كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، عن مقترح مثير للجدل وصفته ب«الخريطة الذكية»، تسعى من خلاله واشنطن لتجميد المكاسب الروسية في أوكرانيا وتقييد خيارات كييف المستقبلية. وبينما يروّج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لرغبته في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، تكشف مواقفه المتناقضة بين الدعم والضغط، والإشادة والهجوم، عن استراتيجية «ضبابية» تهدد بتحويل مسار الدبلوماسية إلى لعبة محفوفة بالمخاطر، يختلط فيها حساب المكاسب بالخسائر على أرض المعركة وفي مائدة المفاوضات. اقرأ أيضًا| أخطاء ترامب العشر الكبرى في السياسة الخارجية.. تصفية طوعية لمكانة أمريكا ارتباك الرسائل الأمريكية أفادت المجلة الأمريكية ذاتها، أن دونالد ترامب يعلن رغبته في وقف الحرب الروسية الأوكرانية، لكن ممارساته أظهرت تذبذبًا واضحًا.. فتارةً يوقف الدعم العسكري والاستخباراتي لكييف ثم يعاود استئنافه، وتارة يحث أوكرانيا على الهجوم وهو يتبنى بعض سرديات الكرملين. كما شدد على ضرورة تخلي كييف عن القرم وأي أمل في الانضمام لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وخلال قمة بالبيت الأبيض الشهر الماضي، عرضت خرائط تُبرز حجم التوغلات الروسية، وطرح ترامب فكرة منح موسكو أجزاء غير مسيطر عليها في أوكرانيا، قبل أن يخففها بمقترح فضفاض عن ضمانات أمنية أمريكية بعد الحرب الروسية الأوكرانية. «إشادة وتهديد في خطاب واحد» أوضحت «فورين بوليسي» أن تناقض خطاب ترامب بلغ حدًا لافتًا، إذ هاجم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وأشاد به في الوقت نفسه، مبررًا قسوته ب"قتله الكثير من الناس" حسب وصفه حيث كتب ترامب على موقعه للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" مطالبًا بوتين بوقف الغارات، لكنه تجاهل فرض عقوبات على روسيا أو الصين وركز على الهند بفرض رسوم جمركية 50% بسبب النفط الروسي. وهذا النهج أربك حلفاءه وأطاح بآمال إحراز تقدم حقيقي، بعدما تحولت الدبلوماسية إلى لعبة توقعات «غير مستقرة». اقرأ أيضًا| تحليل غربي يحذر: روسيا قد تنقل معركتها لقلب أوروبا إذا توقف النزاع مع أوكرانيا كيف تنتهي الحروب؟ ذكرت المجلة أن دراسات إنهاء الحروب تكشف أن المفاوضات لا تبدأ إلا بعد تغيّر القناعات حول ميزان القوى على الأرض. فالحرب تكشف القدرات الحقيقية وتُحدث تعديلًا في التوقعات، وهو ما يُفسر طول وتعقيد مسار التسويات. وفي الحرب الروسية الأوكرانية، لا تبدو هزيمة أو انتصار أي طرف وشيكًا، ما يجعل الدبلوماسية محكومة بالواقعية لا بالشعارات، بحسب مجلة «فورين بوليسي». دور القوى الخارجية وواقع المعركة بيّنت مجلة «فورين بوليسي» أن أطرافًا مثل الصين وأوروبا وكوريا الشمالية والولايات المتحدة تلعب دورًا جوهريًا في توجيه مسار الحرب الروسية الأوكرانية عبر الدعم أو سحبه، وهذا العامل يُحدد مدى اتساع أو انكماش هامش التفاوض، وهو ما يجعل أي اتفاق محتمل رهنًا بالمواقف الدولية بقدر ما هو رهن بساحة المعركة. وأشارت المجلة، إلى أن فرص كييف في استعادة جميع الأراضي تراجعت، بينما أخفقت موسكو في تحقيق استسلام سريع. ورغم التقدم الروسي البطيء، تسقط يوميًا نحو ألف ضحية، ورغم التطويرات التكنولوجية، ما زالت القوات الروسية تعاني من أوجه قصور تاريخية. أما القصف الاستراتيجي ضد البنية التحتية والمدنيين بحسب «فورين بوليسي» فله سجل مختلط لا يضمن إخضاع أوكرانيا دون استخدام أسلحة نووية، وهو ما يبدو بوتين غير مستعد له، وفي المقابل، بدأ المواطن الروسي يشعر مباشرة بتأثير العقوبات ونقص الوقود بسبب هجمات أوكرانيا على مصافي التكرير. اقرأ أيضًا| بعد ربع قرن.. مبتكر نظرية العقوبات يقر بعجزها عن كبح روسيا اتفاق إقليمي «مُؤجل» أفادت المجلة الأمريكية، أن التوقعات تتقارب نحو اتفاق إقليمي يقوم على خطوط السيطرة الحالية، مع تمسك الكرملين بأراضٍ إضافية أعلن ضمها نظريًا في يونيو 2024. وفي حين رفضت كييف ذلك، إلا أنها تراهن على العقوبات والدعم الغربي لتغيير المعادلة، ومع استمرار الحرب الاستنزافية، يُحذر الخبراء من أن الجمود يجب أن يُدار ب «الواقعية.. لا بالمغالاة». خطة «الخريطة الذكية» كشفت مجلة «فورين بوليسي» أن هناك ثلاث خطوات لترجمة أفكار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى تسوية عملية في مسار الحرب الروسية الأوكرانية، وهي: ◄ أولا: تثبيت خط السيطرة ورفض الاستسلام القانوني. ◄ثانيًا: إعادة رسم كييف لحدودها الداخلية بدمج المناطق غير المسيطر عليها من دونيتسك وزابوريزهجا وخيرسون في أقاليم مجاورة. ◄ثالثًا: تقديم الخريطة المعدلة كأساس لهدنة، مع آليات ضغط في حال رفض موسكو، مثل تفعيل ضربات بعيدة المدى وتشديد العقوبات وتحريك الأموال الروسية المجمدة. فخ الاعتراف القانوني أكدت المجلة الأمريكية، أن الهدف هو تحصين الواقع الحالي دون إضفاء شرعية على الهجوم العملياتية، فروسيا أثبتت سابقًا في جورجيا أنها توسع حدودها تدريجيا، لذا، لا بد من آليات واضحة لإعادة فرض العقوبات عند أي خرق، وشبّهت الدراسة الوضع بتقسيم ألمانيا في الحرب الباردة وخط الترسيم في شبه الجزيرة الكورية، حيث تفرض الرقابة والتحصينات عبئًا دائمًا على الشعوب. وأوضحت «فورين بوليسي»، أن الضمانة الأمنية الحقيقية ليست وعود الغرب بل قدرة أوكرانيا الذاتية، ولذلك، على كييف أن تسير في نهج يشبه "النموذج الفنلندي"،ال1ي يتمثل بين: "قوة عسكرية، وسيادة واضحة، وعدم استفزاز مباشر، مع دمج دفاعاتها تدريجيًا بمعايير الناتو". وهكذا «يصبح الردع قائمًا على قدرة محلية مدعومة غربيًا.. لا على التزامات قد يتم تجاهلها مستقبلًا». الاتحاد الأوروبي بديل ل «الناتو» شدد التقرير على أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مطالب برفض أي شروط روسية تتعلق بتغيير النظام أو نزع السلاح الأوكراني، لكن يمكنه تقديم تنازل لبوتين عبر إطلاق حوار أمني أوروبي-أطلسي موسع لمعالجة "الهواجس الأمنية" الروسية، يشمل ترتيبات الحد من المخاطر وخطوط الاتصال العسكرية. أفادت المجلة، أن الطريق الأكثر قابلية للتنفيذ هو تسريع اندماج أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي وتأجيل ملف "الناتو"، وهذا يمنح كييف دفعة اقتصادية وإصلاحية، ويربطها بالقاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية، ويخفف العبء عن واشنطن تدريجيًا، كما أكدت أن موسكو لا يجب أن تمتلك حق النقض على قرار "الناتو"، لكن النقاش حوله ليس مناسبًا الآن كجزء من التسوية. خلصت «فورين بوليسي»، إلى أن هذه الخطة قد تمنح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب ورقة سياسية داخلية، وتتيح لبوتين ادعاء الصورة التي تُطالب بها، وهي أفضل سبيل مُتاح لوقف النزاع الآن دون التظاهر بانتهاء الصراع الطويل بين أوكرانيا والغرب وروسيا، بينما تحتفظ واشنطن وأوروبا بأدوات الردع والعقوبات.. اقرأ أيضًا| سياسة ترامب الاقتصادية أكثر تطرفًا مما تبدو.. لماذا لا يثير ذلك قلقًا أكبر؟