مع بداية العام الدراسى الجديد، لم تسلم المدارس من مشاهد العنف والبلطجة، بل وصلت الأمور إلى التحرش أحيانًا، وذلك خلال الأسبوع الأول فقط من العام الدراسي، ما يثير القلق حول مستقبل السلوكيات داخل المؤسسات التعليمية. وفى هذا السياق، يقول د. الأمير محفوظ، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سابقًا، إن العنف قد يحدث داخل المدرسة، سواء كان قولًا أو فعلًا أو سلوكًا، وقد يصدر من أحد أطراف العملية التعليمية، سواء أكان معلمًا أو طالبًا. اقرأ أيضًا | خالد الجندي: حرية الإنسان مع الله ليست مطلقة وقد يكون هذا العنف حادثًا عارضًا، وقد يتجاوز الإطار المدرسى ليظهر فى المجتمع، كما رصدته بعض المواقع الإلكترونية من حالات تحرش ببعض الطالبات أمام المدارس، وهو ما يُعد انعكاسًا مباشرًا لقصور فى التربية، حيث يبدو أن المجتمع بات فى حالة خصومة مع الأخلاق القويمة التى يجب أن تُرعى وتُعزز. وأشار إلى أن انتشار ثقافة «البلطجة» واعتبارها سلوكًا بطوليًا، وظهور البلطجى فى صورة البطل المحبوب، يمثل خلطًا كبيرًا فى المفاهيم، يوقع الشباب فى أزمة ذهنية وأخلاقية وسلوكية، تُغذّيها الدراما التليفزيونية والسينمائية. وإن استمرار النخبة الفكرية والثقافية فى صمتها، سيجعلنا أمام مشكلة متفاقمة فى السنوات القادمة. وأكد أن مواجهة هذه الظواهر تحتاج إلى تفعيل أدوار المؤسسات الاجتماعية المختلفة: فالأسرة عليها إعداد برامج توعوية للوالدين، ومرافقة الأبناء ورعايتهم داخل كنف الأسرة. والمدرسة يجب أن تؤدى دورًا تربويًا من خلال تنظيم ندوات توعوية وأخلاقية، لتوضيح خطورة العنف وآثاره، وتعزيز الدعم النفسى والتربوى للطلاب. كما أن مؤسسات الدعوة يجب أن تسهم بتوجيه دينى معتدل، بعيدًا عن الاستقطاب والأدلجة، لتكسب ثقة الشباب، ويتذكّرهم بالقيم النبيلة، مع التعامل مع بعض المنحرفين باعتبارهم مرضى يحتاجون للعلاج النفسى لا المجرمين، إلا فى حال ارتكابهم لجرائم حقيقية.. وأكد ضرورة تفعيل القانون ودور الدولة فى محاسبة المخالفين بقوة القانون، ومعاقبة كل من يرتكب جريمة تحت غطاء العنف المدرسي.. وشدد على ضرورة تقديم قدوات حقيقية، مستقيمة خلقًا وسلوكًا، فى الإعلام والواقع، وليس فقط عبر الدراما، التى كثيرًا ما تساهم فى ترسيخ صور سلبية ومشوهة فى أذهان الشباب. وأشار الشيخ أشرف عبد الجواد، من علماء الأزهر الشريف، إلى أن العنف مرفوض تمامًا فى الإسلام، دين السلم والسلام. واستشهد بحديث النبى صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، مؤكدًا أن هذه القاعدة ترسخ لمبدأ الأمن المجتمعي ومع بداية العام الدراسي، شدد على أن المسئولية مشتركة بين الأسرة والمعلمين والطلاب. فالآباء مُطالبون بحسن تربية أبنائهم، والمعلم مؤتمن على طلابه، والطالب ملزم باحترام معلمه ومدرسته، التى يجب النظر إليها باعتبارها محراب علم مقدّس. كما نبه إلى حرمة العبث بالممتلكات العامة داخل المدارس، فكل شيء فيها ملك للجميع ويجب الحفاظ عليه، وختم بقوله تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»، داعيًا إلى مراقبة الله فى كل قول وفعل. وأكّد د. عصام المغربي، خبير علم النفس السلوكي، أن الجرائم المدرسية مؤشّر خطير على وجود خلل فى المنظومة الأخلاقية داخل المدارس والمجتمع ككل، ناتج عن ضعف فى غرس القيم والمبادئ التربوية. وأوضح أن بعض الجرائم، مثل العنف الجسدى أو الجنسي، قد تكون نتيجة تشوهات معرفية، حيث يبرر الطالب السلوك المؤذى فى ظل بيئة مدرسية غير آمنة، وضعف فى الرقابة وغياب الأنشطة التربوية الفعالة، إضافة إلى افتقار العلاقة الإيجابية بين المعلم والطالب. وبيّن أن الحل يكمن فى تعزيز التربية الأخلاقية داخل المناهج التعليمية، باستخدام أساليب مثل القصة، والمثل العليا، وتنمية الرقابة الذاتية وتحمل المسئولية، وبناء علاقات قوية بين المعلمين والطلاب. كما شدد على أهمية التعامل الحازم والشفاف مع الجرائم المدرسية، وتأكيد الرفض الكامل لهذه السلوكيات، حتى لا تتفاقم. وختم بقوله إن المجتمع يحتاج إلى إعادة تشكيل منظومة القيم والأخلاق، وتجديد العلاقة بين الأفراد على أساس من الاحترام، والتسامح، والابتعاد عن الرذيلة، والسعى إلى الارتقاء بالذات نحو الخير، وهى فى الأساس رسالة الدين الإسلامي، والغاية الحقيقية للتربية والتعليم معًا.