنية والنتائج" ولا تحظى حتى الآن بدعم فلسطيني أو إسرائيلي. تظل التساؤلات قائمة حول الدور الحقيقي الذي قد يلعبه بلير إذا ما تم تفعيل خطة السلام، فالتنسيق مع البيت الأبيض وقادة الخليج أمر، بينما الإشراف الفعلي على حكم غزة وإعادة إعمارها وضمان أمنها أمر آخر تماما.