فى يوم اتصل بى مصدر يعمل فى المجلس الأعلى للآثار (قبل أن يتحول الى وزارة للآثار) وقال لى: عندى لك سبق صحفى، هناك لوحة أثرية مهمة للإله حابى اختفت منذ عودتها إلى مصر عقب مشاركتها فى أحد معارض الآثار الخارجية، وأعطانى صور مكاتبات بين 3 جهات فى المجلس تتبادل تحمل المسئولية، وقال لى المصدر إنه حرص على إبلاغى حتى لا تختفى اللوحة، كغيرها إلى الأبد! تأكدت أن المكاتبات سليمة، وعرضت الأمر على الكاتب الكبير الراحل جلال دويدار رئيس تحرير الأخبار فى ذلك الوقت، وكان قراره بنشر الخبر فى الصفحة الأولى عن اختفاء لوحة للإله حابى، ببطن ممتلئ وثديين متدليين تجسيدًا لفيضان نهر النيل باعتباره مصدر الحياة والخصوبة عند المصرى القديم. قامت الدنيا ولم تقعد، ولم يتوقف تليفونى عن الرنين، من عدة جهات، وقبل أن ينتصف النهار، كان هناك طلب إحاطة عاجل للوزير فى مجلس الشعب لكشف أسباب اختفاء حابى. لم يستطع الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة وقتها أن يخرج على الملأ مباشرة ويكذب ما نُشر، ليس لقوة علاقتى به، ولكن لأن المكاتبات التى استندت إليها كانت سليمة، وكانت اللوحة بالفعل مختفية، فقد دخلت بدروم المتحف واختفت، ووقفت الوزارة على أطراف أصابعها حتى تم الإعلان عن العثور على اللوحة فى أحد مخازن بدروم المتحف المصرى، كشفت الواقعة عن كارثة مخازن المتحف المصرى الكبير، الذى قرر فاروق حسنى تبنى مشروع لجرد محتوياته لأول مرة منذ ما يقرب من ربع قرن!. وقال الوزير أمام البرلمان إننا لا نعرف على وجه الدقة عدد الآثار أو القطع، وأن صعوبة الأمر تزداد عندما نعرف أن المتحف يمتلئ بأحراز لقضايا آثار، بعضها يعود إلى الفترة الملكية وبعضها الآخر توفى فيها الجناة، والأخطر أن بعضها كانت محرزة على أنها آثار ويُكتشف لاحقًا أنها مجرد مستنسخات لا قيمة لها، هذا الأمر جعل بعض الأثريين يرفضون استلام الآثار كعهدة.. أتذكر هذا التاريخ وأنا أقرأ مؤخرًا كارثة فقداننا للأبد لسوار ذهبى أثرى يعود للعصر المتأخر بعد أن قامت مرممة أثرية بسرقته وبيعه لصائغ مشغولات ذهبية قام بصهره لنفقد بذلك قطعة أثرية وتحفة يقدر عمرها بآلاف السنين. كنت أعتقد أن المنظومة التى تسبب اختفاء لوحة حابى فى إنشائها، قد قضت على كل الثغرات، خاصة مع إنشاء أكبر وأهم معامل الترميم، فى المنطقة وربما فى العالم، فى المتحف المصرى الكبير، ولكن من الواضح أننى كنت واهمًا، وما زالت هناك ثغرات، وإلا لما حدث ما حدث، لم يعد يليق بمصر وهى على وشك أن تفتتح أهم وأكبر متاحف العالم أن تظل تحمى ما لا يقدر بأموال ب «النبوت» .