فتح تقرير مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، الصندوق الأسود لعلاقات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليكشف تفاصيل اللقاءات، والصفقات غير المُكتملة، وتهديدات العقوبات التي قد تهز سوق الطاقة العالمية. وبين موقف أمريكا المترنّح وطموحات بوتين المستعرة، اتجهت التساؤلات بشأن هل يمهد ترامب لتسوية أم لتصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية؟ اقرأ أيضًا| رغم تعهّده| لماذا لم تنجح خطة ترامب لوقف الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن؟ أبدى ترامب، خيبة أمل علنية من بوتين بعد أن ظل كثيرًا يكرّر تصريحاته، فخلال ستة أشهر فقط، تحوّل ترامب من التفاخر بقدرته على حل الحرب الروسية الأوكرانية "في يوم واحد"، إلى التلويح بفرض عقوبات مشددة على روسيا وشركائها التجاريين، لكن.. ما وراء هذا التحوّل الحاد؟ يرى مايكل ماكفول، سفير أمريكا السابق لدى موسكو، أن ترامب أدرك فشل استراتيجيته المبنية على استرضاء بوتين، مُقابل تنازلات كبرى من أوكرانيا، لكنه لم يجنِ أي نتائج، بل إن بوتين استمر في رفع سقف مطالبه، وفي نظر ترامب، بدا الأمر وكأنه فقد هيبته السياسية، فاختار تغيير النبرة.. ولو لفظيًا فقط. من وعود ترامب إلى تهديداته... هل يملك أدوات التنفيذ؟ تغير نبرة ترامب لا يعني بالضرورة تغير السياسات، بحسب مجلة «فورين بوليسي»، لم تسفر الجولة الثالثة من مفاوضات إسطنبول بين روسياوأوكرانيا عن شيء يُذكر، ووسط هذا الجمود، أطلق ترامب مُهلة زمنية قصيرة للتوصل إلى اتفاق، وهدّد بعقوبات قد تطال دولًا كبرى مثل الهندوالصين بسبب شرائها للنفط الروسي، ما يهدد بتفجير أزمة أسعار عالمية قد تطال البنزين الأمريكي والتضخم. لكن حول السؤال عن جدية ترامب، شكّك ماكفول في ذلك، ففرض عقوبات على داعمي روسيا قد يبدو جريئًا على الورق، لكنه معقد للغاية من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية. اما الرهان الأمريكي، على إمكانية الضغط على بوتين عبر حلفائه التجاريين يبدو ضعيفًا، ويرى ماكفول، الذي تعامل مع بوتين منذ 1991، لا يتحرك من منطق الصفقات، بل من عقيدة تاريخية تهدف إلى استعادة ما يعتبره "الكرامة الروسية" بعد خسارة أوكرانيا، لذلك، لا يُرجّح أن يقود الضغط الاقتصادي بوتين إلى التفاوض، بل العكس: «قد يُصعّد». في الداخل الأوكراني، تزداد الهجمات الروسية على المدنيين باستخدام طائرات مُسيّرة حديثة تصعب مواجهتها، والروس يحققون مكاسب تدريجية، بينما تكافح أوكرانيا لتعويض الخسائر، خاصة في صفوف الجنود والمدنيين، ويصف ماكفول معاناة الأوكرانيين بأنها نفسية وعسكرية، مُشيرًا إلى أنه رغم كل شيء، لا توجد إشارات استسلام. ترامب والتصعيد السياسي.. «سلاح بلا رصاص» في السياسة كما في الحرب، لا تكفي التهديدات، حيث روى ماكفول، درسًا من وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج شولتز: "لا تُشهر سلاحك إن لم تكن مستعدًا لإطلاق النار"، ويخشى أن ترامب يُهدد دون نية فعلية للتنفيذ، ما يُفقد واشنطن هيبتها عالميًا، كما أن تصريحاته بلا خطوات عملية تُضعف مصداقية أمريكا، وتُربك الحلفاء في أوروبا وآسيا، وتُطمئن خصومها. أما من ناحية بوتين، يؤمن بأن الزمن في صالحه فكلما طالت الحرب الروسية الأوكرانية بحسب مجلة «فورين بوليسي» زاد اعتقاده بأن الدعم الغربي سيتآكل تدريجيًا، أما على الجانب الأوكراني، فهناك صمود وإصرار رغم الخسائر، ورغبة في المقاومة حتى آخر رمق، وعلى غرار ذلك، قال ماكفول، إن نهاية الحرب لن تكون بتسوية، بل بوقف إطلاق نار هش، تعقبه سنوات طويلة من البناء السياسي والاقتصادي. اقرأ أيضًا| سباق اللحظات الأخيرة.. أوروبا تتحرك لتفادي سلاح الصين المعدني| فما القصة؟ ما الذي ينقص استراتيجية ترامب؟ يُواجه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ضغطًا نفسيًا هائلًا، وفق ماكفول، فهو يتلقى يوميًا تقارير عن قتلى الحرب من المدنيين والعسكريين، ورغم ذلك، يحاول زيلينسكي الابتكار، خصوصًا في مجال الطائرات المسيّرة، لكن، وفي لحظة صعبة، تورطت حكومته في جدل بشأن تقييد بعض هيئات مكافحة الفساد، مما أثار مظاهرات داخلية دفعته لإصلاح المسار. لو كان ماكفول مستشارًا لترامب، لأوصاه بتنفيذ تهديداته بجدية، ومصادرة أصول روسية لدعم أوكرانيا، وزيادة الدعم العسكري، والتأكيد أن المعركة ليست فقط من أجل أوكرانيا، بل من أجل هيبة الديمقراطية، لأن الرسالة التي تصل لتايوان، على سبيل المثال، تعتمد على صلابة موقف أمريكا في كييف. «لا نصر ولا هزيمة.. بل هدنة مشروطة» لا يرى ماكفول نهاية قريبة ل الحرب الروسية الأوكرانية، بل يعتقد أن أقرب سيناريو هو وقف إطلاق نار دون اعتراف روسي بالهزيمة أو الأوكراني بالأمر الواقع، ويعتقد أن إعادة إعمار أوكرانيا، وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، قد يكونان سلاحها الاستراتيجي في المستقبل، أما الحل العسكري، فلن يأتي إلا إذا أُجبر بوتين على التراجع في الميدان. وعندما سئل مايكل ماكفول، سفير أمريكا السابق لدى موسكو، لماذا لا يسقط بوتين في الحرب رغم الخسائر، أجاب لأن قبضته حديدية، فروسيا الآن أكثر احكامًا من الاتحاد السوفيتي، ورغم وجود معارضة صامتة بين رجال المال، فإن قدرتهم على التأثير في بوتين تكاد تكون صفرًا. اقرأ أيضًا| لماذا لم تعد أمريكا القوة الاقتصادية الأولى؟.. خريطة التجارة «تُجيب»