لم تنتهِ قمة ألاسكا بين دونالد ترامب، وفلاديمير بوتين كما أرادها الرئيس الأمريكي، حيث تحولت إلى مشهد سياسي مُحرج قد يطارده طويلًا. فعلى الرغم من الأضواء والابتسامات والوعود الفضفاضة، خرج ترامب من اللقاء بأيدٍ شبه فارغة، بينما حافظ بوتين على تصلبه المعتاد في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، ليُصبح السؤال: «هل خسر ترامب رهانه الدبلوماسي مبكرًا؟». اقرأ أيضًا| لماذا شكلت تصريحات ترامب بعد «قمة ألاسكا» انتصارًا غير مباشر لبوتين؟ استقبال بوتين في ألاسكا وفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، وُجهت انتقادات واسعة لترامب بعدما استقبل بوتين بسجادة حمراء ولافتة ضخمة كتب عليها "ألاسكا 2025"، في أول زيارة لرئيس روسي للأراضي الأمريكية منذ عقد. لكن هذه الرمزية لم تُثمر أي مكاسب حقيقية، إذ لم يحصل ترامب على ضمانات مسبقة من بوتين، سوى استمرار تهديداته بمواصلة الحرب الروسية الأوكرانية. مؤتمر صحفي بلا نتائج في المؤتمر الصحفي، حاول ترامب إظهار أن المحادثات كانت "مثمرة للغاية"، مشيرًا إلى الاتفاق على بعض النقاط. لكنه اعترف ضمنيًا بالفشل حين أكد أن المسألة الأهم وقف إطلاق النار لم يتحقق فيها أي تقدم، من جانبه، ظل بوتين مُتمسكًا باعتبار أوكرانيا "أرضًا روسية"، ليغلق الباب أمام أي تنازل، بحسب المجلة الأمريكية ذاتها. خطوة غير تقليدية وانتقادات متصاعدة فاجأ ترامب، الجميع بدعوته بوتين إلى سيارته الرئاسية لإجراء محادثة خاصة، في لفتة غير معتادة بين خصوم كبار. ووُصفت هذه الخطوة، بالضعف السياسي لأنها منحت بوتين منصة إضافية دون مقابل واضح. وذكّر المنتقدون بأن بوتين متهم بارتكاب فظائع في أوكرانيا بحسب مجلة «فورين بوليسي» ومع ذلك حظي بمعاملة استثنائية من ترامب. فيما أظهر بوتين براعة في مخاطبة غرور ترامب، مؤكدًا أن الحرب الروسية الأوكرانية، لم تكن لتحدث لو كان ترامب رئيسًا عام 2022، وهي رواية سبق أن رددها ترامب نفسه، فيما بدا هذا التصريح رسالة مبطنة مفادها أن بوتين يثق بمرونة ترامب تجاه الطموحات الروسية. إشارات «متناقضة» من البيت الأبيض جاءت قمة ألاسكا، وسط رسائل متضاربة من إدارة ترامب؛ فبينما تحدث الرئيس الأمريكي عن "تبادل للأراضي" بين كييف وموسكو، أبلغ الأوروبيين أنه لا يسعى سوى لوقف إطلاق النار. والمفارقة أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الطرف الأساسي في النزاع، لم تتم دعوته إلى قمة ألاسكا، مما زاد من الشكوك حول جدية المبادرة. واعتبر بعض الخبراء، أن مجرد عقد قمة ألاسكا خطوة نحو فتح باب النقاش حول تسوية دبلوماسية، وهو أمر كان مرفوضًا سابقًا في واشنطن، لكن الواقع على الأرض يُوحي أن أوكرانيا قد تخسر أكثر في حرب الاستنزاف، فيما ترتفع التوترات النووية بين موسكو والغرب بشكل خطير. اقرأ أيضًا| هل أصبحت ألاسكا مسار لاستعادة العلاقات الودية بين روسيا وأمريكا؟ خطر الفشل على صورة ترامب يرى المُحللون بحسب مجلة «فورين بوليسي» أن استمرار الجمود يعني أن ترامب خرج من قمة ألاسكا أضعف مما دخلها، بل قارن بعضهم موقفه بمواقف تاريخية مشينة مثل تشامبرلين في ميونيخ 1938 أو روزفلت في يالطا 1945، حين رضخ قادة غربيون لمطالب خصومهم، لكن، الفارق الوحيد أن بوتين لم يعد قادرًا على التوسع نحو أوروبا الغربية كما فعل هتلر أو ستالين. سيناريوهات ما بعد القمة أفضل نتيجة محتملة وفق بعض التقديرات كانت هدنة طويلة على خطوط القتال بمسار الحرب الروسية الأوكرانية، شبيهة بالوضع بين الكوريتين. وهناك بدائل أخرى طرحتها الصحافة الغربية، والتي قد تمثلت في منح روسيا سيطرة فعلية على الأراضي المُسيطر عليها بأوكرانيا، لكن أي من هذه الطروحات لم يترجم إلى تقدم ملموس. فيما أعادت قمة ألاسكا، للأذهان اجتماع ترامب وبوتين في هلسنكي 2018، حين رفض ترامب تقارير استخباراته ووقف مدافعًا عن إنكار بوتين للتدخل الروسي في انتخابات 2016، وهذه الذكرى تزيد من مخاوف الأوروبيين والأوكرانيين من أن يتعامل ترامب بلين مفرط مع موسكو، وفقًا لما أفادت به مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية. تصعيد أمريكي مقابل تصلب روسي رغم فشل قمة ألاسكا، ألمح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مُؤخرًا إلى فرض عقوبات ثانوية على الدول المستوردة للنفط والغاز الروسيين، بل رفع الرسوم الجمركية على الهند عقابًا لشرائها أسلحة من موسكو. لكن هذه الإجراءات الاقتصادية تبدو منفصلة عن مسار التفاوض السياسي، حيث يظل بوتين ثابتًا على مطالبه الإقليمية. أما عن النتيجة الأوضح لقمة ألاسكا، فهو: أن لا اتفاق يلوح في الأفق. حيث إن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي يرفض التنازل عن أراضيه دون ضمانات قوية، وترامب لا يرغب في قبول عضوية أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي "الناتو". ومع سباق التسلح النووي المتسارع بين موسكووواشنطن، يزداد خطر غياب آلية حقيقية للردع أو التنظيم. ورغم أن ترامب لطالما شبّه نفسه كثيرًا ب"صانع سلام" يطمح لجائزة نوبل، مستشهدًا بتجاربه مع كوريا الشمالية، لكن قمة ألاسكا أبرزت الفجوة بين الطموح والواقع على الأرض، إذ خرج منها بلا اختراق سياسي يُذكر، بل على العكس، بانتقادات محلية ودولية تعزز صورة رئيس لم يُتقن "فن الصفقة" مع خصومه.