لم يكن أحد يتخيّل أن تشهد الساحة الدولية انقلابًا بهذا الحجم تجاه الكيان الصهيوني. فالدول التى كانت لعقود تمنح إسرائيل الغطاء الدبلوماسى والسياسى والعسكري، استيقظت لتكتشف أن هناك شعبًا يُذبح منذ 75 عامًا، له حق فى الحياة! حلفاء أوفياء للاحتلال بدأوا يراجعون مواقفهم، ويتخذون خطوات غير مسبوقة بالاعتراف بدولة فلسطين، بعد سنوات من التواطؤ فى خطوة اعتبرت زلزالًا سياسيًا. هذا الاعتراف ليس مجرد ورقة سياسية، بل إقرار ضمنى بانهيار الرواية الصهيونية التى نجحت لعقود فى تصوير إسرائيل ضحية تحتاج حماية. العالم اليوم يرى الحقيقة بوضوح: غزة هى الضحية التى تواجه الإبادة والتطهير والتهجير. بريطانيا وجدت نفسها مضطرة للاعتراف بفلسطين بعد عقود من التواطؤ الذى بدأ بوعد بلفور، والأكثر إدهاشًا أن إيطاليا أرسلت «فرقاطة» حربية لحماية «أسطول الصمود» المتوجه لكسر حصار غزة، فى سابقة عسكرية -ولو بشكل رمزي- ضد الغطرسة الإسرائيلية، فرنسا بدورها أرسلت رسائل مشابهة، لتؤكد أن الانقلاب لم يعد دبلوماسيًا فقط، بل يحمل بُعدًا عسكريًا يُحرج تل أبيب ويضعها فى عزلة لم تعرفها من قبل. وتبقى الولاياتالمتحدةالأمريكية، متصدّرة البطولة المطلقة للعار، واللاعب الأكبر فى مسرحية الإبادة، والراعى الرسمى للتهجير، والحامى الأول للآلة العسكرية الإسرائيلية؛ وها هو رئيسها «عرّاب الدم» مهرّج سياسى يرتدى بدلة رسمية، ويقف على مسرح الأممالمتحدة، يدافع عن إسرائيل بكل وقاحة، ويداه تقطران بدماء الفلسطينيين، متباهياً بأنه يستحق جائزة نوبل للسلام على جرائم ترتكب أمام أعين العالم!! مستخدمًا فيتو مخزيا جديدا، يمنح المحتل ضوءًا أخضر لارتكاب مزيد من المجازر، ويجعل بلده شريكًا كاملًا فى الجريمة، لا مجرد داعم سياسى أو عسكري، أى مهزلة هذه؟! وأى سلام يقصده؟ سلام الدبابات والقنابل الفسفورية؟ سلام الحصار والإبادة وقتل الأطفال وتجويع المدنيين؟ فإذا كان السلام يُقاس بالمجازر، فهتلر وموسولينى أولى بجائزة نوبل! لقد سقطت الأقنعة عن وجه أمريكا، آخر معاقل الدفاع عن مشروع صهيونى آيل للسقوط. ومع كل قذيفة تسقط، وطفل يُنتشل من تحت الركام، تزداد قناعة العالم بوحشية الاحتلال الذى زرعه الغرب فى أرض فلسطين، وسواء كان التحول الغربى بفعل زيادة الضغوط الشعبية على الحكومات الغربية، أم محاولة متأخرة للنجاة من لعنة التاريخ، فالمشهد اليوم يُثبت أن التاريخ يكتب فصلاً جديدًا؛ فهذه اللحظة الفارقة برغم تعقيداتها، تكتب نهاية زمن الصمت، وبداية زمن الحساب.